استقبلت القوي السياسية فكرة انشاء وزارة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بحفاوة بالغة وتوقع الكثيرون أن يكون لها دور محوري ورئيسي في تحقيق العدل واسترجاع الحقوق وبناء توافق بين القوي السياسية من مختلف الاتجاهات. غير أن قطاع كبير من القوي الوطنية اعتبر أن أداءها منذ استحداثها في التشكيل الوزاري الأخير غير جيد. ولا يرقي لمستوي التحديات والأزمات التي تواجه مصر. وانصب النقد علي أنها وزارة دون مضمون أو محتوي ولم تتخذ أي خطوات واضحة لاضطلاع بمسئولياتها ومهامها. الغريب أن المستشار أمين المهدي. وزير العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. لم ينكر أن تحقيق مضمون العدالة الانتقالية الكامل إنما يتعدي من ناحية الزمن قدرة الوزارة نفسها. إذ ان الوزارة نفسها هي وزارة انتقالية. مؤكدا أن الفترة الانتقالية لا تسمح بتطبيق مفهوم العدالة الانتقالية والانتقال إلي مجتمع ديمقراطي ومعرفة الحقيقة ثم المصالحة والتئام الشمل. كما لم يخف وجود اقتراح لإنشاء مفوضية مستقلة تماما ينقل إليها تطبيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في خطوات وبهدوء حتي يمكن الانتقال بشكل حقيقي. وعندما ناقشت اللجنة الاستشارية للوزارة فكرة اصدار قانون بشأن حماية العلم المصري والسلام الوطني والتقدم به إلي مجلس الوزراء لاصداره. ثار جدل شديد حول أولويات عمل الوزارة. ومدي حرصها علي تحقيق دورها حسب قرار انشائها. أهداف ثورة يناير يؤكد الدكتور عصام عبد الشافي. الأستاذ الزائر بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة في جامعتي الإسكندرية ودمنهور. أن العدالة الانتقالية مطلب رفعته القوي الثورية وكان من أهم أهداف ثورة يناير. موضحا أن مفهوم العدالة الانتقالية يعتبر من أخطر وأهم ملفات المراحل الانتقالية التي تمر بها الثورات. ويتوقف علي حسن إدارته. العديد من النتائج الإيجابية علي العديد من الملفات الأخري ذات الصلة بهذه المراحل. إذ ان العدالة الانتقالية تقوم علي عدة ركائز رئيسية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الماضي. ويقول إن أهم آلياتها هي المحاكمات سواء المدنية أو الجنائية. الوطنية أو الدولية. المحلية أو الخارجية. مبينا أن البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية من ركائزها وهي تضم لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأممالمتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية. وجبر الضرر من خلال التعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل. والإصلاح المؤسسي بما في ذلك الإصلاحات القانونية والمؤسسية وعزل مرتكبي هذه الانتهاكات من المناصب العامة وإقامة تدريب حول حقوق الإنسان للموظفين العموميين. وإقامة النصب التذكارية سعيا لتأسيس الذاكرة الجماعية. يوضح ان الأساس القانوني للعدالة الانتقالية يتمثل في القرار الذي أصدرته محكمة الدول الأمريكية في قضية فيلاسكويز رودريجز ضد هندوراس عام 1988. مبينا أن المحكمة خلصت فيه إلي أن جميع الدول تقع علي عاتقها أربعة التزامات أساسية في مجال حقوق الإنسان. وهي اتخاذ خطوات معقولة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان. وإجراء تحقيقات جادة بشأن الانتهاكات عند وقوعها. وفرض عقوبات ملائمة علي المسئولين عن الانتهاكات. وضمان تقديم تعويض لضحايا الانتهاكات. وأشار إلي أن المحكمة أكدت هذه المبادئ صراحة في قراراتها اللاحقة. كما تم التأكيد عليها في قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وهيئات الأممالمتحدة ذات الصلة كاللجنة المعنية بحقوق الإنسان. وذكر أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1988 كان من التطورات المهمة في هذا الصدد. إذ يكرس النظام الأساسي للمحكمة التزامات بالغة الأهمية تقع علي عاتق الدول. مما يستوجب منها القضاء علي ظاهرة إفلات الجناة من العقاب. وترسيخ احترام حقوق الضحايا. ويضيف أن الدول العربية تمر بالعديد من التحولات الجوهرية التي طالت بناها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. تحولات نتجت عن حراك شعبي واسع النطاق في هذه الدول. مشيرا الي ان الحراك جاء متباينا بين دولة وأخري. فبعضه نتج عنه تغيير شبه جذري في قمة النظام السياسي. وبعضه دخل في صدامات داخلية بين الحراك الشعبي والنظام. وتطور بعضه إلي صدام مسلح. وفي حالات أخري إندفع حكام بعض الدول الي الإعلان عن جملة إصلاحات إستباقية. تحسبا لاحتمالات تحركات شعبية يمكن أن تنال من شرعية هؤلاء الحكام واستقرار نظمهم. وحذر من محاولات الاستخفاف بالمفهوم والتقليل من أهميته. معتبرا انه أحد أهم مكونات هذه التغيرات والتحولات خاصة ما يرتبط بأوضاع حقوق الإنسان في البلاد التي شهدت هذه التحولات. وإلي أي مدي تتطابق القوانين القائمة مع مفاهيم العدالة والمنظومة الدولية الخاصة بها. وبنية وتركيبة النظم والمؤسسات الحاكمة للجهاز القضائي والعقابي. ومكونات وصلاحيات الأجهزة الأمنية والرقابة المدنية المفروضة علي تلك الأجهزة. واتخذت عدد من القوي السياسية من تباطوء وزارة العدالة الانتقالية في تبني برامج خاصة بكيفية تطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية والاصلاح والمساعدة في انجاح عملية تحول ديموقراطي مؤشرا علي عدم وجود رؤية أو هوية لعمل الوزارة. وحذرت حركة شباب 6 إبريل "الجبهة الديمقراطية". من وجود ممارسات غير إنسانية وقمعية تستهدف حرية الرأي والحقوق القانونية والدستورة في التعبير عن الرأي وافلات منتهكيها من العقاب. واعتبرت أن أداء وزارة العدالة الانتقالية غير مرضي لأنها لم تتخذ أي خطوات واضحة في اتجاه تحقيق العدالة علي أرض الواقع وهو ما يجعلها وزارة دون مضمون أو محتوي. وطالبت الحركة بسرعة إصدار قانون العدالة الانتقالية. للتمكن من محاسبة كل من أجرم في حق الوطن. والقصاص لجميع الشهداء. الخطوات المفقودة وفي الاتجاه نفسه. شدد طارق الخولي. عضو المكتب السياسي لتكتل القوي الثورية. علي ضرورة ادراك وزير العدالة الإنتقالية لمعني العدالة الانتقالية الحقيقية والتي تسعي إليها الدولة وكانت الدافع الرئيسي لانشاء وزارة معنية بالعدالة والمصالحة خاصة أنها لم تقدم حتي الآن أي تبريرات لإنشائها. وحذر من خطورة تأخر ظهور أي مبادرات أو خطوات من وزارة العدالة الانتقالية. موضحا أن التباطؤ في اداء دورها يوحي وكأن هذه الوزارة تم استحداثها من أجل إقناع الرأي العام بأن هذه الحكومة حكومة ثورة. ويقول إن العدالة الانتقالية والحفاظ علي المسار الديمقراطي لا يحتاج إلي وزارات وهيئات لحمايتهما. مبينا أنه لو كان هناك دور لهذه الوزارة الآن فيجب أن يبدو واضحا في قوانين لمحاسبة كل الانظمة والقيادات التي اساءت للشعب المصري بدأ من مبارك ونظامه إلي مرسي ونظامه من أجل تحقيق العدالة الانتقالية وعدم السماح بالبراءات المستمرة والافلات من العقاب. ويري محمد زارع. رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي. أن الوزارة عليها مسئوليات جسيمة ودورها حيوي ومطلوب خاصة في ظل الاوضاع الثورية التي تعيشها مصر ومحاولة تحقيق العدل والعدالة للجميع. مؤكدا أن تطبيق العدالة الانتقالية في مصر يحتاج إلي إرادة سياسية حقيقية لإصلاح مؤسسات الدولة. وقال إن قرار وجود وزارة للعدالة الانتقالية صائب ويأتي في توقيت مهم خاصة أنها مطلب مجمع عليه من جميع القوي السياسية والحزبية. موضحا أن تنفيذ المهام والدور المطلوب منها يتطلب وجود برامج وأفكار ومنهج للعدالة واضح ومحدد في ضوء التجارب العالمية السابقة وخصوصية الوضع المصري. ويضيف أن الهدف الرئيسي للوزارة هو ايجاد حلول بين التيارات السياسية المختلفة. مبينا ان مسئوليتها تمتد إلي البحث والدراسة والتطلع للمستقبل وتقديم الافكار الكفيلة بمنع تكرر التجربة الديكتاتورية التي مرت بها مصر.