مان في الإسلام يحفظهما التاريخ أبد الدهر يفتخر بهما وبما أحدثاه من آثار عظيمة للأمة الإسلامية بل للعالم أجمع يوم بدر أو كما يسميه المؤرخون يوم الفرقان لكونه فرق بين الحق والباطل. بين النور والظلام. بين العلم والجهل. بين القوة والضعف.. كان يوما جليلا انتصرت فيه فرقة المؤمنين الذين كانوا مستضعفين في الأرض لم يخطر ببال الزمان أن هذه القلة المؤمنة التي التفت حول نبيها العظيم تؤمن به وتتحدي أساطين قريش وأباطرة الكفر في سبيل إخراج الإنسانية من عبودية الإنسان إلي عبودية الواحد القهار ما كان يظن القرشيون أن محمدا ورجاله الذين لم يبلغوا الثلاث مائة وقليلا بيدهم سلاح لا يخرج عن سيف ورمح وخيول معدودة وجمال أقل ومن بين المحاربين شباب صغير السن لا خبرة له بالحرب كما كانت تظن قريش أن هذه المجموعات علي قلتها تقدر علي مواجهة الجيش الذي قارب الألف من الرجال وبيدهم أسلحة متنوعة من سيف ورمح وقوس وغيرها من الأسلحة الحادة وعدد لا بأس به من الخيول والجمال فضلا عن أنه يمكن لهذه الفئة المهاجرة من موطنها إلي يثرب أن تنتصر علي أبطال قريش ورجالها. كانت قريش تعتبر الخروج إلي مشارف المدينة نزهة تتحاكي لها الأجيال وتسمع بها العرب وتطلق قريحة الشعراء لتسجيل هذا اليوم وما أصاب محمد وأصحابه من خوف وذعر.. إلا أن الظن خاب ووجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام محمد القائد الإنسان وبعض المؤمنين به يتحدونهم بقوة وجسارة» ما إن بدأت المعركة بلقاء ثلاثة إلي ثلاثة حتي استطاع رجال محمد القضاء علي رجال قريش. ويكبر المسلمون ثم يشتبك الجيشان ويتمكن بلال من قتل أمية بن خلف كما يقتل ابن مسعود أبا جهل. تنتهي المعركة بالنصر للمسلمين وهزيمة القرشيين ليعودوا إلي مكة خائفين منكسرين تزفهم الخيبة وتحوطهم الهزيمة. سمع العرب عن انتصار المسلمين المهاجرين ومن معهم من الأنصار علي عمالقة قريش لتهابهم القبائل المحيطة بالمدينة ويصبح للإسلام درعاً يقي وسيف لا يدخل غمده متحديا كل إرهاب دافعا عن اعتداء محققا الأمن والأمان للإسلام والمسلمين ويكون مثلا أبد الزمان أن الحق لا تنصره إلا القوة ولا يحميه إلا الاستعداد. وتمر السنون ليفصل بين يوم الفرقان ذلك واليوم العظيم الآخر يوم عين جالوت في الخامس عشر من رمضان سنة 659 هجري والسادس من سبتمبر سنة 1260 ميلادي لقد مضي من الزمان ما يقرب من ستة قرون ونصف قرن. اكتسح التتار الشرق كله مندفعين غربا للقضاء علي البقية الباقية من بلاد المسلمين ليولوا الزحف بعد ذلك إلي أوروبا شرقا وغربا وشمالا ينشرون الخراب وتنعدم القيم الإسلامية ويدمر العلم والعلماء وتعود الدنيا هشيما صرصرا.. اكتسحوا كل شيء بلا رحمة ولم يراعوا زرعا ولا ضرعا ولا شيخا أو صغيرا أو كبيرا أو امرأة ضاربين بالعهود عرض الحائط خائنين لكافة المعاهدات التي وافق عليها سكان المناطق الذين أوهمهم بالسلام عند التسليم وأصبح مصير كل مستسلم مستأمن هو الذبح والهلاك بلا ضمير أو توقف. ولكن الله قيد للمسلمين قائدا عظيما جمع الناس حوله واستعان بالمصريين ليعوض بهم امتناع بعض جنود المماليك من الانضمام معه فكان المصريون عند حسن ظنه لم يخذلوه وبذلوا معه المال والنفس تحديا للطغاة أعداء الإنسانية واستطاع السلطان القائد قطز تحقيق نصر عظيم علي التتار لا يقل أهمية علي انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبري وإذا كان انتصار المسلمين في بدر حمي الإسلام وأحياه وثبت أقدامه في الجزيرة العربية فإن انتصار المسلمين في معركة عين جالوت حفظ أيضا الإسلام والمسلمين من الدمار وأعاد للإسلام مجده وقوته وكان مؤشرا عظيما لكل من يلي حكم مصر للاستعانة بالمصريين في أشد المعارك وأقساها ذلك أن المصريين كانوا القوة المؤمنة المخلصة في هذه المعركة العظيمة. ما أجمل الشبه بين المعركتين وما أعظم أهميتها في تاريخ الإسلام وإذا كنا نحتفل بغزوة بدر في كل رمضان فلماذا لا نحتفل بالنصر العظيم في عين جالوت وقد حدثت في رمضان أيضا.. فتشوا في تاريخ الأمة الإسلامية ليتعلم النشء من التاريخ كل ما يلهب مشاعرهم ويزكي ضمائرهم ويستعيد الثقة في أمتهم التي إذا ما استعدت انتصرت وإذا ما أخلصت حققت غايتها نحو القوة والنصر. تاريخنا الإسلامي مليء بالأيام الجميلة العظيمة التي نباهي بها الأمم الأخري ولم تكن تلك الأيام يتحقق فيها النصر دون أن نأخذ بأسبابه ونعد العدة شأن كل عمل قومي ومشروع وطني نسعي لتحقيقه ونعمل علي نجاحه.