تشهد الجماعة الاسلامية - التي نشأت منتصف السبعينيات من القرن الماضي - حالة جديدة فاصلة في تاريخها وربما مستقبلها أيضا إذ تعيش حالة صراع فكري وسياسي بين العودة الي أصل نشأتها السلمي والاستجابة الي أصوات وتيارات عاقلة وواعية ومدركة لأبعاد اللعبة السياسية الحالية في البلاد وفق قواعدها الجديدة من داخل قيادة الجماعة الحالية والتاريخية علي حد سواء. وبين محاولات للردة علي المراجعات الفكرية التي أقرتها الجماعة في اتفاقية تصحيح المسار بعد أن وصل الصراع السياسي والفكري الي أقسي وأقصي درجات حدته علي الاطلاق. يتزعم الجبهة الأولي كبار مؤسسي الجماعة من الداخل وعلي رأسهم الشيخ عبود الزمر الذي طرح ولا يزال يطرح مبادرات وصفها البعض بأنها محاولة لانقاذ التيار الاسلامي بجملته من الانهيار مناصراً من كافة القيادات التاريخية للجماعة ابتداء من الشيخ كرم زهدي والدكتور ناجح ابراهيم مرورا بكم هائل من أبناء الجماعة الذين تململوا حياة السجون والمطاردة والتهديد بالتنكيل بالأسر الي غير ذلك وصولا الي من لديهم قناعات خالصة بأن النهج السلمي أضحي هو النهج المثل للحياة بعدما أسست الجماعة مالم تكن تحلم به يوماً من منصة سياسية شرعية متمثلة في حزب البناء والتنمية والذي لا يزال حزبا سياسيا له كل الحق في ممارسة العملية السياسية لكن أشبه بمن جمد نفسه ذاتيا بعدما غادر الدكتور طارق الزمر.رئيس الحزب. البلاد.متروكا من المتابعة الأمنية مجاملة لأبيه الروحي عبود الزمر. فضلا عن القاء القبض علي رئيس الحزب السابق الدكتور نصر عبدالسلام. ورئيس المكتب السياسي الدكتور صفوت عبدالغني. وأمين عام الحزب علاء أبو النصر فضلا عن آخرين. بقيت الجبهة الثانية المتعصبة التي لا تزال تميل من داخلها مدفوعة بقناعات ثابتة راسخة من الممارسة الحقيقية علي الأرض للعنف بكل أشكاله وألوانه مما غلب عليهم النزوع للدم غير مبالين ولا مستنكفين من اعلان ذلك ويتزعم هذه الجبهة القيادي المفصول من الجماعة والهارب الي الدوحة المهندس عاصم عبدالماجد وهو صاحب الخطاب السياسي الأعنف في الجماعة منذ المراجعات الفكرية التي علي ما يبدو أنها تمت علي غير رضاه. ويتبع عبالماجد في هذه الجبهة الدكتور طارق الزمر والدكتور صفوت عبدالغني. وعلاء أبو النصر. والشيخ مصطفي حمزه أحد أبرز رموز العنف المنظم في تاريخ الجماعة. وهو الرجل الذي لم يستطع في الأشهر القليلة التي غادر فيها السجون المصرية أن يتخلص من أفكاره الأكثر ميولا للعنف. والتي تبدو علي ملامحه من خلال نظراته الحادة والقاسية التي تحمل تشككا في كل من لاقاه. والذي كان أيضا يلعب دورا تنظيميا للغاية في الجماعة والحزب علي السواء. وبين هؤلاء وهؤلاء تقف جبهة ثالثة هي قيادة الجماعة المتمثلة في الدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شوري الجماعة. وأحد أكثر رموز الجماعة الاسلامية هدوءً وبحثا عن مخرج من الأزمة الراهنة. والتي جعلت من قيادات الجماعة. أخيرا. هدفاً لقوات الأمن التي ربما ضاقت ذرعا بكل القيادات التي لا زالت تنزع للعنف وتشارك في ما سمي بتحالف دعم الشرعية. معالجة الأخطاء أكد مؤسس الجماعة الاسلامية الشيخ كرم زهدي أنه يتمني نجاح محاولات طرح مبادرة الشيخ عبود الزمر لانهاء الموقف الراهن والسعي الحقيقي للخروج بالتيار الاسلامي من أزمته الراهنة التي تمثل خطرا حقيقيا علي كل الاسلاميين في ظل محاولات البعض التصعيدية من الخارج وتأليب الشباب والتغرير بهم. وهو ما يمثل خطرا ضمنيا علي شباب الجماعة الاسلامية الذين عانوا كثيرا. ولا يزالون يعانون. والذين من حقهم أن يعيشوا حياتهم الطبيعية بعد كل ما عانوه من ألم وتعذيب خلال الفترات السابقة. واستهجن الشيخ كرم زهدي. تصريحات الدكتور طارق الزمر التي اعتبر فيها أن اعتقال صفوت عبدالغني وعلاء أبوالنصر وآخرين بداية المجهول.. مشيرا الي أن هذه تصريحات تؤثر كثيرا علي الشباب من أبناء الجماعة ويجب مراجعتها الآنية لأن الأوضاع لا تتحمل أكثر من ذلك. وأعتبرالشيخ كرم زهدي. أن ما يحدث علي الارض ليس صراعا بقدر ما هو اجتهادات لتصحيح المسار تذكره كثيرا بفترة طرح المراجعات الفكرية في موجتها الأولي في بدايتها ومحاولات اقناع ابناء الجماعة في السجون المختلفة بها لكنها طرحت باخلاص لإنقاذ الجماعة من انحراف فكري طرأ عليها علي غير تخطيط أو تعمد نجحت في انهاء أزمة كادت أن تقضي علي الجماعة بعد اعتقال عشرات الآلاف من أبنائها والوصول بهم الي منتهي فقدان الأمل في الخروج الي الحياة. محاولات الاقتناع يري الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور يسري العزباوي. أن ما تعيشه الجماعة الاسلامية من صراع حالي يصل لأقصي ذروته بعد القاء القبض علي القيادات المتمثلة في الدكتور صفوت عبدالغني و الدكتور نصر عبدالسلام. وعلاء أبو النصر والثلاثة ربما هم من كانوا يتبنون الخطاب العنيف المناصر للاخوان ويمثلون جناح الداخل الذي يعمل علي التوازي مع الجناح الخارجي الهارب المتمثل في طارق الزمر وعاصم عبدالماجد وأشار العزباوي الي أن استهداف هذه القيادات الآن والقاء القبض علي بعضها يعني أن هذه مرحلة تمثل بداية لموجات اعتقال أخري لقيادات ربما تطال أمير الجماعة أيضا اذا ما استمر هذا التوجه الذي يحمل ميولا للعنف ويرفض طرح مبادرات للوساطة بين الدولة والاخوان. قال العزباوي : إن القاء القبض علي هذا التيار ربما يكن ورقة ضغط جديدة لترجيح كفة التيار المناصر للمبادرة وفتح قنوات أوسع لاقتناع الجماعة الاسلامية وقيادتها الحالية بتبني خطاب يخرج بالجماعة من مأزق تاريخي وضعها من جديد علي مقربة من ممارسة العنف ضد الدولة علي الارض. وهو ما يمثل خطراً حقيقيا علي الجماعة هذه المرة ربما أشد من سابقه في ظل حدوث المراجعات. صراع داخلي يؤكد منير اديب.الباحث في شئون الأحزاب والحركات الاسلامية. أن الجماعة الاسلامية تشهد حقيقة حالة من الصراع الداخلي العنيف الذي ربما يميل الي دعم جبهة السلم المجتمعي وتبني خطاب المبادرات والمراجعات مع الدولة. بل والحشد لتوسط أحد كبار مفكري الجماعه الاسلامية الكبار الشيخ عبود الزمر لفكرة المبادرات للمصالحة ومراجعات للتيار الاسلامي كله بما يضمن استمرار وجود الجماعة الاسلامية وبقية التيارات الاسلامية. ونزعا لفتيل العداء الحاصل علي الارض. ووقف عمليات المتابعة. ورفض النزعات الساعية للعنف وممارساته. والعودة مجددا. ومبكرا للحياة السياسية وتغيير لغة الخطاب السياسي والاعلامي التصعيدية ضد الدولة مستنهضا بذلك تجربة الجماعة الاسلامية التي وصلت الي اقصي مدي. والتي يري البعض انها تطبق الآن علي الأرض بصورة كربونية. وتسير في مراحلها وتطوراتها التي حدثت منذ منتصف الثمانينات حتي حدوث المراجعات. أضاف أديب : رغم وجود نزعات للعنف لا تزال تسيطر علي البعض الا أن ما عاناه أبناء الجماعة الاسلامية من تعذيب واهانات ومطاردات. وتنكيل بالأسر والابناء. والزوجات. بل والأمهات ليمثل تجربة شديدة القسوة علي بشر أن يسمح لنفسه تكرارها.. مرجحا كفة الشيخ عبود الزمر الذي طرح مبادرات تميل لنزع فتيل الازمة انقاذا للتيار الاسلامي بجملته. وطارحا لحلول مستوحاة من مبادئ اسلامية كالدية وغيرها.