* يسأل علي عبدالرحمن مراد من بورسعيد: اختلف العلماء في نقل بعض الأعضاء من جسم سليم إلي جسم مريض لإنقاذ حياته أو لتخفيف آلامه فمنهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالحرمة فما الحكم الصحيح؟ ** يقول د. محمد بكر اسماعيل عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر الأسبق: نقل الأعضاء البشرية من إنسان إلي إنسان آخر أصبحت ضرورة من الضرورات الملحة في هذا العصر الذي كثرت فيه الحوادث والأمراض الفتاكة واحتاج الكثير من المرضي إلي زرع عضو مكان عضو أصابه التلف.. والتداوي أمر مشروع لا يشك في مشروعيته عاقل. والطب قد تقدم بصورة مذهلة كما نعلم. وزرع الأعضاء أصبح سهلاً علي كثير من الأطباء المهرة وقد أسهم في إنقاذ حياة الكثير من الموت المحقق وكل شيء بقضاء وقدر. وقد جعل الله إجراء هذه العمليات سبباً من الأسباب التي تحفظ علي الإنسان حياته من غير آلام شديدة إلي انقضاء أجله المسمي في علم الله تبارك وتعالي. فكان لابد من معرفة حكم الله تعالي في بيع أعضاء الإنسان والتبرع بها لإنسان يكون في أشد الحاجة إليها. وهي من المسائل التي لم نجد من الفقهاء القدامي من تناولها بالبحث والدراسة وأفتي فيها بفتوي صريحة يرجع إليها ويعمل بها. ولذا وجدنا فقهاء هذا العصر قد اجتهدوا فيها وفق الأصول الشرعية العامة كالمصالح المرسلة. اختلف المجتهدون من أهل العصر في هذا الأمر الذي عرضته أيها الأخ الكريم في سؤالك ومن حقهم أن يختلفوا لعدم وجود النص الصريح في ذلك. واختلافهم هذا رحمة للأمة فعن طريقه تظهر الحقائق بالأدلة المقنعة المريحة للنفس فيطمئن المسلم علي دينه ويعلم أنه ماض في الطريق الصحيح علي هدي من الله ونور. وقد عقد علماء المسلمين ورجال الطب والقانون مؤتمراً بالكويت في العشرين من شعبان عام 1407ه الموافق 18 ابريل عام 1987م لمناقشة هذه القضية تحت عنوان "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية" وقد ظهرت هذه الخلافات علي أشدها حول جواز بيع الأعضاء والتبرع بها في حال الحياة وبعد الموت. وجاءت الآراء كالآتي: "أ": الإنسان لا يملك أعضاء نفسه ملكا تاماً علي وجه الحقيقة ولكنه يملك التصرف فيها عند الضرورة وبالقدر الذي لا يؤدي الي ضرر أكبر من الضرر الذي يريد ان يدفعه عن الشخص الآخر. فلا اعتراض من قبل الشريعة فيما أري - والله أعلم - علي أن يتبرع إنسان بعضو من أعضائه لإنسان من أجل إنقاذ حياته أو من أجل إنقاذ عضو من أعضائه قد أشرف علي التلف كأن يهب له كلية من كليتيه أو عيناً من عينيه بل إن في هذه التضحية إكبار للمضحي وأجر عظيم. أما إن كان هذا العطاء مرهونا بانتفاع مادي فلا يجوز ذلك لأنه بيع لما لا يملك علي الحقيقة ولما فيه من امتهان لآدمية الإنسان وفتح الباب لتجار الرقيق أن يجعلوا من أعضاء الإنسان سلعاً تباع وتشتري وقد يؤدي هذا بدوره الي قتل الأبرياء من أجل الحصول علي تلك الأعضاء التي يتنافس الناس علي بيعها وشرائها. من أجل هذا شدد الإسلام علي بيع الأعضاء وشرائها. والدليل علي ذلك قول الله تعالي في سورة الإسراء: "ولقد كرمنا بني آدم" وتكريم بني آدم يقتضي أن تراعي حرماته فلا تمتهن أعضاؤه فتجعل كالسلع المتداولة بين الناس في الأسواق. ونظراً لخطورة هذا العمل قامت كثير من الدول بتجريمه قانونا وفرض حصار شديد علي انتشاره وسنت عقوبات رادعة لمن يقوم به. والقوانين الوضعية المتعلقة لا تتناقض مع الشريعة الإسلامية علي الجملة لا علي التفصيل. "ب": لكن ماذا لو اضطر انسان إلي شراء كلية مثلا له أو لأحد أقاربه لانقاذ حياته ولم يجد من يتبرع له بها؟ أقول: يجوز له حينئذ أن يشتريها للضرورة ويكون الإثم علي البائع والضرورات تبيح المحظورات وليس هناك ضرورة أعظم من إنقاذ المريض من الموت. "ج": هذا وهناك مسألة أخري تشبه هذه المسألة هي إذا جاء إنسان إلي الطبيب وأراد أن يتنازل عن كلية لمريض في أشد الحاجة إليه ولكنه اشترط أن يحصل من المريض علي مبلغ من المال يكون بمثابة تعويض له علي ما يجده في سبيل ذلك من أضرار وما يعانيه من آلام وهو رجل فقير والمريض في سعة من المال فهل هذا يسمي بيعاً وهل هذا المبلغ الذي يحصل عليه يكون حراماً؟ أقول: هذا لا يجوز لأنه لا يعد تبرعاً بل يعد بيعاً فما يحصل عليه في مقابل هذا التنازل لا يكون حلالاً. "د": والتبرع بالأعضاء لا يجوز إلا بشرط أن يصرح طبيب مسلم ثقة بأن نقل هذا العضو من شخص إلي آخر لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع. وإنما يترتب عليه حياة الشخص المتبرع له أو إنقاذه من مرض عضال. وإنما قلنا لا يترتب علي النقل ضرر بليغ لأن كل عضو من جسد الإنسان خلقه الله تعالي لفائدة. فنقله لابد أن يترتب عليه ضياع تلك الفائدة. والتي تتفاوت نسبتها من عضو إلي آخر. وهذا ما أقرته دار الإفتاء المصرية في الجزء العاشر من فتاوي إسلامية 3702 ولكن هذا إنما يكون في أضيق الحدود وفي أشد الضرورات إعمالاً لبعض القواعد الشرعية التي تقول باختيار أهون الشرين وبأن الضرر الأشد يز ال بالضرر الأخف. ولأن التبرع قلما يصدر عن إنسان إلا في أشد حالات الضرورة وقلما يكون إلا لعزيز علي هذا الإنسان المتبرع. وبهذا البيان يتضح لنا أن نقل الأعضاء جائز شرعاً إن دعت إليه الضرورة القصوي. وأخبر الطبيب الماهر في الطب أنه لا يترتب علي نقل العضو من شخص إلي شخص آخر ضرر بليغ علي المنقول منه. وأن التبرع بالأعضاء جائز في حدود الضرورة وأن بيعها محرم. وأن شراؤها يجوز عند الضرورة القصوي والإثم علي البائع لا علي المشتري.