يري المفكر الإسلامي المغربي الدكتور محمد طلابي رئيس منتدي الوسطية بالمملكة المغربية أن نجاح الثورة السورية يعني ختام المرحلة الأولي من مراحل الربيع العربي ويمهد لمرحلة ثانية تطال عدداً آخر من الدول العربية مؤكداً أنه متفائل للغاية بشأن نجاح الثورات العربية في تحقيق النهضة المنشودة لكل الدول التي ثارت وهبت لكسر شوكة ديكتاتورية الحكام السابقين مؤكداً أنه لا خوف من غلو الحركات الإسلامية لأن التاريخ علمنا أن الغلو والتشدد إلي زوال ومثلما نطالب الإسلاميين بوأد التطرف والتشدد علينا أن نطالب العلمانيين المعتدلين بنبذ المغالاة في العلمانية لأن لها نفس خطر الإسلام المتطرف. ويؤمن د.طلابي بأن القاعدة الشعبية مع الحركات الإسلامية وأن من يقول غير ذلك مخطيء تماماً مؤكداً أن المعارضين للتيار الإسلامي يتخبطون اليوم مثل الدجاجة المذبوحة وعلي الإخوان والسلفيين أو يرحموهم ويبتعدوا عن الفكر الانتقامي باعتباره فكراً صدامياً وتدميرياً. فقط علي الإخوان والسلفيين أن يتركوا التيار العلماني والليبرالي فهو سيزول من تلقاء نفسه.. "عقيدتي" التقت الدكتور طلابي خلال زيارته الأخيرة للقاهرة ورصدت آراءه في الحوار التالي: * كيف تري المشككين في نجاح التيارات الإسلامية في الحكم؟ ** في تقديري الشخصي فإن الوقت مبكر جداً للحكم علي تجربة التيارات الإسلامية في العمل السياسي لأنهم لم يأخذوا حتي الآن الفرصة الكاملة والمناسبة حتي نحكم علي أدائهم بالفشل فيجب ن نعطيهم ولاية كاملة قبل الحكم عليهم بحيث نستطيع أن نحدد في النهاية نسبة النجاح ونسبة الفشل في أدائهم السياسي ونحكم مدي تقدم الحركات الإسلامية التي وصلت إلي السلطة في إنجاز مشروع النهضة الذي جاوا به لكن بشكل عام فإننا نقول إن البداية كانت إيجابية حيث نستطيع أن نقول إنهم نجحوا في البدء في بناء الدولة الديمقراطية التي نسمع فيها صوت المعارضة يعلو بشدة ودون أدني قلق أو خوف ولم تعد هناك حصانة لأي مسئول مهما كان منصبه وهذا مهم جداً ويعد مكسباً مهماً للغاية حيث يبدو واضحاً تنمية روح العزة والكرامة عند الشعوب. تراجع في الغلو * ولكن هناك من يتخوف من نغمة الغلو الديني لدي الجماعات والتيارات السياسية التي تعمل بمرجعية دينية؟ ** أخالفك الرأي في هذا الأمر فمن الواضح أن نغمة الغلو في تراجع مستمر وحتي التيار السلفي الذي يعد الأكثر تشدداً وغلو في التيارات يتراجع يوماً بعد الآخر عن تشدده وغلوه بعد أن كان يكفر الديمقراطية وظل عقوداً طويلة يرفض تلك التجربة عاد اليوم يقول إن الديمقراطية حلال ويشارك فيها وبعد أن كان يقول إن الحزب حرام والنقابة حرام أصبح يؤسس إضراباً ويشارك العمل النقابي وتراجع السلفيين عن تبني الفكر التكفيري نجاح كبير للغاية وثمرة يجب أن ننميها ونحافظ عليها حتي لا يتراجع هؤلاء عن تلك الأفكار البناءة لتقلص ساحة الغلو الإسلامي. * هناك من يري أن الغلو العلماني خطر يهدد المجتمعات العربية والإسلامية في ظل وصول الإسلاميين إلي الحكم فهل تؤيد هذا الرأي؟ ** هذا أمر بديهي ولكنني أيضاً متفائل بأن الغلو العلماني سيتراجع إن آجلاً أو عاجلاً وعلي سبيل المثال لا يوجد تيار علماني اليوم يستطيع أن يجاهر برغبته في استئصال التيارات الإسلامية أو يطالب بإقصائها عن العمل السياسي أو يعلن رفضه للبرامج الإسلامية ولابد أنم نعترف أن الربيع الديمقراطية يعترض علي الجميع التوقف عن الغلو الفكري سواء كان إسلامياً أو علمانياً. غير صحيح * ولكن الأحداث الأخيرة في مصر وتونس علي سبيل المثال تؤكد أن هناك تخوفات لدي الكثيرين في الداخل والخارج من سيطرة الإسلام السياسي علي مقاليد الحكم؟ ** أنا أري أن هذا غير صحيح واتهم الحركات العلمانية بممارسة غلوها ضد الإسلاميين فالمتطرفون علمانياً يستخدمون أبواقهم الإعلامية علي كافة المستويات وكذلك الحركات الحقوقية والقانونية للطعن علي أداء الحركات الإسلامية سياسياً ورغم ذلك نحن علي ثقة أن ذلك التخويف المفترض لن يؤثر علي المجتمع العميق فالخوف من الحركات الإسلامية وتجربتها يقصر علي المجتمع القشوري بما فيه من غوغائية وتشويش علي الإسلام وكل ما يصدره الإسلامي وأنا أؤكد كذلك أن التيار الإسلامي سينجح في النهاية رغم أنف العلمانية المتطرفة وسأعطيك مثالاً فمنذ عشر سنوات والإعلام الذي ينتمي للعلمانيين يهاجم التجربة الإسلامية بشدة حتي تخيلوا انهم قضوا عليها وكانت المفاجأة أن الانتخابات التي تمت قبل شهرين فحسب في المغرب جاءت في صالح الأحزاب الإسلامية وهكذا فإن هذا التخوف لن يكون له أثر كبير وفي رأيي فإن العلمانية وهي تهاجم التجربة السياسية الإسلامية اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي مثل الدجاجة المذبوحة تضرب بجناحيها هنا وهناك قبل أن تخمد تماماً وأنا أؤكد أن التيار الإسلامي المتشدد إلي انكماش لأن الأمة بطبيعتها تعشق الوسطية وبالتالي فإن الوسطية هي التي ستسود في النهاية. اعتماد الوسطية * وما المطلوب من التيارات الإسلامية من أجل وقف التشدد في صفوف من ينتمون إليها؟ ** لابد من اعتماد الوسطية في كل شيء واعتباره المدخل الأساسي لتقديم البدائل الإسلامية لحل كل مشكلاتنا ولابد أن ترفع التيارات الإسلامية مبدأ المصالحة الوطنية وتقصي جانباً أي فكر انتقامي فلابد من التحاور بين الجميع مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية والمذهبية داخل الوطن الواحد وتتطلب تلك المصالحة الوطنية أن يشارك الجميع في وضع الأساس القوي من أجل نهضة الوطن وهذه هي الدولة الديمقراطية الحديثة لهذا فعلي الإخوان والسلفيين في مصر أن يعملوا علي مصالحة التيار العلماني الوطني وعدم إقصائه من الساحة فمشاركة الجميع في بناء دسور توافقي يعبر عن كل طموح المجتمع المسلم والمسيحي هو عنوان المصالحة في هذه اللحظة ولابد من إشراك كل الطاقات والخبرات سواء كانت إسلامية و غير إسلامية في إدارة شئون الدولة الجديدة وذلك يتطلب أن يتم اختيار المسئول بمعيارين معيار الخبرة وكذلك معيار الثقة ومعيار الثقة مهم للغاية فالثقة مهمة للغاية شريطة وجود حد أدني من الخبرة والعكس مرفوض. تطبيق الشريعة * وما رأي فضيلتكم فيمن يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية اليوم في دول الربيع العربي؟ ** هذا الموضوع يتطلب أولاً أن ننشيء نظرية مفهوم الدولة أو بمعني آخر ما هي الدولة التي نريدها من حيث الشكل أو المضمون مهم جداً فلابد من تحديد هل نريد الدولة الدينية أم العلمانية أم الدولة الإسلامية وفي تقديري فإن الدولة المطلوبة اليوم هي الدولة المدنية ولكنها المدنية ذات الخلفية الإسلامية فالدولة العلمانية مرفوضة وكذلك الدولة الدينية مرفوضة لماذا لأن الدولة الدينية رفض لكل معطيات المجتمع الحديث وفي الدولة العلمانية فصل تام بين الدين والسياسة أما الدولة الإسلامية فهي تلك الدولة التي تشارك الأمرين ولهذا فعلينا أن نبني الدولة المدنية فنحن لا نكره أحداً علي الدين فنحن نريد دولة مدنية نحرر فيها السياسة من الفقه لأن السياسة حكم المتغير وبالتالي فتطبيق الشريعة لا يجب أن يكون بالإكراه وإنما يكون بالقابلية ونترك الأمر للشعوب فإذا كانت الشعوب تريد تطبيق الشريعة إذن يتم تطبيقها بحيث نتدرج في تطبيقها ونضع مراحل منظمة لتطبيقها وأعود فأؤكد أن العصر الحالي يحتم علينا تطبيق مفهوم الدولة المدنية أما تطبيق الشريعة في التو واللحظة ففقيه تجن كبير علي الإسلام لأن التطبيق يتطلب توافر القابلية الشعبية لذلك التطبيق فإن لم تتوافر القابلية لا يمكن تطبيق الشريعة ففي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم نزلت الآية التي تنبه المسلمين علي تحريم الخمر ولكن ذلك جاء بالتدريج وهذا هو ما يعرف الآن باسم فقه الواقع فالأحزاب الدينية الموجودة علي الساحة اليوم مطالبة بأن تمتلك فقه النص وفقه الواقع فلا يكفي أن يكون هناك عالم دين كي يدلنا علي النصوص الواجب تطبيقها بل لابد من توافر علماء العلوم الأخري لتنزيل فقه الواقع علي الحياة المعاصرة. دولة الخلافة * هذا يقودنا إلي سؤالكم عن الرأي فيمن يطالبون ببعث فكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية من جديد؟ ** لا يجوز لنا تطبيقه علي واقعنا المعاصر فإقامة دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية حقيقية يعيد لنا صور النهضة التي عشناها في الماضي أما دولة الخلافة بمفهومها التاريخي فهذا أمر مستبعد فالاستخلاف في الأرض وإقامة الدولة العادلة كان المفهوم الأساسي الذي قامت عليه دولة الخلافة واليوم الدول الغربية تحيا بالفعل المفهوم الصحيح للاستخلاف في الأرض فالخلافة ليست أكثر من بناء الإنسان وبناء الحاكم وفق مباديء الإيمان والرحمة والآدمية والعيش الكريم وقد يكون هذا الاستخلاف بالنظام الملكي أو الجمهوري أو بالنظام البرلماني فالاستخلاف فيه أشكال متعددة حسب الواقع ونحن الآن بدأنا بالفعل دخول عصر الاستخلاف بمفهومه الحديث وليس بالمفهوم القديم خاصة أن مفهوم الخلافة القديم كان ترجمة لعصر قديم أما الآن فإن المفهوم تغير فليس مطلوباً أن نتشكل جميعاً في كيان سياسي واحد من حدود الصين إلي حدود المغرب. الاعتدال * الوسطية..كيف نسهم في انتشارها لتمهد الطريق وتخلص الأمة من تغوُّل المتشددين والمتطرفين الذين يستخدم الغرب أفكارهم لتشويه الإسلام؟ ** لابد من تثمين عمل وممارسة التيارات الإسلامية المعتدلة وأنا واثق تمام الثقة أن الواقع التاريخي الذي نعيشه اليوم سيفرض علي الجميع الاعتدال لأن تاريخ الأمة أثبت أن الأفكار الهدامة المتشددة تمضي بمرور الزمن وتختفي من الساحة وتطويها غياهب النسيان فالمذهب الخوارجي علي سبيل المثال كان موجوداً وحاولوا نشر أفكارهم ولكن الوسطية كانت أقوي فانقرض مذهب الخوارج وكذلك التشيع ذلك التطرف الشديد في حب آل البيت مصيرهم إلي زوال ونظرة موضوعية علي عدد الشيعة يؤكد لنا أن مصيرهم إلي زوال لأن الأمة تسير علي منهج الوسطية فقانون التاريخ سيؤدي إلي اضمحلال التيارات المتطرفة وهو ما يطمئننا ولابد أن نؤمن بشدة بأن التطرف إلي زوال حتماً ولكن علينا فقط أن نستوعب أصحاب تلك الأفكار الشاذة ونتحاور معهم ونقنعهم بخطأ أفكارهم وخطورتها والتعامل معهم بالحسني من أجل دفعهم نحو الاعتدال. العداء الغربي * وماذا تقول للأصوات الغربية التي تتعالي بالتخويف من الإسلام والإسلاميين؟ ** أقول لهم إن العداء للإسلام خطأ قاتل وان كل حاولاتهم لنشر العلمانية المتطرفة في بلادنا ستبوء بالفشل فالعلمانية نجحت في الغرب لأن المناخ والبيئة كانا مهيأين لذلك أمامنا في ديار الإسلام فإن العلمانية لا مكان لها. * الأحداث في سوريا مشتعلة منذ فترة طويلة دون حسم فهل توقف قطار الربيع العربي من وجهة نظرك؟ ** أنا أقول إن الموجة الأولي من الربيع العربي قد انتهت وإن شاء الله تنجح الثورة السورية في إقصاء النظام الغاشم الدموي الذي يحكم سوريا وحينما تنجز الثورة مهامها سوف يستأنف الربيع الديمقراطي وستبدأ الموجة الجديدة من موجات الربيع العربي والتي ستأخذ شكلين إما الإصلاح المتدرج وهو الأمر الذي سيحدث في الملكيات أو الدول الملكية كما في المغرب ودول الخليج أما الجمهوريات ستأخذ الشكل الفرنسي بقيام الثورات القطعية التي تقصي الحاكم وستبدأ تلك الموجة الثانية بعد نجاح الثورة السورية مباشرة حيث سيؤدي ذلك إلي تشجيع كل الدول الأخري علي القيام بثورات ضد ظلم حكامهم لينخرط الجميع في عصر الربيع الديمقراطي. * وكيف تري التعامل الغربي مع الأحوال التي تمر بها دول الربيع العربي؟ ** أولاً لابد أن نعترف أن حضارة الغرب زائفة من الأساس وقامت علي أركان ومباديء غير سوية لهذا فقد انقلب الترحاب الذي قابلت به دول الغرب ثورات الشعوب العربية إلي تخوفات فور الإعلان عن اختيار الشعوب للمنهج الإسلامي لأنهم كان يريدوننا أن نستعمل نظرياتهم غير الإنسانية والقائمة علي مبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي يقوم علي أن السياسة لا تضاهيها الأخلاق وأن البقاء لابد أن يكون دائماً للأقوي ولكننا نقول لهم إن الدين الإسلامي قدم لنا منهاجاً قوياً في التعامل مع مشكلاتنا بعيداً عن نظرياتهم الهدامة وبعيداً عن تأييدهم غير العقلاني للكيان الصهيوني الذي يتبني عقيدة الدمار الشامل التي تقوم علي أن عودة المسيح تقوم علي عدة شروط أهمها عودة اليهود شعب الله المختار إلي فلسطين وبناء الهيكل المزعوم علي أنقاض المسجد الأقصي.