أثار الآخر شبهات كثيرة حول الإسلام ولعل أخطرها الادعاء بأن الإسلام ظلم المرأة بأن جعل شهادتها نصف شهادة الرجل وبالرغم من أن هذه حالة واحدة فقط من حالات الشهادة وهناك حالات أخري تتساوي فيها شهادة المرأة بالرجل. بل أن شهادتها وحدها تكون كافية في حالات أخري إلا أن جانبا كبيرا من المستشرقين اتخذ من هذه الحالة الوحيدة دليلا للزعم بأن موقف الإسلام فيه تمييز للرجل علي المرأة. ويقول الدكتور علي جمعة - مفتي الديار المصرية السابق- الشهادة في اللغة تعني الخبر القاطع والحضور والمعاينة والعلانية والقسم والإقرار وكلمة التوحيد والموت في سبيل الله. وفي الاصطلاح الفقهي استعمل لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير علي النفس واستعملوا اللفظ في الموت في سبيل الله واستعملوه في القسم كما في اللعان. كما استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق الغير في مجلس القضاء. وأكد أن الفقهاء اختلفوا في تعريف الشهادة بهذا المعني. حيث عرفها الكمال من الحنفية بأنها إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء. وعرفها الدردير من المالكية بأنها إخبار حاكم من علم ليقضي بمقتضاه. وعرفها الجمل من الشافعية بأنها إخبار بحق للغير علي الغير بلفظ أشهد. وعرفها الشيباني من الحنابلة بأنها الإخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت. وتسميتها بالشهادة إلي أنها مأخوذة من المشاهدة المتيقنة لأن الشاهد يخبر عن ما شاهده وهي إحدي الحجج التي تثبت بها الدعوي. وقال: حاول البعض اتهام التشريع الإسلامي بانتقاص المرأة وبظلمه لها حيث يردد أن الإسلام ظلم المرأة بأن جعل شهادتها نصف شهادة الرجل. وهنا يجب أن نعلم أن الشهادة تكليف ومسئولية وعندما يخفف الله عن المرأة في الشهادة فهذا إكرام لها وليس العكس. والحقيقة أن الشروط التي تراعي في الشهادة ليست عائدة إلي وصف الذكورة أو الأنوثة في الشاهد ولكنها عائدة إلي أمرين. الأول. عدالة الشاهد وضبطه. والثاني. أن تكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها صلة تجعله مؤهلا للدراية بها والشهادة فيها. ومن المعلوم انه إذا ثبت لدي القاضي اتصاف الشاهد برقة المشاعر والعاطفة في شهادته تصبح غير مقبولة. إذ لابد أن يقوم من ذلك دليل علي أن صلته بالمسائل الإجرامية وقدرته علي معاينتها ضعيفة أو معدومة وهو الأمر الذي يفقده أهليته للشهادة علي تلك المسائل. وأشار إلي أن هناك حقائق مهمة يجب أن نعلمها في قضية الشهادة وهي. أن شهادة المرأة وحدها تقبل في هلال رمضان شأنها شأن الرجل. وتستوي شهادة المرأة مع شهادة الرجل في الملاعنة. كما أن شهادة المرأة قبلت في الأمور الخاصة بالنساء. قال ابن قدامه في المغني: ¢ ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الرضاعة والولادة والحيض والعدة وما أشبهها شهادة امرأة عدل. ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في قبول شهادة النساء المنفردات في الجملة¢. ويوضح الحكم في موضوع آخر فيقول: ¢ تقبل شهادة النساء وحدهن منفردات عن الرجال في خمسة أشياء هي الولادة والاستهلال والرضاع والعيوب التي تحت الثوب كالرتق والقرن والبكارة والثيبوبة والبرص وانقضاء العدة¢. وقال ابن قدامة وتقبل شهادة المرأة الواحدة:¢ وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء المنفردات فإنه تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة ¢. وجاء في الحديث: ¢سأل عقبة بن الحارث النبي صلي الله عليه وسلم - فقال: أني تزوجت امرأة فجاءت أمة سوداء فقالت: إنها أرضعتنا؟ فأمره بفراق امرأته فقال: أنها كاذبة فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ¢ دعك عنها ¢ وقد علق ابن القيم فقال:¢ هذا قبول شهادة المرأة الواحدة وكانت أمة وشهادتها علي فعل نفسها¢. وقد علق معروف الدوالبي بتعليق جميل علي هذا فقال:¢ إن الشريعة الإسلامية اتجهت إلي تعزيز الشهادة في القضايا المالية بصورة مطلقة بشهادة رجل آخر إلي جانب الرجل الأول حتي لا تكون الشهادة عرضة للاتهام. ولم يعتبر احد تصنيف شهادة الرجل هنا وتعزيزها بشهادة رجل آخر ماسا بكرامته ما دام ذلك التعزيز أضمن لحقوق الناس. وزيادة علي ذلك فإن شهادة الرجل لم تقبل قط ¢وحده¢ حتي في أتفه القضايا المالية. غير أن المرأة قد امتازت علي الرجل بسماع شهادتها ¢وحدها¢ دون الرجل فيما هو أخطر من الشهادة علي الأمور التافهة. وذلك كما هو معلوم في الشهادة علي الولادة وما يلحقها من نسب وارث بينما لم تقبل شهادة الرجل ¢وحده¢ في أتفه القضايا المالية وفي هذا رد بليغ علي من يتهم الإسلام بتمييز الرجل علي المرأة في الشهادة. وأضاف: أن شهادة المرأة تقدم أحيانا بعد سماع الشهادتين. يثبت خيار الفسخ لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه وان اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة فان شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول الزوجة. وأضاف إن الشهادة تختلف عن الرواية. وقد قبلت رواية المرأة الواحدة وما تزال في كل أمر حتي في الحديث. فالحديث النبوي الذي روته لنا امرأة عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- له حجية الحديث نفسه الذي يرويه رجل. ولم يرد أحد قول امرأة لمجرد أنها امرأة ونقل الدين وما فيه من تشريع أخطر من الشهادة في حكم قضائي. قال الشوكاني: ¢ لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدني نصيب من علم السنة¢. وقال ابن القيم:¢ الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلي اله لم يرد خبر العدل الواحد في كل موضع أخبر به وقبل شهادة الأمة السوداء وحدها علي الرضاعة¢. بعد هذه الحقائق نجد أن مصدر الشبهة التي حسب مثيروها أن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة بجعل شهادتها علي النصف من شهادة الرجل. يقول الله تعالي: ¢ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري¢ هو الخلط بين الشهادة وبين الإشهاد الذي تتحدث عنه هذه الآية الكريمة. فالشهادة التي يعتمد عليها القضاء في اكتشاف العدل المؤسس علي البينة واستخلاصه من ثنايا دعاوي الخصوم لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارا لصدقها أو رفضها وإنما معيارها اطمئنان القاضي لصدق الشهادة وبصرف النظر عن جنس الشاهد ذكرا أو أنثي وبصرف النظر عن عدد الشهود.