قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام في كافة دول العالم الذي صدر بموافقة 29 صوتاً من جملة 47 صوتاً ودعا الي حذف عقوبة الإعدام من قوانين جميع الدول أثار جدلا سياسيا وإعلاميا حادا. البعض أعتبره فرصة للهجوم علي المجتمعات الإسلامية التي تطبق عقوبة الإعدام بحجة أنها عقوبة وحشية تتنافي مع مفهومي الكرامة الإنسانية والحرية. والبعض الآخر طالب بتوضيح موقف الشريعة الإسلامية من العقوبة ودراسة القضية في ضوء تجديد الفكر الإسلامي والاجتهاد ومحاولة إظهار الوجه الحضاري للإسلام وإلغاء هذه العقوبة. وفي هذا السياق. جاءت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. الدول الأعضاء إلي اتخاذ خطوات قوية لإلغاء عقوبة الإعدام التي وصفها بأنها ممارسة قاسية وغير إنسانية. وشدد علي ضرورة تصديق الدول علي البروتوكول الثاني الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الهادف إلي إلغاء عقوبة الإعدام. ودعم قرار فرض وقف استخدام العقوبة. واتخاذ خطوات ملموسة باتجاه إلغاء الإعدام أو عدم ممارسة تلك العقوبة. ومن المهم الأشارة هنا الي أن القرر اعتمد للمرة الأولي في ديسمبر عام 2007. وتضمن دعوة الدول إلي تقليص استخدام العقوبة وعدد الجرائم التي يمكن أن تفرض بشأنها. ووقف تطبيقها بهدف إلغائها. وفي أعقاب ذلك أثير الجدل حول تطبيق عقوبة الإعدام علي الجرائم التي لا ينطبق عليها تعريف ¢أكثر الجرائم خطورة¢ وفق قانون حقوق الإنسان الدولي بسبب تطبق بعض الدول العقوبة علي جرائم مرتبطة بالمخدرات. أو بسبب ممارسات جنسية بالتراضي أو الردة. وبلغ عدد الدول الأعضاء التي أوقفت أو ألغت عقوبة الإعدام 160 من بين 193 دولة. ليس الزاميا في البداية أكد محمد زارع. رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي. أن قرار الأممالمتحدة ليس إلزاميا علي الدول ولكن لحثها علي إلغاء العقوبة. مشيرا الي أن وجود اتجاه دولي لإلغاء عقوبة الإعدام علي مستوي العالم لا يعني اجبار الدول علي التنفيذ. وقال زراع: إن قرار الأممالمتحدة يكون ملزما للدول التي وقعت علي البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. مشددا علي أهمية تنفيذ عقوبة الإعدام في الجرائم الأكثر خطورة مع توفير جوانب المحاكمة العادلة. ورفض زراع. الخلط بين عقوبة الإعدام والشريعة الإسلامية. معتبرا أن إلغاء العقوبة بالكامل يصطدم بشرائع بعض الدول أعضاء الأممالمتحدة. عن حكم الشرع في القضية. يؤكد الدكتور سعيد أبو الفتوح. أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس. أن التشريع الإسلامي جاء بحلول جذرية لكثير من الجرائم التي تهدد استقرار المجتمعات وأوجد لها العقوبات والحدود التي تكفل القضاء عليها. وقال إن الشريعة الإسلامية تعتبر التعدي علي النفس من أخطر الجرائم. لأن الإسلام أعلي من شأن الإنسان بقوله تعالي:¢ ولقد كرمنا بني آدم ¢. وعلي قدر ما أعلي الإسلام من قدر الإنسان فإنه أشتد في العقوبة علي من يعتدي علي حياة غيره بغير حق. ويقول الله تعالي:¢ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الي أهله الا أن يصدقوا فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الي اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن ةلم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما ¢ 92 النساء. ويوضح الدكتور أبو الفتوح. أن من عدالة الإسلام في تشريعه أن جعل عقوبة القاتل أن يقتل لأن ذلك من الجزاء العادل الذي يستحقه بغير إبطال ولا هوادة ولا بحث في بواعث القتل. مؤكدا أن رحمة الله عظيمة بفرضه القصاص الذي جعل فيه حياة الناس وأمنهم ومنع العدوان بينهم. لأن من يهم بالقتل والفتك بغيره وهو يعلم أن في ذلك هلاكه سيتردد ولا يقدم علي تنفيذ جريمته فيبقي ذلك الخوف علي حياة من يهم بقتله وهلاك نفسه. وإن من يتدبر قوله تعالي: ¢ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ¢. ليجد فيها كل الإعجاز البياني والتشريعي من حيث روعة الأسلوب وروعة المعني وهما يؤكدان معجزة القرآن الكريم. العقوبات الشرعية يقول الدكتور حمدي مصطفي- الأستاذ بجامعة الأزهر: إن العقوبات في الشريعة الإسلامية هدفها توفير العدل بين الناس ومنع الظلم والإثم وحفظ المجتمعات من الفساد. مضيفا أنها تتضمن الحبس أو ما يعرف بالسجن أو التعزير وهو عقوبة غير مقدرة شرعا. تجب حقا لله تعالي أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا. كما تتضمن القصاص أو الإعدام وهو لغة يعني تتبع الأثر. واصطلاحا هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل. وقال: إن العقوبات جزء من النظام الإسلامي العام وفهمها يفرض فهم النظام ككل. موضحا أن عظمة الشريعة الإسلامية تتضح منذ البداية في الحرص علي التفرقة بين العقوبة والعقاب. حيث بين الفقهاء أن العقوبة هي الشيء الذي يقع علي الإنسان في الحياة الدنيا بسبب ارتكابه مخالفة شرعية أو قانونية مثل جريمة القتل والزنا والقذف فإذا تحققت بالأدلة الشرعية وقع عليه القصاص والحدود والتعزيرات. ويؤكد الدكتور حمدي مصطفي. أن القصاص العادل شرع من أجل حفظ الأمن والاستقرار في المجتمعات البشرية وصيانة حقوق الإنسان وحمايتها. مضيفا انه يختلف عن التعزير والحد ففي الحدود والقصاص. إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدي القاضي شرعا. فإن عليه الحكم بالحد أو القصاص علي حسب الأحوال. وليس له اختيار في العقوبة. بل هو يطبق العقوبة المنصوص عليها شرعا بدون زيادة أو نقص. ولا يحكم بالقصاص إذا عفي عنه. وله هنا التعزير ومرد ذلك أن القصاص حق للأفراد بخلاف الحد. وفي التعزير يختار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب الحال. فيجب علي الذين لهم سلطة التعزير الاجتهاد في اختيار الأصلح. لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس. وباختلاف المعاصي. وأنهي الدكتور حمدي كلامه مؤكدا أن بعض العلماء ومنهم أبو حنيفة وأصحابه والهادوية والكوفيون ذهبوا إلي أنه لا يكون الاقتصاص إلا بالسيف واستندوا إلي قول الرسول- صلي الله عليه وسلم:¢ لا قود إلا بالسيف ¢ إلا أنه حديث ضعيف قال عنه ابن عدي طرقه كلها ضعيفة. ومن المعروف أن المعول عليه شرعا هو عدم التعدي في القصاص. حيث يجوز شرعا إزهاق روح القاتل سواء بالمشنقة أو غيرها علي وجه يكون أسرع وأسهل. اقتراح مرفوض. رفض الدكتور زكي عثمان. أستاذ الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر. دعوات المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام. مضيفا أن الإسلام شرع العقوبات للخارجين علي نظام المجتمع الذي يكفل لأفراده المحافظة علي الحقوق الأساسية وفي مقدمتها الدين والنفس والمال والعرض والعقل. والاعتداء علي أي منها في فرد واحد يعتبر اعتداء علي المجتمع كله وتهديدا لأمنه واستقراره. وقال إن الأدلة الشرعية تؤكد أن القصاص حكم قطعي في الشريعة الإسلامية لا يمكن تجاوزه. والقرآن شدد في وجوب حماية النفس الإنسانية وصيانتها وتقديرها واحترامها. مؤكدا لأنه لا يمكن إلغاء عقوبة الإعدام في كل الحالات لأن القصاص من صميم الدين الإسلامي وتطبيق هذه العقوبة من صلاحيات المحاكم التي تقدر ظروف وملابسات وقوع الجريمة. وأضاف الدكتور عثمان. أن الشريعة الإسلامية تعتبر جرائم الحرابة والإفساد في الأرض والإرهاب وتفجير الآمنين عدوان علي الأمة وعلي حق الحياة الذي أوجبت الشريعة احترامه. ويقول الحق سبحانه: ¢إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورا رحيم ¢ 33-34 المائدة. وأكد الدكتور عثمان. انه لا يوجد في الدولة الإسلامية من يستطيع منع تنفيذ القصاص من القاتل الذي لم يظلمه القانون حينما عاقبه بالإعدام. ولم تفتئت عليه الشريعة الإسلامية حينما أعطت لولي القتيل حق المطالبة بالقصاص. فالأدلة الشرعية تنص صراحة علي وجوب عقوبة الإعدام ولا يمكن إلغاء النص القرآني الذي جاء لتحقيق مقاصد الشريعة وحماية حقوق الناس.