العامل الأول في قيام الحضارات وبقائها وحدة الغاية والجماعة. فإن الحضارات ليست صناعة فرد ولا جهد قوم مبعثرين.. وحال الأمة اليوم خير دليل علي ذلك فنحن في أشد الحاجة إلي الجماعة وأن نتغافل عن أخطاء الآخرين وأن نلتمس لهم الأعذار ويكون هدفنا الأساسي إحياء السنة المهجورة في الأمة وهي ¢وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء¢ حتي لا نكون مثل الدواب يأكل بعضنا بعضاً إن الدواب إذا وجدت أقواتها التهمتها. ما تعي شيئا غير هذا. وإذا فقدتها أحست لذع الجوع. ما تعي شيئا غير هذا. وإذا استمتعت بالعافية جرت ووثبت. وإذا قيدها المرض استكانت وهمدت. ما تعي شيئا غير هذا...... إنها لا تعرف صبرا علي بأساء. ولا شكرا علي نعماء... وكذلك يريد الشيطان من أبناء آدم أن يعيشوا علي هذا النمط المنحط. لا ذكر. ولا شكر. ماذا كان جهد إبليس بعد أن طرد من السماء؟ كان جهده أن يغري أبناء آدم بالجحود. ونسيان ما أولاهم الله من نعم... كان جهده أن يشغلهم بفنون من الغفلة تزين لهم أن يأكلوا من رزق الله. ولا يحمدوه. وأن يفتحوا عيونهم علي آيات العظمة. ولا يمجدوه... فتري كأن هناك تواصيا علي ألا يذكر الله بخير!! بل تري كأن هناك اتفاقا مكتوبا أو غير مكتوب علي أن تلتهم أفضال الله. وتنسب ذلك إلي أي شيء ما عداه...!!! وهل هلكت عاد. وهلكت ثمود. إلا بهذا الخلق الدنيء؟ قيل لعاد: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون". وقيل لثمود: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين". لكن هؤلاء وأولئك لم يستشعروا فيض النعم الذي سال في أرجاء بلادهم فحرموا ما جحدوا. وسلبوا ما غمطوا. وحقت عليهم كلمة العذاب. وقد أهاب الله بخلقه فقال: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون". ومع ذلك. فما أقل الذين يعترفون بالفضل. ويشعرون بالجميل: "وقليل من عبادي الشكور". وذكر أيضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ¢ما أنعم الله علي عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها¢ وما علم الله من عبد ندامة علي ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفره. وإن الرجل يشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله. فما يبلغ ركبتيه حتي يغفر له ¢. وقد ثبت في صحيح مسلم عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: ¢إن الله ليرضي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها. ويشرب الشربة فيحمده عليها¢. وقد ذم الله سبحانه وتعالي الكنود أي هو الذي لا يشكر نعمه. قال الحسن: "إن الإنسان لربه لكنود" أي يعد المصائب وينسي النعم. فهيا معاً لنغرس في قلوبنا من أسرار الحمد لله حتي نكون سبباً في إغاثة الأمة من كبوتها وحتي لا نقف موقف المسئول علي أطفال ونساء سوريا وفلسطين وكم أعد من مصائب حلت بأمتنا فاللهم ارحمهم وآمنهم وأكسهم وأطعمهم ولا تؤاخذنا بجحودنا وانظر يا ربنا إلي أمة حبيبك نظرة رحمة علي المستضعفين والحمد لله الذي أطعم من الطعام. وسقي من الشراب. وكسا من العري وهدي من الضلال. وبصر من العمي. وفضل علي كثير من خلقه تفضيلا. والحمد لله رب العالمين.