عصب المجتمع وعنصره الفعال. الوطنية المخلصة عاشقة الوطن. المضحية في سبيله. الباذلة جهدها وعرقها وعلمها وشبابها لرفعته والدفاع عنه.. حامية الديمقراطية والداعية. اليها لا تعرف النفاق أو الرياء مع الحكام. ولا ترجو منهم إلا العدل والكرامة والمساواة.. لا مصلحة لها مع حاكم سوي أن يرعي وطنه. ويحفظ حقه. ويسعي إلي انتظامه. الطبقة الوسطي هي: التي تخرج فيها القاضي والمحامي والضابط والمدرس والتاجر الأمين والموظف الكفء والأديب الذي يتكلم بلسان الأمة. والشاعر الذي يتنفس نبضها وحبها. ويتغني بجمالها وامنها واستقرارها. الوطن بغير هذه الطبقة ضائع بين طبقتين: الطبقة الأورستقراطية التي تري مصالحها مع الحاكم حتي ولو كان ظالما ديكتاتورياً يبقي لتبقي. ويعيش لتعيش. وتنظر إلي كل منافح له ومواجهه لظلمه علي انه خائن وعميل ومتآمر علي أمن الوطن.. والطبقة الدنيا التي لا تري لها مصلحة مع أحد: أصحاب تعبيرات "الميه لا تطلع في العالي" و"اربط الحمار مطرح ما يريد صاحبه" و"يابخت من كان النقيب خاله" و"أيش ياخد الريح من البلاط" وهكذا. إذا ما قامت الطبقة الوسطي بمظاهرة أو احتجاح علي تصرف للحكومة غير مرض للمجتمع اتهمتها الطبقتان السالفتان علي انهم اناس ليس لديهم ما يشغلهم ويضيعون وقتهم والبلد معهم. والطبقتان العليا والدنيا. يتفقان في كل شئ في المعني والجوهر وأن أختلفا في الشكل والمظهر. الطبقة الوسطي هي التي ترعي الاعراف والتقاليد. وتحافظ علي العادات الأصيلة لهذا الوطن. وتعيش همومه. وتتطلع إلي مستقبله المضئ. وتحكي ماضيه العريق لابنائها. تأمل له الرفعه والاستقلال والحرية وتنشد له التقدم والأدهار.. تعلم أبناءها عشقه والذوب في جماله والسعي إلي رفعته. تعرف كيف ترضي الله وتعبده.. ترضيه بالأخلاص وتعبده بالعمل. تخشي النقيصة. ولا تأتي بما هو عيب. حافظة لعهوده راعية لأهدافه لا تكل ولا تمل. ولا تعرف للكسل طريقاً لأن حب الوطن تغلغل في أعماقها وسيطر علي مشاعرها.. العلم هدفها والعمل طريقها. والقيم الراقية منهجها. تحافظ عليها وترعاها وتنميها في أعماق أبنائها.. الكفاح ضد الظلم والطغيان يدفعها إليه الروح التي نمت من خير هذا الوطن وامنه وأمانه. من تطلع منهم إلي الطبقه الأعلي لا ينسي ما نشأ عليه وتربي. ولا يهجر تقاليده وعاداته. محافظاً عليها معتزاً بها. ومن لعب به الزمن وألقاه في دروب الحياة العسيرة وأصبح في عداد المعوزين يعتز بأصله ويخشي العيوب لا يأتيها ممها لعبت به الأيام محافظاً علي روحه الأصيلة النامية من خلق وقيم ورفعة. العليا والدنيا يتفقان كما سبق في كل شئ: يتفقان في المعني والجوهر وأن أختلفا في الشكل والمظهر.. يتفقان في الهدف وأن أختلفا في الطريقة والأسلوب.. الطبقة العليا تنظر للتقاليد والأعراف والعادات المصرية الأصيلة علي أنها مناهج بالية لا تليق بمستواها. ولا يصح الحفاظ عليها أو الأتيان بها مقلدين في ذلك بقايا الأتراك والمماليك الذين تملكوا الأراضي بقربهم من الحكام والسعي إليهم والعمل في رحابهم.. الطبقة الدنيا لا صلة لها بتلك الأعراف والعادات لأنشغالهم بالحصول علي لقمة العيش التي يعانون في سبيلها المر والعلقم ويكادون يعثرون عليها بشق الأنفس باذلين في سبيلها كل شرف وكرامة.. والطبقة العليا لا يتأفف رجالها أن يخالطوا النساء بعضهم بعضا في حمامات السباحة والشواطئ الخاصة. وحفلات السهر التي يقيمونها في قصورهم دون أن يهتز لكرامتهم عرق أو يشتعل في كيانهم دماء.. والدنيا تعيش في أماكن ضيقه تأوي الحجرة فيها أسرة كاملة: أبناؤها وبناتها والزوج والزوجة يتعايشون مع بعضهم في ذات الحجرة التي ينام فيها الأولاد والبنات وقد يحتوي المنزل علي عدة حجرات لعدة أسر يستخدمون جميعاً حماماً واحداً تكون فيه المياه معدومة أو ضعيفة.. فكيف تطالبهم بقيم وعادات وتقاليد!! بل كيف تطلب منهم الخوف من الله وهم أشد خوفاً من الجوع والضياع. الطبقة العليا والطبقة الدنيا تقسيم ليس بسبب الغني والفقر فقط وأنما أيضا بسبب المسلك والنشأة والأنتماء. ذلك أن التمسك بالقيم والتقاليد والعادات والحفاظ علي السمعه والشرف. والخشية من العيب أو مما يلوث السمعه. يدنس الكرامة هو سبيل الطبقة الوسطي الذي لا تنحرف إلي أقصي تطرف يميناً أو يساراً. أن التمرد علي القيم والأعراف أو التنطع في الدين أو الأنحراف عنه لا تعرفه الطبقة الوسطي أن من يتشدد في الذهاب إلي أبعد الحدود ظناً منه أن ذلك هو الدين ويلجأ إلي العسر بدلاً من اليسر هو سواءً بسواء مع من يفرط في دينه إلي حد التسيب ظناً منه أيضا أن الطريق الي التقدم هو الأنحراف عن الفعل الصحيح والعقل الواعي. ومن يضرب بأعراف المجتمع وصور الأنسانية الراقية عرض الحائط هو سواء مع من يعيش في القمقم. ويخشي الناس متباهياً بالمظهر والكل في هذا عدو الاستقامة وصديق الجهل. ومن هنا مدح القرآن الكريم الوسطية ووصف أمة محمد بأنها آمة الوسط "وكذلك جعلناكم آمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس". وفي بداية الدعوة الإسلامية آمن بالرسول الله صلي الله عليه وسلم أواسط الناس خلقاً ومسلكاً واستقامة وهم السيدة خديجة وسيدنا أبو بكر الصديق والصبي علي بن آبي طالب ثم آمن به نفر من الناس وإن كان بعضهم رقيقاً إلا أن نشأتهم في الأصل تنبئ أنهم من أوسط الناس خلقاً ومسلكاً واستقامة. وإذا أردنا أن يصعد المجتمع وينهض لابد وأن تعني الدولة بالطبقة الوسطي ذلك أن حبها خالص لمصر الوطن. ومصر الأم. ومصر الإسلام. ومصر القديمة. ومصر الحديثة لا يفوقه حب ولا يغيره زمن.