المشروع الحضاري الإسلامي يقوم علي ثلاثة أذرع إحداها ذراع دعوية وإصلاحية وتربوية.. والثاني ذراع سياسية.. والثالث ذراع اجتماعية تهتم بالفقير والمسكين واليتيم. والآن نهتم جميعاً بالذراع السياسية تاركين كل شيء سواه.. حتي كره الناس هذه الذراع الطويلة والتي تغولت علي الذراعين الآخرين.. وأخشي أن يضمر كل شيء علي حساب السياسة الحزبية.. ليتحول الأمر في نهاية المطاف إلي صراع سياسي إسلامي إسلامي بعد الفراغ من الصراع الإسلامي الليبرالي. قبل أن تدعو وتعظ الآخرين عليك أن تتأكد أن التليفون الذي تتحدث إليهم عبره فيه حرارة.. فإذا فقدت الحرارة فلن يصل صوتك للناس.. وحرارة التليفون هنا هي صدق القلب وإخلاصه وتجرده عن نزعات الهوي ورغبات الدنيا والعصبية للحزب أو الجماعة أو الفصيل دون الحق. الدعوة إلي الله تجمع القلوب المتنافرة.. والسياسة الحزبية تفرق النفوس المتآلفة. في المسجد يقول الداعية: تعالوا إلي الله.. فإذا انتقل إلي العمل السياسي الحزبي يقول: "انتخبوني.. انتخبوني". في المسجد يقول الداعية: "ربي.. ربي".. فإذا انتقل إلي السياسة يقول: "نفسي.. نفسي.. انتخبوني.. أنا الأفضل.. أنا الأقوي.. أنا الأحكم.. لن أتنازل لغيري". انتقال البعض من الدعوة والمسجد إلي السياسة دون تربية حقيقية تدريجية وتأهيل سياسي يفرق بين المقدس والبشري.. والمعصوم وغير المعصوم.. ومنبر رسول الله صلي الله عليه وسلم.. ومقاعد الأحزاب السياسية قد يدمر الدعوة والدولة.. والداعية والسياسي.. وقد قال "صلي الله عليه وسلم" "آخر ما يخرج من نفوس الصديقين حب الجاه".. أي السلطة. المسجد يسترالعيوب.. ولكن السياسة الحزبية فاضحة تفضح من لا عيب فيه.. فليتحصن الدعاة بدعوتهم ويستتروا بردائها الأبيض الناصع الواسع. الداعية الذي يكشر ولا يبتسم ولا يبشر ويتشاءم ولا يتفاءل ويسب ويشتم ولا يسوق دعوته للناس في ثوب من الأدب الراقي والخلق النبيل عليه أن يبحث عن زعيم آخر غير النبي "صلي الله عليه وسلم". انتقلت الحركة الإسلامية من ابتلاءات الدعوة إلي ابتلاءات السلطة.. والأخيرة أصعب وأشق.. وهي التي أشار إلي مثلها سيدنا سليمان في قوله تعالي "هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر".. وشكر السلطة هو التواضع للناس والإحسان والعدل السياسي والاجتماعي.. والكفر هنا هو استطالة الحاكم علي رعيته وظلمه لهم وغياب العدل السياسي والاجتماعي والاغترار بالسلطة. نجحت التجربة السياسية والإدارية والتنموية لحزب أردوغان التركي في تركيا لأنها اعتمدت علي ثقافة التحالف علي أساس مشروع وطني وتقديم وحدة الوطن علي المفاصلة الأيدلوجية.. فقد اعتبر الحزب أن تركيا تعيش مرحلة إنقاذ وطني وليس مرحلة مفاصلة أيدلوجية.. مما جعل كل فصائل العمل السياسي التركي تؤمن بالدولة ولا تصطدم بها حتي لو قصرت معهم.. ومن يريد استيراد التجربة التركية فعليه أن يستورد الشعب التركي معها.. لأننا جميعاً لا نقدم الوطن علي أحزابنا وأفكارنا. الثورة المصرية الآن بكل فصائلها الإسلامية والليبرالية والاشتراكية والقومية ليس لها رؤية مستقبلية محددة في السياسة والاقتصاد والاستراتيجية والعلاقات الدولية والأمن القومي.. والذي نحسنه الآن ونجيده هو شتم الماضي وذكر سلبياته.. وهذا لا يكفي لبناء مستقبل.. فهدم الماضي فقط لا يعني صناعة مستقبل جيد.. وعلي كل هذه القوي أن تترك الصراع السياسي المدمر بينهما وتتفرغ لعقد حوار وطني حقيقي حول مستقبل مصر السياسي والاقتصادي والإداري والاستراتيجي والأمن القومي ونحوه. كلنا يترك ما يمكن التوافق عليه ونتوقف عندما اختلفنا عليه.. ونترك الممكن والمتاح ونبحث عن اللاممكن والمستحيل.. ولذا لا نصل إلي نتيجة في أغلب الأحيان معظم الوقت. حصار المؤسسات السيادية هي أسوأ بدعة ابتدعتها ثورة 25 يناير.. بدءا من حصار الداخلية والدفاع والدستورية والقصر الجمهوري بالاتحادية ومدينة الإنتاج الإعلامي.. وحصار كل من هذه المؤسسات معناه انهيار الدولة المصرية التي تحمي جميع الفرقاء السياسيين.. فضلاً عن المواطن الغلبان الذي أصبح يكره جميع الساسة علي اختلاف توجهاتهم. إذا كان حصار المؤسسات السيادية يهدم فكرة الدولة.. فإن حصار المساجد والاعتداء عليها هو الفتنة الكبري التي يمكن أن تحرق الوطن كله. بعض الإسلاميين اليوم يصنعون الأعداء ويطفشون الأصدقاء.. غافلين عن أعظم آلية وضعها القرآن العظيم لكسب الأصدقاء قبل "ديل كارينجي" بقرون طويلة وذلك في قوله تعالي "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".. فأين نحن من هذه الآلية التي تحول العدو إلي "ولي وصديق".. وكذلك "حميم"؟!!