لم تسلم القدس من اعمال البطش والعدوان طوال تاريخها وبالرغم أن الشواهد التاريخية والواقع والحقائق الثابتة تعترف بحق الشعب الفلسطيني العربي في مدينته المقدسة إلا أن العدالة الدولية لم تتمكن من ردع دولة الكيان الصهيوني عن ممارساتها العدوانية التي تتنافي مع القانون الدولي والاعراف الانسانية. حيث تستمر محاولاتها لهضم الحقوق العربية في المدينة وتجاهل كافة القرارات الدولية وانتهاك صارخ لخصوصية القدس مدينة السلام والاديان. يقول عبد القادر ياسين. المفكر الفلسطيني المعروف. إن القدس من اقدم مدن العالم ولها أهمية دينية لكل الرسالات السماوية. مضيفا أنه علي مدي التاريخ خاضت شعوب ومجموعات مختلفة الكثير من المعارك للسيطرة عليها. كما كانت المدينة منذ 19 هدفا لادعاءات متناقضة ذات أبعاد سياسية وإقليمية ودينية. وشدد علي أن فلسطين ظلت طوال تاريخها دولة وكانت جزءا من الامبراطورية العثمانية ووضعت تحت انتداب عصبة الأمم في عام 1922 بعد هزيمة الدولة العثمانية. مبينا أن القدس كانت خلال فترة الانتداب البريطاني جزءا لا يتجزأ من أراضي فلسطين ومقر إدارتها. وحين أعطي الانتداب مفعولا لوعد بلفور عام 1917 بتأييد إقامة ¢وطن قومي¢ لليهود في فلسطين. لم يتضمن الانتداب أية بنود محددة تتعلق بالقدس مع أن المادة 13 والمادة 14 من قانون الانتداب لم تتضمن بنود حول الأماكن المقدسة. ولفت الي أنه وفقا للمادة 13 تسلمت بريطانيا المسؤولية الكاملة عن الأماكن المقدسة. بما في ذلك الحفاظ علي الحقوق الحالية. وضمان حرية العبور. والممارسة الحرة للشعائر الدينية. باستثناء ما هو متعلق بإدارة الأماكن الإسلامية المقدسة التي ضَمن الانتداب حصانتها. مؤكدا أن المادة 14 من قانون الانتداب نصت علي تشكيل لجنة خاصة لدراسة تعريف وتقرير الحقوق والمطالبات المتعلقة بالأماكن المقدسة والحقوق والمطالبات المتعلقة بالجاليات الدينية المختلفة في فلسطين غير أنه لم يتم تشكيل اللجنة أبدا وبقيت المسؤولية عن الأماكن المقدسة بيد سلطة الانتداب التي واصلت حالة الوضع الراهن التي كانت سائدة أثناء الحكم العثماني وحكمت العلاقات بين الجاليات المختلفة. ويضيف أن تصاعد الهجرة اليهودية إلي فلسطين تسبب في توترات متزايدة بين العرب والصهاينة وأصبحت القدس بؤرة للصراع. وقال أن ثورة فلسطين في عام 1936 التي بدأت احتجاجا علي تزايد الهجرة اليهودية. اجبرت بريطانيا علي تشكيل اللجنة الملكية الفلسطينية التي استنتجت أن الانتداب قد فشل وأوصت بإنهائه. كما اقترحت تقسيم فلسطين إلي دولة عربية ودولة يهودية. واعتبرت الأماكن المقدسة ¢أمانة مقدسة لدي المدينة¢. واقترحت إقامة مقاطعة القدس وتضم بيت لحم لتضم كافة الأماكن المقدسة. مع ممر إلي البحر ينتهي عند يافا وأن يبقي تحت الوصاية البريطانية في ظل انتداب جديد لعصبة الأمم ولكن هذه الخطة فشلت وبعد الحرب العالمية الثانية أعلنت بريطانية أنها غير قادرة علي حل المشكلة في فلسطين وأحالت القضية إلي الأممالمتحدة في عام 1947. وذكر أن الأممالمتحدة عينت الجمعية العامة لجنة خاصة حول فلسطين وأوصت اللجنة بالإجماع بالحفاظ علي قدسية الأماكن المقدسة وضمان حرية الوصول إليها ¢وفقا للحقوق الموجودة¢. مضيفا أن اللجنة قدمت خطتين بديلتين لفلسطين. وضعت خطة لإقامة دولة فيدرالية موحدة في فلسطين تكون القدس عاصمتها وبلديتين منفصلتين للقسمين اليهودي والعربي. كما أوصت بوضع نظام دولي دائم للحماية والإشراف علي الأماكن المقدسة في القدس وفي أماكن أخري. وأوصت خطة الأغلبية بتقسيم فلسطين إلي دولة عربية ودولة يهودية. والتدويل الإقليمي لمنطقة القدس كمقاطعة أو كجيب في الدولة العربية. الخطة الأخيرة هي التي أقرتها الجمعية العامة في القرار رقم 181 الذي أنهي الانسحاب واقترح إقامة دولة عربية ودولة يهودية علي أراضي فلسطين ورسم حدود الدولتين. وأكد أن القدس لم يتم اضافتها إلي حدود أي من الدولتين واقتراح نظام خاص لها وفقا لنظام دولي خاص تديره الأممالمتحدة. بحيث يتم تعيين مجلس وصاية للقيام بمسؤوليات السلطة الإدارية بالنيابة عن الأممالمتحدة. ويقول إنه تم تعريف حدود المدينة علي أنها تتضمن البلدية الحالية للقدس والقري والبلدات المحيطة بها حيث ستكون أبو ديس في أقصي الشرق. وبيت لحم في أقصي الجنوب. وعين كارم بما في ذلك منطقة موتسا المبنية في أقصي الغرب. وشعفاط في أقصي الشمال. مبينا أن الجمعية العامة طلبت من المجلس تطوير قانون للمدينة ينص علي تعيين حاكم وطاقم عمل إداري. وهيئة تشريعية. ومجلس قضاء مستقل. وقانون جنسية ونظام يحكم الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية. ويضيف انه لم يتم أبدا تطبيق خطة التقسيم والنظام الدولي الخاص بالقدس. مشيرا الي أن الصهاينة اعلنوا عن رغبتهم في قبول خطة التقسيم ولكن الجامعة العربية رفضت التقسيم لأن الأممالمتحدة. وخصوصا أن قرار الجمعية العامة غير ملزم. ليس لها الحق في تخصيص 55% من فلسطين للدولة اليهودية حيث أن اليهود ومعظمهم مهاجرون جدد كانوا يمثلون فقط ثلث السكان ويمتلكون أقل من 7% من الأرض. وقال إن أعمال العنف التي اندلعت في عام 1948-1949 اعقبها احتلال إسرائيل القدسالغربية واحتل الأردن القدسالشرقية كما أضفي اتفاق الهدنة العام بين إسرائيل والأردن في 3 نيسان 1949 الصفة الرسمية علي التقسيم الواقعي للمدينة. مضيفا أن الأممالمتحدة لم تتخل عن هدف تدويل منطقة القدس. كما لم تتوقف اسرائيل عن إجراءاتها لدمج القدسالغربية. وأوضح أن المجتمع الدولي رفض رفضا باتا ادعاءات السيادة الإسرائيلية علي المدينة بقسميها الشرقي والغربي. مؤكدا أن هناك إجماعاً بأن للقدس وضع منفصل عن إسرائيل وبقية الأراضي المحتلة. وقال إن الموقف الفلسطيني يتمسك بأن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين وتأكيد السيادة علي المدينة. وحظي الموقف الفلسطيني بدعم كبير من الدول العربية والعديد من الدول منها دول عدم الانحياز. أكد الدكتور جعفر عبد السلام. أستاذ القانون الدولي بجامعة الازهر والامين العام لرابطة الجامعات الاسلامية. أن وجود مقدسات لملايين الأفراد من البشر. فرض نفسه دائما علي النظام القانوني والسياسي لمدينة القدس. وقال إن هذا الوضع جعل العديد من الدول. وكذلك الأممالمتحدة تنادي بتدويل القدس. وجعلها تابعة لمجلس الوصاية الدولي الذي قام بوضع نظام كامل لحكم المدينة دوليا. بما يكفل تنفيذ القانون الديني للمدينة. ويوضح أن العرب والمسلمين وقفوا ضد تدويل المدينة. مستندين إلي مجموعة من الحجج في مقدمتها أن القدس مدينة عربية محتلة. والتدويل ينزع ملكيتها رغما عنهم. مضيفا أن المدينة عرفت الاستقرار في ظل الحكم العربي والإسلامي لها. ولم تكن هناك مشاكل لها أهميتها طوال فترة السيطرة العربية علي المدينة. كما أن تجارب التدويل التي جرت في العصر الحديث لم تلق نجاحا سواء بالنسبة لمدينة ¢دانزاج الحرة¢ أو لمدينة ¢تريستا¢ التي انتهي الحال بهما إلي الخضوع ولسيطرة دولة من الدول. ويقول إن إسرائيل ساندت في البداية مشروع تدويل المدينة. عندما لم تكن قد وضعت يدها عليها. ولكن بعد أن خضعت المدينة لها. سارعت بإعلانها عاصمة أبدية ودائمة لها. ورفضت أي دعاوي لتدويلها. مستندة إلي الحقوق التاريخية التي تزعم أن لها حق في المدينة. مشيرا الي أنها تحت هذه الدعاوي قامت وتقوم بنشاط دائب لإحلال الطابع الصهيوني واليهودي بالطابع العربي الإسلامي للمدينة. سواء من ناحية السكان. إذ جعلت غالبيتهم من اليهود. أو من ناحية طبيعة المباني. والمؤسسات التعليمية والثقافية والاقتصادية. وبالجملة الطبيعة الديمغرافية الكاملة للمدينة. كما تقوم بحفريات واسعة في المدنية. تهدد الأماكن المقدسة للديانات الأخري وخاصة الديانة الإسلامية. ويضيف أن العالم كله يسلم أن المدينة ليست مدينة يهودية بل مدينة عربية إسلامية خاصة القسم الشرقي وهو جزء محتل من أرض فلسطين العربية التي أخذت بالقوة في حرب 1967. وكذلك بالنسبة للقدس الغربية التي تعد بدورها من الأراضي العربية المحتلة عام 1948. مؤكدا أن إعلان اسرائيل عن جعل المدينة عاصمة موحدة لها وإجراء التعديات المختلفة علي الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة فيها يخالف القانون الدولي. وبين أنه بالرغم من التسليم بحق العرب في المدينة إلا أنه ظهر خلافا بالنسبة للأماكن المقدسة للديانات الأخري في الطريقة التي يجب أن تحمي بها. مبينا أن موقف مصر من المدينة قبل وبعد اتفاقها مع إسرائيل يتمثل في اعتبارها مدينة عربية محتلة وجزء من الضفة الغربية لنهر الأردن ويجب أن تكون القدس العربية تحت السيادة العربية. وأنه يحق للسكان الفلسطينيين في القدس العربية ممارسة حقوقهم الوطنية المشروعة باعتبارهم جزء من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. وأضاف أن مصر تشدد علي ضرورة تطبيق القرار رقم 242 الصادر من مجلس الأمن علي هذه المدينة. وهذا يعني اعتبارها من الأماكن التي احتلتها إسرائيل في نزاع 67. فيحكمها علي ذلك قانون الاحتلال الحربي بما يعنيه ذلك من ضرورة استرداد العرب لها. ويعني الموقف المصري أن هناك بمفهوم المخالفة قدسا أخري غير عربية لا تخضع لهذا النظام وهي القدسالغربية التي لم تحتل في حرب 1967. ويقول إن الموقف المصري يقر بحقوق أصحاب الديانات الأخري في المدينة وضرورة كفالة حرية الوصول إلي المدينة لكافة الشعوب. وأن يتمتعوا بحرية ممارسة شعائرهم الدينية فيها. ويحق الزيارة والعبور إلي الأماكن پالمقدسة دون تميز أو تفرقة. موضحا أن الموقف المصري الثابت ينطلق من أن القدس بكاملها مدينة عربية محتلة يجب ردها للعرب. مع الاعتراف بحقوق الطوائف الدينية الأخري فيها وتمثيلها عن طريقين: الأول. إشراف ممثليها علي أماكنها المقدسة. والثاني. إقامة مجلس بلدي مشترك من اليهود والعرب للإشراف علي إدارة الوظائف الضرورية في المدينة. وأشار الي أن كافة المواقف الرسمية للولايات المتحدة ولكل الدول وللأمم المتحدة تؤكد أن القدسالشرقية مدينة محتلة. مبينا أنه لا يجوز نقل سيادة المحتل عليها لأي سبب لمخالفته الصريحة للقانون الدولي. كما ان الاستيلاء بالقوة علي الأراضي ممنوع قانونا ولا يثير أي أثر. وهذا أمر مسلم به في القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة. فقد ظلت القدس مدينة عربية وبقيت تحت السيادة العربية أكثر من ألف عام. وسلبت من العرب بعد هزيمة 1967 بالقوة العسكرية. وبالتالي لا يمكن التسليم بشرعية الوجود الإسرائيلي عليها. ويقول الدكتور السيد أبو الخير. أستاذ القانون الدولي بالجامعات المصرية والليبية. إن كافة الممارسات الصهيونية التي تقوم بها اسرائيل لتهويد القدس تخالف القانون والاعراف الدولية والانسانية. موضحا أن اسرائيل وضعت يدها علي الاراضي العربية بالقوة والاحتلال والقانون الدولي العام المعاصر يتعبرها افعال غير قانونية وباطلة بطلانا مطلقا. لمخالفتها قواعد مبادئ عامة في القانون الدولي العام. أهمها مبدأ تحريم الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة الذي نص عليه في العديد من قرارات الأممالمتحدة. وأهمها القراري رقم 242 . و337 عن مجلس الأمن. ولأن ذلك يعتبر مكافأة للكيان الصهيوني لاحتلاله الأرض. ويؤكد أن تصرفات اسرائيل تعد منعدمة قانونا وهي تعتبر اعمالا مادية وليس تصرفات قانونية. أي أنها لا تنتج أي أثر قانوني في القضية الفلسطينية. وكل ما ترتبت عليها باطل بطلانا مطلقا. مشيرا الي أن الأرض التي أعطيت لهذا الكيان الصهيوني ليست أرضه وليست من حقه لأنه سيطر عليها بالقوة وبدون سند من القانون والواقع فهو سلطة احتلال. وذلك مخالف لمبدأ تحريم الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة. كما أن وسيلة اكتساب أرض إقليم الدولة عن طريق الغزو أو الفتح. كانت من وسائل القانون الدولي التقليدي الذي أنتهي. لذلك فإن الإقليم يعتبر غير مملوك للكيان الصهيوني فهي أرض محتلة. وطبقا لقانون الاحتلال الحربي فأن الاحتلال لا ينقل السيادة للمحتل بل تبقي الأرض ملكا لأصحابها وهم أبناء الشعب الفلسطيني. كما أن الاحتلال بطبيعته مؤقت. والتوقيت هنا يجعل وجود الصهاينة في فلسطين مؤقت طبقا لقانون الاحتلال الحربي. مما يعني عدم توافر شرط ملكية أرض إقليم الدولة. والإقامة المستمرة فيها. وذكر أن كافة التصرفات التي قامت بها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس الشريف كاملة باطلة بطلانا مطلقا. مؤكدا انه لا يمكن فصل مسألة الوضع القانوني للقدس عن وضع فلسطين ككل فلا يوجد أي استحقاق للسيادة الصهيونية علي الاراضي الفلسطينية بما فيها القدس فهي تؤول للشعب الفلسطيني وحده. وكشف أن الحجج الصهيونية الخاصة بالسيادة غير منطقية وتخالف القانون والاعراف الدولية. موضحا أن كافة القرارات الدولية بما فيها القرار 181 لم يضعوا تصورا بأن تشكل القدس جزءا من الدولة اليهودية المقترحة. ولم يتم الاعتراف بادعاء إسرائيل السيادة علي القدس. كما رفضت حجة أنه يحق لإسرائيل أن تكون لها سيادة علي الأراضي التي احتلت في عامي 1948 و1967 بناء علي أنها تصرفت ¢دفاعا عن النفس¢. وأن هذه الأراضي لم تكن تحت سيادة أية قوة أخري. إذ يتجاهل هذا القول أحد المبادئ الأساسية المعروفة في القانون الدولي وهي أن ممارسة الدفاع عن النفس لا يمكن أن تشكل في حد ذاتها أساسا للحصول علي حق الملكية.