اطلعت علي ما كتبه الدكتور محمد الحضيف في حسابه في تويتر عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه حيث كتب: "كما فعل عثمان رضي الله عنه.. سامحه الله. رفض التنازل لسارقي السلطة. وفتح علي المسلمين باب التشبث بالسلطة إلي يوم الدين" والحكم الذي تضمنته العبارة علي عثمان رضي الله عنه بتخطئته ووصفه بأنه ¢فتح علي المسلمين باب التشبث بالسلطة إلي يوم الدين¢ مجانبةى للأدب الواجب مع خليفةي راشد وصحابي جليل له فضله ومنزلته في دين الإسلام. ولئن كان الدكتور الحضيف قد عقَّب بأنه يود لو كان خادماً يغسل قدمي ذي النورين عثمان رضي الله عنه. وبأنه ¢شهيد الشريعة والشرعية¢! وبأنه لا يطعن فيه إلا منافق ولا يتاجر بقضيته إلا صاحب هوي. فقد تمنيت أن يكون أثر هذه المشاعر الطيبة حاضراً في عبارته الأولي التي زعم فيها أن عثمان "فتح علي المسلمين باب التشبث بالسلطة إلي يوم الدين". وقد اتصلت بأخي د. محمد الحضيف وبينت له فحوي ما تقدم. وأن القارئ لعبارته يفهم تخطئته لعثمان في ممانعة البغاة. وإن أولي من يصحح الخطأ أو يبين الملتبس هو صاحب الكلام. فقال: أنا لم أطعن في عثمان وكلامي جاء تهكماً بالخصوم. وأنا أتفق معك في أنَّ موقف عثمان رضي الله عنه في رفض مطالب البغاة هو الموقف الحق. فشكرتُ للدكتور الحضيف قوله هذا. ولا زلت راغباً منه أن يحرر عبارته هو بنفسه. فالتاريخ يدون هذه المواقف ولا يطويها. وقبل ذلك ديانةً لله. وحياءً من سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام. وحياءً من صهره عثمان ذي النورين رضي الله عنه وأرضاه. ومما يؤسِف أن عدداً من أهل الباطل تلقفوا كلام الحضيف وصرَّحوا بتخطئة عثمان وتخوينه. حاشاه رضي الله عنه وأرضاه. وعليه فإني أبين هنا صحة موقف سيدنا عثمان. وأنه في ممانعته للبغاة كان علي سُنة نبوية ووصية محمدية. وعليه أقول: إنَّ الزعم بأن عثمان فتح علي المسلمين باب التشبث بالسلطة إلي يوم الدين زعمى باطل ومجازفة باللفظ. سواءً أكان قائلها جادَّاً أم متهكماً. لأنها متكأى باطل للبغاة الذي خرجوا علي سيدنا عثمان. وهي الشبهة التي رددها أهل الضلال من بعدهم. ومما يجب تقريره هنا: ما بينته نصوص القرآن والسنة من فضائل الصحابة. وما جاء من تحذير النبي - صلي الله عليه وسلم - من ثلبهم أو أذيتهم. وقد استقر لدي أهل الإسلام بحمد الله فضل سيدنا عثمان رضي الله عنه. أمير المؤمنين. وصهر النبي - صلي الله عليه وسلم -. وزوج الابنتين. ذو النورين. وصاحب الهجرتين. وأشد هذه الأمة حَياء. جامع القرآن. الذي كان يقوم به وربما يقرؤه كلَّه في ركعة واحدة من الليل. المقتول ظلماً رضي الله عنه وأرضاه. وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس أن النبي - صلي الله عليه وسلم - صَعَد أُحُداً وأبو بكر وعمر وعثمان. فرجف بهم. فضربه برجله فقال: ¢اثبت أُحُد فإنما عليك نبيّى وصدِّيقى وشهيدان¢. وثبت في صحيح مسلم أنَّ النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: ¢ألا أستحي من رَجُلي تستحي منه الملائكة؟¢ وفي عثمان رضي الله عنه قال سيد الخلق محمد - صلي الله عليه وسلم -: ¢ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بَعدَ اليوم¢ رواه أحمد والترمذي. إلي غير ذلك من فضائله وسابقته العظيمة في خدمة الإسلام ونصرة الرسول - صلي الله عليه وسلم - وتحريراً لمحل النقد لعبارة الدكتور الحضيف التي ظاهرها تخطئةُ أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه. أقول: إنها مردودةى من أربعة وجوه: الأول: أن فعل عثمان رضي الله عنه كان بوصية النبي - صلي الله عليه وسلم - له إذ قال: ¢يا عُثمان إنه لعلَّ الله يُقَمِّصُكَ قَميصاً. فإن أرادوك علي خَلْعِهِ فلا تَخْلَعُهُ لهم¢ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وهو حديث صحيح. فلا مجال للرأي بعد أمر الرسول - صلي الله عليه وسلم - وخبره.وهذا ما أفصح عنه عثمان فيما ثبت في جامع الترمذي عن أبي سهلة قال: قال لي عثمان يوم الدار: إنَّ رسولَ الله صلَّي الله عليه وسلَّم قد عَهِدَ إلي عَهداً وأنا صابرى عليه. الثاني: أنَّ عثمان رضي الله عنه خليفةى راشد. وهو ممن أمرنا الرسول - صلي الله عليه وسلم - باتباع سنتهم. كما في قوله: ¢أوصيكُمْ بتَقوي الله. والسَّمْعِ والطَّاعةِ. وإنْ تَأَمَّرَ عَليكُم عَبْدى. وإنَّه من يَعِشْ مِنْكُم بعدي فَسَيري اختلافاً كَثيراً. فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفاء الرَّاشدينَ المهديِّينَ. عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ. وإيَّاكُم ومُحْدَثاتِ الأمور. فإنَّ كُلَّ بِدعَةي ضَلالةى¢ رواه أبو داود والتِّرمذيُّ. فكيف يُخطئه أحدى وله هذه المنزلة أو يشكك في فعله رضي الله عنه. الثالث: أن تخطئة عثمان رضي الله مخالفى لإجماع الأمة. وانحياز لأهل الضلال ممن يطعنون في عثمان. فإن فعله رضي الله عنه هو الصواب بإجماع الأمة. إلا من شذَّ ممن لا يُعتَدُّ بهم من الرافضة وأهل الأهواء. الرابع: إن عبارة الدكتور الحضيف لما كانت في سياق مجادلته للأحوال التي تعيشها بعض البلاد الإسلامية من فتني عاصفة. فليس من منهج السلف الزج بالخلفاء الراشدين وسيرتهم في جدل يؤدِّي لرواج الشبهة بين عامة المسلمين. ومما قرره المحققون من العلماء أن تنزيل نصوص القرآن والسنة أو أحوال الصحابة مما يتعلق بالفتن علي الأحوال الحادثة والمستجدة له ضوابطه واعتباراته. ضوابط متعلقة بمنهج الاستدلال. وضوابط متعلقة بمن يقوم بتنزيل النص علي الواقع وأهليته لذلك. وضوابط متعلقة بالحوادث والوقائع المنزَّل عليها. وجملة القول:إن موقف عثمان رضي الله عنه في عدم الرضوخ للبُغاة الذي أرادوا منه النزول عن الخلافة هو المنهج الحق الذي لا مرية فيه بنص نبوي صحيح. وفيه ما يبين ضرورة إتباع الهدي النبوي. حتي ولو كان قاسياً علي النفس. فعثمان رضي الله عنه استجاب لهذا التوجيه النبوي مع علمه أنه سيئول به إلي القتل والموت. كما قال عليه الصلاة والسلام مُعزِّياً له: ¢بشِّره بالجنة. علي بَلْوي تُصيبه¢ رواه البخاري. وقد كتبت ما تقدم غيرةً علي الهدي النبوي أن يخطِّئه أَحد. وغيرةً علي جناب الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه من أن يُساء إليه. وسداً لأي ثغرة للطعن في الصحابة. فإنهم خط أحمر وحِمَي خطير. لا يُسمح بانتهاكه أو التساهل به. فالتساهل بنبزهم يقلل من شأنهم ويفتح الباب لأهل الباطل للوقيعة فيهم. وليس مقبولاً من أحدي كائناً من كان أن يجعل مقام عثمان أو غيره من الصحابة مجالاً لجدل عقيم وتحزبات ليس من ورائها إلا التلبيس علي الناس وبث الشبهات في أوساطهم. والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان. وأن يولِّي عليهم خيارهم. وأن يكفيهم شرارهم. وأن يعيذنا جميعاً من الفتن ما ظهر منها وما بطن. - رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفى رَحِيمى - "الحشر: 10".