العدوان والعنف ضد المسلمين والتعامل الظالم الوحشي الذي ينتهك كافة الحقوق والحريات بما فيها حق الحياة أصبح بمثابة سياسة معتمدة ممنهجة تستهدف الاقليات المسلمة في دول كثيرة من العالم. ويكشف العنف الطائفي/العرقي الذي تتعرض له الأقلية المسلمة في بورما عن وحشية هذه السياسات التي تعصف بكافة القيم الانسانية. حيث تصف الأممالمتحدة أقلية الروهينجا المسلمين في ميانمار "بورما" الذين تعود أصولهم العرقية إلي منطقة البنجال بأنهم "الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم". فقد أسفر العنف الطائفي من قبل البوذيين البورميين ضدهم عن وقوع آلاف القتلي إضافة لتهجير ما يقارب من 100 ألف روهينجي من قراهم ومنازلهم لتمتلئ بهم معسكرات لاجئين تفتقد الحد الأدني من الإنسانية. إضافة للعرقلة الممنهجة لوصول المساعدات الإنسانية إليهم من قبل الحكومة البورمية. وهي العرقلة التي وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش بأنها ستجعل قضية الروهينجا تتحول من "أزمة إنسانية" إلي "كارثة إنسانية" بحلول موسم الأمطار القادم ما لم تتم معالجة الأزمة بصورة عاجلة. ويبلغ عدد الأقلية المسلمة في بورما نحو ال 10 ملايين نسمة يمثلون 20% من السكان البالغ عددهم أكثر من 50 مليون نسمة. وتعود أزمة مسلمي بورما الي شهر يونيو 2012. عندما أعلنت الحكومة البورمية أنها بصدد إحداث تغيير في قانون المواطنة البورمي الصادر في عام 1982. والذي كان يحرم العرقية الروهينجة المسلمة في أراكان من حق المواطنة ويعدون في ظله أشخاصا منعدمي الجنسية ولا يمنحهم أي حقوق. ومنحهم بطاقة المواطنة إذا تمكنوا من اثبات جذورهم التاريخية ببورما. مما أغضب الطائفة البوذية التي تمثل الاغلبية وينتمي لها القيادات الحاكمة. إذ ادرك البوذيون تأثير هذا الإعلان الذي يمنح العديد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لابناء العرقية الروهنجية المسلمة علي إنتشار الإسلام في المنطقة وهو ما يهدد نفوذهم ومصالحهم المستقرة منذ عقود طويلة. واستغلوا وقوع حادثة اغتصاب لفتاة بوذية اتهموا فيها شاب مسلم لإحداث فوضي عارمة بالولاية. حيث هاجم نحو 450 بوذيا حافلة تقل عشرة علماء مسلمين كانوا عائدين من أداء العمرة. ونكلوا بهم بطريقة وحشية حتي استشهدوا. ولم تتحرك اجهزة الدولة لضبط الأمن وتطبيق القانون وساهمت في تعقيد الازمة بالقاء القبض علي 4 مسلمين بحجة الإشتباه في تورطهم في قضية الفتاة. وقامت قوات الجيش بالانتشار وتطويق المساجد يوم الجمعة 3 يونيو 2012 تحسبا لخروج مظاهرات بعد الصلاة ومنعوا المسلمين من الخروج دفعة واحدة. ومكنت البوذيين من التوجه للمساجد والاشتباك مع المسلمين أثناء خروجهم عقب الصلاة وبسبب تزايد عمليات العنف فرض الجيش حظر التجول ولكن بطريقة انتقائية حيث شدده علي المسلمين بينما ترك البوذيين يتجولون في الأحياء المسلمة بالسيوف والعصي والسكاكين ويحرقون المنازل ويقتلون من فيها أمام أعين قوات الأمن. تاريخ الاضطهاد والواقع أن تاريخ اضطهاد المسلمين في بورما طويل يعود الي عهد الملك باينتوانغ الذي تولي الحكم عام 1550 حتي 1589م وقام بحظر ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشي بسبب التعصب الديني. واجبر بعض الرعايا للاستماع إلي الخطب والمواعظ البوذية مما يجبرهم لتغيير دينهم بالقوة ومنع الاحتفال بالاعياد الاسلامية وذبح الأضاحي. واستمرت ممارسات التنكيل والاقصاء والتشريد والحرمان من التعليم والوظائف والقتل حتي دخول الاستعمار البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر. الذي اتبع سياسة تعتمد علي الأقليات العرقية لمد نفوذه بمختلف مناطق بورما وتحفيز الهجرات من مناطق البنجال إلي إقليم أراكان. مما عمق الكراهية وروح العداء ضد المسلمين التي اشعل حدتها استدعاء فكرة اضطهاد مغول الهند للبوذيين والهندوس أثناء حروب المغول وفتوحاتهم للمدن. حيث حولوا وبالقوة العديد من البوذيين والهندوس إلي الإسلام. اضافة لانخفاض مستوي المعيشة للمهاجرين الجدد. واستعدادهم القيام بالأعمال الصعبة والخطيرة وحتي الكريهة. واحتكروهم في الخدمات الحكومية. وتفاقم الاوضاع بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 1930. وتسببت مقاومة المسلمين الشرسة للاستعمار في سعيه للتخلص من نفوذ المسلمين ببث الفرقة بين الديانات والملل والعرقيات المختلفة لتشتيت وحدتهم وإيقاع العداوة بينهم كعادته في سياسته المعروفه فرق تسد. فاستغلت بريطانيا تصاعد الشعور القومي للبورميين البوذيين في ثلاثينيات القرن الماضي واقدمت علي تنفيذ العديد من المؤمرات التي اشعلت الحروب بين البوذيين والمسلمين. بالعمل علي طرد المسلمين ذوي الأصول البنجالية الذين اعتبرهم البوذيون دخلاء من وظائفهم وإحلال البوذيين مكانهم. ومصادرة أملاكهم وتوزيعها علي البوذيين. والزج بالمسلمين وخاصة قادتهم في السجون أو نفيهم خارج أوطانهم. وإغلاق المعاهد والمدارس والمحاكم الشرعية ونسفها بالمتفجرات. وتبني حملات شعبية بعنوان "بورما للبورميين فقط". وتحريض البوذيين ضد المسلمين ومدهم بالسلاح وتشجيعهم علي العدوان والعنف وارتكاب المذابح التي كان ابشعها في عام 1942 حيث فتكوا بحوالي مائة ألف مسلم في أركان. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وتصاعدت حركات الاستقلال سارعت بريطانيا بوضع خطة لمستعمراتها فضم إقليم أراكان لبورما التي نالت استقلالها عام 1948. وتجاهلت مشكلة المسلمين الروهينجا بالاقليم. الذين اضطروا لتشكيل حركة المجاهدين المسلمين في أراكان بهدف ضم الإقليم إلي شرق باكستان "بنجلاديش حاليا". وظلت الأقلية المسلمة طوال فترة الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال ني وين عام 1962 وشيد نظام حكم قمعي ديكتاتوري استمر حتي عام 2008. تعاني من الاضطهاد والعنف وعدم الاعتراف بوجودها والطرد. وعندما تولي الجنرال ثين سين رئاسة الدولة في 2011. تبني عملية التحول الديمقراطي بهدف تغيير صورة بورما والانفتاح علي العالم وانهاء العقوبات الدولية التي فرضت علي دولته بسبب سجلها المشين في انتهاك الحريات المدنية والسياسية وحقوق الانسان. فدعي الي ادخال تعديلات واصلاحات سياسية شاملة. خريطة المصالح وتسبب الموقع الاستراتيجي لاقليم أراكان الذي تقطنه أقلية الروهينجا المسلمة ويمثل الواجهة البحرية الأساسية لبورما علي خليج البنجال "المحيط الهندي" في وجود خريطة مصالح سياسية كبيرة سواء لبورما نفسها أو الدول التي لها مصالح سياسية كبري خاصة الصين التي تسعي لامتلاك نافذة بحرية تمكنها من الوصول للمحيط الهندي وأيضا الولاياتالمتحدةالامريكية التي تريد منع الصين من الوصول للمحيط الهندي تتجاوز جعل المسألة الإنسانية للمسلمين في بورما علي قائمة الأولويات الدولية. وهو ما يفسر اقدام الرئيس ثين سين وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيا بالتصريح علنا بأن الروهينجا في بورما يجب طردهم جميعا من البلد وإرسالهم لمخيمات اللاجئين. والتي اعقبها اشتعال اعمال العنف ضدهم بصورة شاملة ووحشية منذ عام 2012. وأكدت تقارير المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية بوجود عمليات مستمرة تستهدف التطهير العرقي والتهجير جماعي وتعذيب وحبس واغتصاب وحتي حالات تعقيم للنساء ممنهجة. ودفعهم للهروب عبر الخليج البنغالي إلي الدول المجاورة وتفريغ الاقليم من وجودهم وسط التعتيم الإعلامي الشديد. ولا يمكن انكار انه اذا كان تعقد أزمة الروهينجا المسلمين سببه تقاطع خطوط وخريطة طرق ومصالح وسياسات الدول الكبري. فان التحركات السياسية لمعالجة الأزمة يجب أن تدرك كل هذه الابعاد والعمل علي اجبار الأممالمتحدة والمنظمات الدولية للقيام بمسئولياتها لتطبيق المواثيق العالمية لحقوق الإنسان وغيرها لحماية المسلمين هناك. والتفاوض عربيا"جامعة الدول العربية" واسلاميا "منظمة التعاون الإسلامي" مع الدول الكبري لإخراج المسلمين وتحييدهم بعيدا عن صراعات المصالح الاستراتيجية.