* أحببت الإمام زين العابدين بن الحسين حبا ً جما ً دون أن أدرك سر ذلك.. ورغم عدم تبحري في سيرته إلا أنني توقفت أمامه طويلا ًمتأملا ً أهم كلماته التي أراها تمثل شخصيته الحقيقية حيث يقول: ¢اللهم إني استغفرك من كل ذنب اقترفه أحد من خلقك ونسي أن يستغفرك منه¢. * ما هذه المشاعر الإنسانية الرائعة المحبة للناس.. والتي لا تعرف الكراهية والتعصب أو الطائفية.. إنه يريد أن يستغفر الله نيابة عن كل الخلائق الذين أذنبوا ولم يستغفروا. * هذا المعني العظيم والدقيق إذا خرج من عالم أو زاهد غير زين العابدين لقلنا بسهولة الأمر عليه.. ولكن زين العابدين شهد في شبابه معركة كربلاء التي قتل فيها والده الإمام الحسين ومعه ثلة كبيرة من آل البيت المكرمين.. وكانت كربلاء كفيلة بما جري فيها من أحداث أليمة وجسيمة بأن تجعل الإمام زين العابدين كتلة صماء من الحقد والغل ورغبات الثأر وثورات الانتقام وكراهية الناس جميعا ً.. ولكنه صفا للدنيا بأسرها وعانق بصفاء نفسه وسمو روحه الخلائق جميعا حتي أنه يريد أن يستغفر الله نيابة عن كل عاص ومذنب. * لقد عاش هذا المعني بعض خواص أهل العلم والزهاد ومن جمعوا العلم بالله وبأمر الله.. حتي كان بعضهم يشكر الله نيابة عن الجاحدين لنعمه أو المقصرين في شكرها.. ويذكرون الله نيابة عن الغافلين. * وكنت أحب دعاء ً جميلا ً أردده وأنا في السجن تعلمته من بعض الصالحين وأضفت إليه بعض التعديلات ¢اللهم إني أحمدك وأشكرك نيابة عن كل إنسان أعطيته نعمك فغفل عنها أو جحدها أو قصر في شكرها .. اللهم إني أتوب إليك نيابة عن كل مذنب غفل عن التوبة. * إن أمثال هؤلاء يستشعرون للمسئولية الكبري في الإصلاح ما بين الله سبحانه وهو الحق وما بين عباده وهم الخلق.. فهم يصلحون بين الحق والخلق ويربطون الخلق بالحق. * وقد فكرت طويلا ً في الكلمة الرائعة التي أطلقها أبو بكر الصديق معلما ً للأجيال كلها¢وددت أني شجرة تعضد وتؤكل وأن الناس جميعا ً أطاعوا ربهم¢.. فهو يريد للخلق جميعا أن يرتبطوا بربهم حتي وإن كان في ذلك هلاكه وفناؤه.. أو أنه لم يك شيئا ً كقوله ¢وددت لو أن الخلق أطاعوا ربهم ولم أكن شيئا ً¢. * الله.. الله.. يا أبا بكر ما هذا الرقي الإنساني هو يريد خير الناس.. كل الناس.. فأهل الصفاء والنقاء إذا مروا بمنزل جميل لرجل لا يعرفونه دعوا له بالبركة والسعة.. وإذا رأوا سيارة جميلة دعوا لها ولصاحبها بالحفظ واستخدامها في الطاعة.. وإذا جاءت الامتحانات دعوا لجميع الطلاب بالنجاح.. وإذا ظلمهم أحد دعوا له بالهداية والمغفرة خشية أن يعذب في النار من أجلهم. * إن الذين يدعون في خطب الجمعة علي ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية بالويل والثبور والهلاك والانتقام لم يفهموا شيئا ً من رسالة الإسلام. * إن الذين يدعون بالنجاح لأولاد المسلمين فقط لم يفهموا أن الإسلام لا يضيره تفوق غير المسلم.. بل قد ينفعه التفوق العلمي لأي إنسان.. فمن الذي اخترع المصباح والسيارة والتليفون المحمول وأدوات الجراحة والطب والغسالة والثلاجة أليسوا من غير المسلمين.. ورغم ذلك استفادت البشرية جميعا منهم. * إن الذين يدعون اللهم أشف مرضي المسلمين لم يفهموا رسالة الإسلام أيضا ً .. وهل شفاء الياباني أو الصيني أو الأمريكي أو الهندي أو المسيحي أو الأوروبي من مرضه سيضر الإسلام في شيء وهم الذين صدروا إلينا أدوات الشفاء والعلاج وأحدث الأدوية والجراحات. * إن الإسلام ورسوله العظيم جاء رحمة للعالمين ¢وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين¢ ولم يقل داعيا أو مفجرا ً أو مهلكا ً أو محاربا ً أو قاتلا ً للعالمين.. إنها الرحمة لكل العوالم من الإنس والجن والطير والحيوان .. رضي الله عن زين العابدين السجاد.. وكل من علمنا هذه المعاني الراقية.