حذّر الدكتور هاني الكاتب- الأستاذ بمعهد زراعة الغابات بجامعة ميونخ بألمانيا- من اندفاع العالم كله نحو كارثة بيئية تُحيق بسكانه وهم الذين صنعوها بأيديهم. مؤكداً أن سبل إنقاذ مصر مما تعانيه من أزمات سواء اقتصادية او سياسية يكمن في كيفية الاستغلال الجيد لمياه الصرف الصحي والاستفادة منه في زراعة آلاف وملايين الأفدنة الصحراوية بأشجار الغابات التي تُعدّ مصدر دخل كبير وكنز عملة صعبة. تحقق الرخاء والاستغناء عن المساعدات الخارجية. وصف شباب ثورة يناير بالمتحمّس لكنه يفتقد الرؤية الواضحة للمستقبل. بعكس ما كان عليه حال شباب الخمسينيات. وفيما يلي نص الحوار الذي أُجري معه خلال زيارته القصيرة لمصر بعد غياب 40 عاماً في ألمانيا: * من وجهة نظر أستاذ أكاديمي متخصص في الاستزراع خاصة في الصحراء والغابات. كيف تري المشكلة التي يواجهها عالمنا اليوم؟ ** المشكلة بل المشكلات التي يواجهها العالم اليوم تفرض علي سكان الأرض جميعا اتباع وسائل الاستخدام الامثل للموارد. لأن من اهم المشاكل التي تواجه العالم اليوم هي سوء استخدام الموارد والذي يسبب الكثير من المشاكل البيئية بل الكارثية والتي من بينها التلوث البيئي. فالعالم بالفعل يُدفع دفعاً نحو كارثة كبري. وهناك عدة مشاكل وأزمات علي رأسها عدم وجود غذاء صحي ووجود تغيرات مناخية. الأدهي ان الموارد غير موزّعة بشكل عادل بين دول العالم حيث ان 80% من دول العالم. والتي تشكل الدول النامية. تستخدم ما يقرب من 20% فقط من الموارد. وفي المقابل هناك 20% من دول وأفراد العالم يستهلكون 80% من موارده. وهذا ليس عدلاً. ومن ثم يجب رفع الوعي العام بأهمية الموارد الطبيعية وعدم الاسراف في استخدامها مع الاهتمام بإعادة تصنيعها. استراتيجية البناء * وماذا عن مصر تحديداً؟ ** للأسف الشديد تعد مصر من أعلي دول العالم في التصحُّر. وذلك وفقا للاحصائيات الصادرة عن الأممالمتحدة كما أن 3.6 فقط من مساحة مصر تشكل الاراضي الزراعية والتي تُهاجم من قبل الغزو الأسمنتي لبناء العقارات. حتي أنها خسرت حوالي 50% من مساحتها الزراعية في فترة وجيزة ما بين عامي 1972- 2011 بل زادت أكثر خلال فترة الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة يناير. وقد قدّر الخبراء ما تخسره مصر يوميا من المساحة الزراعية بمساحة ملعب كرة قدم. وعقب الثورة تخسر ضعف هذه المساحة يوميا! مع ان مصر تمتلك أجود الأراضي الزراعية علي مستوي العالم كله. ومن ثم يجب الاهتمام بوضع خطة استراتيجية لاعادة بناء مصر تعتمد علي استخدام مواردها من مياه البحر والطاقة البشرية والصحراء والطاقة الشمسية.منبها الي وجود هدر كبير للمياه في الزراعة بمصر خاصة مع انخفاض معدل نصيب الفرد من المياه عن الحد الادني العالمي والمقدر ب الف لتر للفرد في السنة حيث يصل في مصر ل 650 لترا. ومن ثم يجب التفكير في نظم جديدة لتقليل استخدام المياه في الزراعة واتباع اساليب جديدة تعتمد علي زراعة اصناف متنوعة في مساحات صغيرة. أو أنواع لا تستهلك كميات كبيرة من المياه. * ألا توجد طريقة لحل هذه المشكلة وإيقاف التصحر والغزو الأسمنتي للأراضي الزراعية؟ ** الحقيقة أنني أتألم كثيرا مما آل إليه حال مصرنا الحبيبة. فقد أصبح المواطن يبحث عن الربح السريع بغض النظر عن الأضرار التي يسببه سلوكه. سواء له هو شخصيا أو لأبنائه وأحفاده وإخوانه في الوطن. حتي أننا وصلنا لمرحلة التعوّد علي رؤية القبح والتعايش معه بشكل عادي جداً! لذلك فأنا شخصيا لا أسعد بمظاهر التطور والمدنية التي يظنها البعض كذلك وهي علي حساب الوطن ومصالحه العليا. وأفضّل كثيرا فكرة التعلّم من الطبيعة التي تعطينا الاستراتيجية الجيدة وغير الضارة بالتنوع والتوازن البيئي. وعلينا محاولة تقليلها. بجانب استخدامنا للوسائل التكنولوجية الحديثة لحل مشاكلنا بطرق آمنة.والحل يكمن ببساطة الاقتناع بسلوكنا الخاطئ والرغبة الحقيقية والجادة في تغييره من خلال اتباع وتنفيذ أفكار ورؤي الخبراء وأصحاب الفكر الصحيح. ومصر مليئة وغنية جدا بثرواتها البشرية والطبيعية التي حباها بها الله تعالي. يبقي فقط حُسن الاستخدام والاستثمار لها. وإذا كان الغزو الأسمنتي يزحف بقوة علي الأرض الزراعية فلا أقل من أن نجعله غزواً أخضراً بما يُعرف بالمعمار الأخضر. أي استغلال كل مساحة أسمنتية بالزراعة عليها بحيث تتحول من مستهلكة الي منتجةو علي أسطح العمارات وفي البيوت. وهكذا. والحقيقة انني قدمت للتباحث مع الحكومة الحالية بشأن عدة مشروعات زراعية لتحقيق النهضة والتقدم المشود خاصة وأن مصر بها ثروات طبيعية لتحقيق طفرة زراعية هائلة. المستقبل في الغابات * وما هي أهم المشروعات التي تزمع طرحها وتنفيذها في مصر؟ ** أهم مشروع هو إنشاء الغابات علي المساحات الكبيرة خاصة الصحراوية وباستخدام مياه الصرف. وهذا المشروع سيتم بالتعاون بين قسم الهندسة الزراعية بكلية الزراعة بجامعة عين شمس وكلية انشاء الغابات بجامعة ميونخ. ويكفي أن نعرف ان استخدام 5.5 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي يساعد علي زراعة 1.5 مليون فدان غابات بما يقدم دخلاً وقدره 600 مليون دولار سنوياً. وهنا نسترجع التاريخ المصري ففي عصر الدولة الفاطمية نجدها اهتمت كثيرا بزراعة الغابات واستخدمت أخشابها في بناء السفن البحرية. فكانت أول دولة تفطن لذلك. وإذا قارنا هذا الوضع بما هو عليه الحال الآن نجد زراعة الغابات في مصر أقل من صفر. فضلا عما تمثله مياه الصرف الصحي من مشكلة كبيرة للمسئولين علي مر الحكومات المتعاقبة. فها هي المشكلة ستحل وأكثر من ذلك سنحوّلها الي نعمة بدلا من نقمة وتدر دخلا كبيرا وبالعملة الصعبة! ليس هذا فحسب بل إن الغابات هذه ومن خلال ريّها بمياه الصرف الصحي. ستتحول إلي كنز ومصدر دخل كبير لمصر في عدة أوجه أخري. منها: تخزين قرابة ال25 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا بما يوازي 100 مليون دولار. زيادة احتمالات تكوّن السحب وبالتالي سقوط الأمطار. هذا ما ملاحظة توقّع زيادة معدل مياه الصرف ليصل الي 17 مليار متر مكعب في عام 2017! وبفضل الإمكانات والثروة الطبيعية المصرية يمكننا ومن خلال زراعة انواع معينة سريعة النمو من الأشجار أن نجعل مصر وفي فترة 11 عاماً فقط تتفوق علي ألمانيا صاحبة الريادة العالمية في تصدير أخشاب الغابات وهي الثروة التي كوّنتها في فترة 60 عاماً. وأعتقد انه إذا حدث هذا فستحل جميع المشكلات والأزمات المصرية وبأيد وعقول أبنائها دون الحاجة للمساعدات الخارجية من هنا أو هناك! موارد متعددة * وما هي المشاريع الأخري؟ ** هناك طاقات وموارد وثروات هائلة كما قلت تمتلكها مصر وينبغي الاستفادة منها جميعا وحسن استغلالها واستثمارها. فهناك ثروة الطاقة الشمسية التي تتفرد بها مصر وتتمتع بها طوال العام تقريبا. ومن خلالها تستطيع تصدير الطاقة لأوروبا والشرق كله. وعلي رأس تلك الثروات الإمكانات البشرية وما تُمثله من ثروة عظيمة لو أحسن استغلالها لصارت مصر من أوائل الدول علي العالم في كل شئ. كذلك هناك الشواطئ البحرية الطويلة علي سواحل البحرين الأحمر والمتوسط ونهر النيل والصحراء الشاسعة. فمواردها متنوعة ومتعددة وحرام علينا ان نهدرها ولا نستفيد منها ومصر في أحوج ما تكون لكل مورد من مواردها. شباب الثورة * أشرت في ثنايا حديثك إلي ثورة يناير. فكيف تنظر لها وأنت مصري مهاجر لألمانيا منذ 40 عاماً؟ ** الحقيقة أنني بقدر سعادتي بما حققه أولئك الشباب من ثورة بيضاء سلمية. بقدر حزني الشديد لأنني تحدثت مع بعض الشباب وشعرت بافتقادهم للرؤية السليمة والواضحة للمستقبل. وهذا بعكس شباب الخمسينيات. وإن كنت أُرجع هذا لما ارتكبه النظام من سلب وتجريف للعقول وأسلوب التفكير.وعلي كل حال فمصرنا الغالية لديها من الإمكانيات الهائلة التي تؤهلها لسرعة النهوض من كبوتها إذا أحسنا استخدام واسغلال مواردها. لأن الاستخدام الخاطئ يسبب المجاعة والكوارث. مثل الإسراف في المياه المستهلكة في البيوت من خلال حنفيات هالكة أو مفتوحة باستمرار حتي في دور العبادة التي تعلّم الناس عدم التبذير والحفاظ علي المال العام ونعمة المياه!ولعلاج ذلك علينا باستخدام الأدوات الحديثة من الصنابير ¢الحنفيات¢ التي تعمل إذا وضع الإنسان يده تحتها وتتوقف المياه بمجرد ابتعاد يده عنها. صحيح انها حنفيات مُكلّفة بعض الشئ لكنها موفّرة في الاستهلاك. وكذا الاقتصاد في استخدام مياه ¢السيفون¢ فهناك أجهزة للتنظيف الخفيف بالضغط علي زر معين. وزر آخر للتنظيف الثقيل. مع وضع بعض السياسات والقوانين والآليات التي تنظم استهلاك المياه من خلال العدادات والقوانين المعاقبة للسرقات. صور مقترحة: صورة شخصية للمتحاور. صورة لإحدي الغابات أو الصحراء أو طفح مياه الصرف الصحي. أو تركيبة منها جميعاً