عادت إلي أهلها. تبكي حظها البائس. وفقدان زوجها الذي اختفي دون أن يعرف أحد مصيره. وما حدث له. أحاطها أهلها بالعناية والرعاية وحسن المعاملة.. كيف لا وهي الأخت الوحيدة بين عدد من الأخوة نعم عليهم بالعلم والمراكز الاجتماعية المرموقة. منهم ضابط الشرطة حسن السمعة والأخلاق. ومنهم المهندس. ومنهم الأستاذ الجامعي خرج أجيالاً وحرر كتباً عديدة في مادة تخصصه. والأب كان رجلاً يعرف العلم ويقدره وحرص علي تربية أولاده. والنهوض بهم إلي مصاف المثقفين والعلماء حتي هي حصلت علي درجة البكالوريوس في فرع من فروع العلم. عادت لتعيش وسط أهلها بعد الحادثة التي حدثت لزوجها واختفائه دون أن تقف علي أي أثر له. وأبلغت رجال الشرطة الذين بذلوا جهداً ملحوظاً للعثور عليه دون جدوي. ولم تظهر أي أدلة تفيد عن سبب اختفائه أو العثور علي جثته. بعد مرور سنة عاشتها مع أهلها يرعونها ويحرصون علي إسعادها محاولة للتخفيف عنها. لتنسي ألمها وحزنها. إذا بأشقائها ونسائهم يرونها تبكي ليل نهار لا تنفك عن البكاء أبداً. وصل الأمر إلي حد الصراخ واللطم علي الوجه. وظلت علي هذه الحال أياماً وليالي حتي كانت ليلة مثيرة مليئة بالهم والحزن والدهشة.. جمعت أشقاءها دون زوجاتهم وقررت أمامهم أنها تعرف أين ذهب زوجها. سألوها أين ذهب.. شهقت شهقة مخيفة ونطقت أنا قتلته.. كيف» غابت عن الوعي. وعملوا علي إفاقتها بمعاونة طبيب. ثم استطردت تحكي ما حدث. استضاف زوجها قريباً له تربطه به صداقة قديمة في منزل الزوجية بإحدي المناطق غرب الإسكندرية. نقل حديثاً للعمل بإحدي الوظائف في المصالح الحكومية بتلك المدينة. طالت الاستضافة بعض الشيء. لعدم استطاعة ذلك الصديق الحصول علي سكن خاص. ولأن الزوج يغيب أحياناً في عمله كمهندس زراعي. ويتصادف أن يتواجد الضيف مع الزوجة التي لم يشأ القدر أن يعطيها ولداً أو بنتاً لعيب أصابها وفقاً لما قرره الأطباء رغم سلامة زوجها وقدرته علي الإنجاب. فقد تلاقي الصديق والزوجة مرات كثيرة وحدهما منفردين بالمنزل. واستحسنته في نظرها. واستحسنها في نظره. والتقيا حراماً في غيبة الزوج المستأمن. والواثق في زوجته الذي ما شك لحظة في إخلاصها.. وكيف ذلك وهو الذي رفض رغبة أهله في الزواج بأخري لينجب طفلاً يملأ عليه حياته مع احتفاظه بزوجته - رفض - حتي لا يجرح مشاعرها. أو يسبب لها حزناً وكمداً كشأن كل زوجة في ظروفها. لم يكتف الصديق والزوجة باللقاءات التي تتوفر عند غياب الزوج مرة في الشهر أو مرتين. وتفتق ذهنهما عن حيلة آتيا بها.. الصيدليات متوفرة وصرف الأدوية لا عائق لها. استحضر الصديق الخائن مخدراً يضعه في الشاي كل ليلة بعد العشاء. تعطيه الزوجةپلزوجها. فينام نوماً هادئاً قريراً لتتاح الفرصة كاملة لعاشقين يمارسان فيه غوايتهما. وينعمان بالحرام دون إزعاج أو توتر. ظل الحال علي ذلك مدة ليست بالقصيرة إلي أن ملا وجوده. وكرهاه. حتي وهو مخدر لا يشعر بجريمتهما. وعزما أن يتفرغا لبعضهما دون وجود هذا المخدوع المسكين الذي سمح باقتحام غريب لبيته يخالط زوجته وينفرد بها كل ليلة. ودبرا جريمتهما للتخلص منه. وخنقاه بعد لقاء حميم. واحتفلا لذلك بلقاء ثان. وقد أسلم روحه إلي بارئه. يشكو له غدر الإنسان وظلمه وخيانته. تفتق ذهنهما. ودبرا لإخفاء الجثة بوضعها داخل سجادة لفت حول جسده. وأنزلوها بحبال متينة علي ظهر سيارة نصف نقل قادها العشيق ليلقي بالجثة في مكان لم تستطع الجهات الأمنية العثور عليه. أبلغت الزوجة في اليوم التالي باختفاء زوجها. وعدم عودته إلي المنزل.. كان العشيق قد ترك منزل المجني عليه منذ شهر قبل تدبير هذا العمل الإجرامي الشنيع. ولأن التحريات لم تتوصل إلي حقيقة الفعل. ودلت علي أن الزوجة من أسرة مرموقة. وشقيقة لشخصيات فريدة في المجتمع. ولم تنبئ عن وجود خلافات بين الزوجين لم يتطرق ذهن أحد إلي أنها القاتلة بالاشتراك مع عشيق خائن.. أغلقت الأوراق لعدم وجود دلائل علي أن اختفاء الزوج بسبب جريمة. القدر يكون دائماً داعماً للحق حافظاً للقصاص. لم تستطع الزوجة تحمل ما ارتكبت. أو تأنيب الضمير ولاسيما لأن الأشقاء وزوجاتهم من الشخصيات التي ارتبطت بحسن الخلق. ومراعاة الحلال. ونبذ المحرمات. واللجوء المستمر إلي عمل الخير. والتقرب إلي الله. فأفاضت بكل ما ارتكبت قائلة لعل الله بذلك يغفر لها ما حدث.. بهت الأشقاء من هول ما سمعوا. وأصابتهم رجفة عنيفة. ولم يجدوا أمامهم سوي أن يقدموا شقيقتهم إلي النيابة العامة لتدلي في التحقيقات بكل ما حدث. لتنال ما تستحقه من عقاب. وأمام المحقق اعترفت بأن الصديق الخائن عاشرها أكثر من ستين مرة طوال المدة التي قضاها بمنزل الزوجية. وأضافت أنها اعترفت لعل الله يقبل توبتها. ولعل حكم الإعدام الذي تنتظره يخفف عنها العذاب يوم القيامة. ويلقي القبض علي الشريك الخائن. فينكر أول الأمر. ثم يرشد عن مكان الجثة. وحين سألها القاضي عما نسب إليها. فتقر بصحة ما جاء بالأوراق. طالبة من الله وحده التوبة. فيرد القاضي إن الله غفور رحيم. فتقضي المحكمة بإعدامهما. فيصرخ العشيق الخائن. أما هي فقد حمدت الله وهي تبكي بحرقة وبصوت ذبيح.. يارب ارحمني.. يارب ارحمني.