في مساء الجمعة الثالثة من شهر نوفمبر 1994 كان الرئيس السابق حسني مبارك يجلس في شرفة قصر الإتحادية عندما دخل عليه الدكتور زكريا عزمي رئيس الديوان السابق قائلا له : سيادة الرئيس هناك تقرير من وزارة الداخلية يقول إن الدكتور يوسف القرضاوي دعا في صلاة الجمعة إلي إعادة تكوين دولة الخلافة وقد أيده في ذلك الكثير من المصلين الذين احتشدوا في مسجده ولم يكمل رئيس الديوان حديثه حيث تغير وجه الرئيس السابق وكان ذلك إيذانا بالتضييق علي القرضاوي ومنعه من الخطابة في أي من المساجد الكبري لدرجة أن الرجل أصبح شبه مطارد قبل أن يأتيه - القرضاوي - اتصال هاتفي من أحد مريديه من علية القوم بأن نظام مبارك ينوي اعتقاله من جديد بتهمة الإنتماء لتنظيم محظور وكان ذلك الإتصال مؤشر قوي للقرضاوي بأن نظام مبارك كشر عن انيابه وهكذا قرر إغلاق شقته الكائنة في ناحية مدينة نصر وقرر العودة من جديد إلي قطر التي كان قد عمل فيها فترة طويلة منذ نهاية السبعينيات وحتي مطلع التسعينيات وبالفعل توجه القرضاوي إلي الدوحة واستقر هناك حيث نال معاملة كريمة ومتميزة من النظام القطري الذي أسبغ عليه رعايته وكثيرا ما وصلت للقرضاوي معلومات بأن مبارك يضغط علي أمير قطر من أجل أن يطرده الاخير من الأراضي القطرية. كان القرضاوي يشده الحنين دوما لمصر ومع ظهور قناة الجزيرة الإخبارية بدأ نجم القرضاوي يعود من جديد كواحد من علماء العصر وهو ما أثار ذعر مبارك من جديد ولكنه عجز عن الإستمرار في ملاحقة الرجل حتي جاءت الضربة القاصمة مع الفتوي التي أهدر فيها القرضاوي دم مبارك نفسه بسبب تصديره الغاز إلي اسرائيل حيث قال القرضاوي إن الفتوي تشمل كل من يشارك في مشروع الغاز من المصريين وغيرهم من العرب.وتشمل كل من يساعد المحتل الإسرائيلي حلال الدم وإن كان مدنيا حيث سيستخدم الغاز المصري لدعم الاقتصاد الإسرائيلي وتوفير الكهرباء للمصانع والقواعد العسكرية الإسرائيلية والتي تخوض حربا مع فصائل فلسطينية ولبنانية نتج عنها مقتل المئات من العرب والمسلمين وهكذا صدرت تعليمات واضحة وصريحة من مكتب مبارك شخصيا بمنع القرضاوي من دخول مصر ليظل الرجل طيلة الأعوام الثلاثة التي سبقت الثورة المصرية منفيا من مصر ناهيك عن الشائعات التي اطلقها نظام مبارك ضده بداية من تشيع ابنه ووصولا إلي تفاصيل زواجه وطلاقه من زوجته الجزائرية التي قيل أنها تشيعت هي الأخري وكان الهدف من تلك الشائعات القضاء معنويا علي العالم الكبير وكلما تزايدت فتاوي القرضاوي ضد نظام مبارك كلما زادت حجم الشائعات التي أطلقها جهاز الأمن المباركي وكان شائعت تشيع زوجته قد واكبت النصيحة التي وجهها القرضاوي لجمال مبارك بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية وترك مصر للمصريين وكفي عليها ثلاثون عاما من الفساد. وقد لا يعلم الكثيرون أن القرضاوي منع تماما من الخطابة في مصر وحتي إجازاته القصيرة التي كان يقضيها في منزله بمدينة نصر كان يجبر خلالها علي عدم أداء صلاة الجمعة في المساجد الكبيرة حتي لا يتعرف عليه أحد ناهيك عن الوصية التي كانت تصله مع أول يوم له في القاهرة بألا يفكر في الخطابة وإلا فالسجن ينتظره ولأن الرجل وصل إلي مرحلة سنية متقدمة لا يتحمل فيها إهانة نظام أحمق كنظام مبارك فإنه كان يستجيب علي مضض لتلك النصائح وإن كان يدعو في نفسه أن يتغير الحال فقد أوحشته منابر مصر المحروسة كما يحب أن يطلق عليها كما وحشه منبر الازهر الشريف وكان القرضاوي حريصا علي بقاء خطوط الاتصال بينه وبين علماء الأزهر مفتوحة علي الدوام حيث كان يطلق عليهم وصف الذخيرة الحية للأمة الإسلامية. وطوال هذه السنوات لم ينقطع الشوق بين القرضاوي ومنبر الازهر وبعد وفاة الدكتور سيد طنطاوي ووصول الدكتور أحمد الطيب لمقعد الإمام الأكبر أحس القرضاوي أن الأمور ستتغير في الأزهر خاصة مع ظهور بوادر الخروج علي نظام مبارك إلي أن فعل الشباب فعلتهم ونجحوا في إسقاط مبارك وكل أركان حكمه وبسقوط مبارك يعود القرضاوي إلي القاهرة ويتم استقباله استقبال الأبطال ويخطب في ميدان التحرير ملقيا لأول مرة في حياته أبياتا من الشعر تمجد الشباب المصري وعندما ينزل القرضاوي من منصة التحرير يطالبه البعض بأن يظل في القاهرة ليخطب الجمعة التالية في الجامع الأزهر لتدمع عين الرجل بشدة وقد ازداد شوقه لمنبر الأزهر لدرجة أن فتحي أبو الورد أحد مساعديه يقسم أنه لم ير للقرضاوي دموعا مثلما رأها خلال ثورة يناير وعقب أمنيته بأن يقوم بالخطابة في الازهر الشريف. ويضيف أبو الورد أن القرضاوي ذهب بعد الثورة إلي مشيخة الأزهر حيث التقي بالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وهو يتخيل أن الطيب سيدعوه للخطابة في الأزهر خاصة وأن الطيب كان قد أعطي تعليماته بأن يصعد منبر الازهر كبار علماء الأمة ولما لم تتم الدعوة انصرف القرضاوي ليكون ذلك بداية احتقان كبير بينه وبين الطيب لتأتي تصريحاته حول ضعف الأزهر لتزيد حجم الفجوة بينهما لدرجة أن شيخ الأزهر يوعز لأحد مستشاريه أن يرسل برد إلي الجريدة التي نشرت تصريحات القرضاوي ويرسل المستشار برد مليء بالجمل التي تذكر القرضاوي بما فعله الأزهر من اجله وأن الأزهر وشيخه صاحب فضل عليه وكان الخطاب أقرب ما يكون إلي محاولة القول للقرضاوي أنت رجل لا تحفظ الجميل وهنا تخيل الجميع أن الخلاف بين الطيب والقرضاوي وصل إلي مرحلة اللاعودة حتي أن الكثيرين استبعدوا وجود القرضاوي في قائمة أعضاء هيئة كبار العلماء ولكن المفاجأة أن القرضاوي تم اختياره عضوا بالهيئة ولكن لم تتم دعوته للمشاركة في اجتماعها التأسيسي الأول وهو ما رسخ بأن النفوس مازالت محتقنة. وفي اتصال هاتفي تم بين الرئيس محمد مرسي والقرضاوي للتهنئة بعيد الأضحي - يقول أبو الورد سأل الرئيس مرسي الدكتور يوسف القرضاوي : لماذا لا تخطب في مصر يا مولانا فأجابه القرضاوي انتم لم تدعونني وعلي الفور خرجت تكليفات من الرئاسة إلي وزارة الاوقاف بدعوة القرضاوي للخطابة في الجامع الازهر وهكذا بدأت الترتيبات وكانت المصادفة أن الموعد الذي تم تحديده تواكب مع أحداث غزة والحقيقة أن هناك من حاول تأليب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب علي قيام الأوقاف بدعوة القرضاوي للخطابة في الأزهر دون الحصول علي إذن الأزهر ولكن الرجل - الطيب - أغلق الباب في وجه الواشين ومنعهم من الإستطراد قائلا أنه لولا أنه مرتبط بصلاة الجمعة في القرنة بالأقصر لكان قد صلي في الأزهر خلف القرضاوي. لكن علي الجانب الأخر كانت هناك معارضات لدعوة القرضاوي للخطابة في الأزهر انتقد نقيب الأئمة والدعاة الشيخ محمد محمد البسطويسي. الدعوة التي وجهها وزير الأوقاف إلي الشيخ يوسف القرضاوي. لإلقاء خطبة الجمعة. و أكد البسطويسي أن نقابة الأئمة أعلنت رفضها لخطبة القرضاوي قائلا: ¢الأسباب كثيرة وأهمهما حتي لا يزداد النفوذ القطري داخل مصر عبر الشيخ القرضاوي. وأن الشيخ القرضاوي إخواني وإعطائه الخطبة معناها التشجيع علي الانتماءات السياسية بين الدعاة¢. من جانبه قال فتحي أبو الورد إن وزارة الأوقاف أرادت أن تكرم الشيخ القرضاوي في صورة دعوته لإلقاء الخطبة القادمة بالجامع الأزهر. لافتا إلي أنهم يعملون تحت مظلة الأزهر الشريف ويكملون دوره. وقال ابو الورد إن دعوة القرضاوي جاءت علي اعتبار أنه عاني في دعوته للإسلام أيام النظام السابق. كاشفا أن وزارة الأوقاف عرضت علي الشيخ القرضاوي إلقاء خطبة له أول كل شهر لكنه اعتذر لظروفه المرضية.