الدكتور محمد بن يوسف الثقفي رئيس قسم التاريخ ومدير وحدة الحوار بجامعة أم القري بالمملكة العربية السعودية واحد من العلماء القلائل الذين اهتموا بمواجهة خطايا المستشرقين في حق الاسلام وفضح مخططاتهم لدس السم في العسل الغرب كانوا يطلقون عليه العبارات المطاطة التي تخيل المسلمون انها تمدح الاسلام ولكن الحقيقة ان المستشرقين كانوا ومازالوا يدسون السم في العسل فهم يمدحون في العناوين ولكن المضمون كله أفكار تشوه الشريعة الاسلامية ورموزها الدينية ويحذر الثقفي من صمت العرب حيال ألاعيب المستشرقين مؤكدا وجود حاجة ماسة لدراسة وتمحيص كل ما تخرجه العقلية الاستشراقية وتفنيد ما يجيء علي ألسنة المستشرقين أولا بأول حماية للاسلام وللعقل الاسلامي من التشتت والتغريب.. عقيدتي التقت الثقفي خلال زيارته الأخيرة للقاهرة وأجرت معه الحوار التالي: الواقع العربي ** كيف تري الخوف من صعود الاسلاميين في عدد من الدول العربية خاصة بعد ثورات الربيع العربي؟ * أعتقد ان التيارات الاسلامية فيها خير كثير وتسعي لمصلحة البلاد والعباد فلا يمكن تجريدها من الايجابية والاسلاميون يستطيعون تبني مشروع متكامل للنهضة نابع من الشريعة الاسلامية لأن الاسلام دين متكامل لا يحتاج لقوانين وضعية أو لاستيراد قوانين من الغرب فمن يحكم بالاسلام سيكون هو الأفضل مهما كان لكن التأثير السلبي لبعض تلك التيارات وتشنج البعض وتطرفهم هو المشكلة الحقيقية التي تواجه تلك التيارات ولابد ان يعلم هؤلاء اننا أمة وسط لذلك لا يجب ان نذهب إلي الغلو في التصرفات ولابد ان نتصرف بحكمة وبهدوء خاصة ونحن نواجه العالم فالعالم ينظر إلي المسلمين الآن كقدوة وليس كمتطرفين وكإرهابيين ويجب أن نتصرف تصرفات القادة الدينيين اليوم حتي نكون بالفعل قدوة للجميع وفي كل آيات القرآن حرص الشارع الحكيم علي التأكيد علي وسطية الاسلام فعلي كل مسلم ان يكون وسطاً في تعاملاته ولكن للأسف هناك قلة فشلوا في فهم وسطية الاسلام وهؤلاء يسيئون للاسلام يأخذ من هؤلاء ذريعة لمهاجمة المسلمين وتشويه الاسلام. رؤية مسبقة ** لك رؤية مسبقة في مسألة المستشرقين ودورهم في تشويه صورة الاسلام يهمنا التعرف عليها؟ * رؤيتي باختصار ان المسلمين انخدعوا في كثير من المستشرقين الذين دسوا لهم السم في العسل بحيث تظهر كتاباتهم وكأنها تمدح الاسلام وتقدمه بصورته الحقيقية كدين وسطي يحث علي السلام ولكن الحقيقة ان المستشرقين في معظمهم إن لم يكن كلهم يقدمون رؤي مغلوطة عن الاسلام فلو أخذنا مثلا كتاب قصة الاسلام للمستشرق الانجليزي بوسورث سميث فرح به المسلمون كثيرا ورحبوا به ومازالوا ينظرون له علي انه من أعظم ما كتب المستشرقون عن الاسلام والحق ان القارئ عندما يطالع هذا الكتاب يظن انه يمدح في الاسلام ويمجد فيه ولكنه في الحقيقة يقوض الدين الاسلامي أكثر من كونه شهادة محايدة في الاسلام لأن الكاتب يتحدث عن دراسة مقارنة ويحث المسلمين علي القيام بدراسات مقارنة مع الأديان الأخري فكيف يقارن الاسلام بأديان دخلها الكثير من التحريفات كذلك كارل بروكلمان الذي ظن المسلمون انه يمدح الاسلام وعندما يتحدث عن نبوة محمد يردد أكاذيب وأباطيل. ** ولكن هناك من يقول انه لولا الحركة الاستشراقية ما عرف الغرب المسلمين؟ * للأسف هناك من يروج لذلك وهو لا يعلم الحقيقة فهم مثلا يروجون ان حملة نابليون بونابرت جاء إلي الشرق كي يقرب المسلمين من الحضارة الغربية وهذا غير صحيح بالمرة فالحقيقة ان الحملة الفرنسية جاءت إلي مصر لتأسيس الحركة الاستشراقية والمدارس المسيحية ولهذا تجد اليوم في كل أنحاء العالم مراكز لكتابة المؤلفات العربية التي تكتب بأيديهم ودون تدخل منا وبالطبع تروج لوجهة النظر الغربية وفي كثير من الأحيان تروج لفكرة ان الاسلام مجموعة من القيم وليس دينا بالمعني المعروف عن الأديان السماوية ولابد أن نعي جيدا ان الحركة الاستشراقية تحاول التقليل من شأن الثقافة الاسلامية ودورها في نشر العلوم والمعارف وفي نقل أوروبا من العصور الوسطي عصور الجهل والظلام إلي مشارف العصر الحديث وما ظهر فيه من علوم ومعارف يفخر بها العالم الغربي. ويواصل الاستشراق بذل جهوده في محاربة الاسلام والتشويش علي دعوته لأن المستشرقين لم يستطيعوا التخلص من نزعاتهم الموروثة وأهوائهم المعادية للاسلام. الإسلاموفوبيا ** هل هذا يفسر النظرة الغربية الخاطئة للاسلام والتي تجسدت مظاهرها في انتشار ظاهرة ما يعرف ب "الاسلاموفوبيا"؟ * لاشك ان التصور الذهني الخاطئ لدي الغرب عن الاسلام يرجع بالأساس إلي سببين مهمين: الأول بسبب ما فعلته الحركة الاستشراقية والثاني من جانب المسلمين. أما عن السبب الأول فنجد ان النظرة التاريخية الموجودة في ثنايا الكتب والمؤلفات في التراث الغربي جاءت من خلال الموروث الاستشراق والتصور التاريخي المغلوط عن الاسلام في المناهج الدراسية والتي كرست للصورة الذهنية الخاطئة عن الاسلام في الغرب. والسبب الثاني يتمثل في تقصير المسلمين الذين يعيشون في حالة غيبوبة. فلم يهتم العالم الاسلامي بالجاليات الاسلامية إلا في الآونة الأخيرة. ** هل يعني كلامك هذا انك لا تؤمن بفكرة الحوار بين الأديان؟ * أنا أدعو إلي الحوار ولكن ليس الحوار بين الأديان وانما الحوار بين أتباع الأديان السماوية لإيجاد مساحة تفاهم تتيح للجميع العيش في سلام ووئام وأنا أدعو دوما إلي مثل هذا الحوار وأقول انه حوار مطلوب شريطة أن نحسن في العالم الاسلامي اختيار من يمثلنا في تلك الحوارات لا أن يقوم بالحوار شخص فاقد للمعلومة ضعيف الحجة لأننا بذلك نساهم في تشويه الاسلام ففاقد الشيء لا يعطيه ولابد أيضا أن يكون الحوار بين المتخصصين عملا بالآية الكريمة "وجادلهم بالتي هي أحسن" فالجدال يجب أن يقوم به المتخصصون فالمشكلة ان كل الدول العربية يأتون بأشباه العلماء ويرسلونهم لمؤتمراتهم الحوار دون أن يكونوا مؤهلين لإجراء المناظرات والحوارات وتتدخل الواسطة والمحسوبية بقوة في هذا المجال للأسف الشديد بل ان المشاركين في مؤتمرات حوارات الأديان يكونون في كثير من الأحيان جاهلين بلغة البلد الذي يستضيف المؤتمر ومن هنا فإن المردود من هذا المؤتمر يكون سلبياً للغاية ويضر بسمعة الاسلام والمسلمين أما لو كان المشارك في الحوار متخصصاً ويتقن اللغات الغربية فسيتحاور وهو يدرك ابعاد الحوار وإلي أين يسير وسيكون عنصراً فعالاً في الجدال مع الآخر وستكون كفة المسلمين هي العليا. وهم اضطهاد الأقليات ** يتهمنا الغرب دوما باضطهاد الأقليات التي تعيش في العالم الاسلامي.. كيف نواجه مثل هذا الاتهام؟ * الحقيقة أن الأقليات موجودة في كل مكان في العالم لكن كلما كانت الدولة التي فيها أقليات تتعامل معاملة انصاف وعدل واعطاء كل ذي حق حقه فسوف لا يكون لهم تأثير مهما كان عدد الأقلية لأنهم سيقتنعون حينذاك بما يحدث من تصرفات ايجابية تجاههم ولكن علي الجانب الآخر هناك مشكلة لابد أن يلتفت لها العالم العربي وخاصة المجتمعات الخليجية وهي مشكلة الأقليات الوافدة لأن الأقلية الوافدة تستمر في الهجرة إلي الداخل ومع الزمن قد تكون لها سلبيات كبيرة جدا وأبرز مثال علي ذلك اليهود عندما أتوا كانوا أقلية جدا مع بداية القرن العشرين وكانوا لا يتجاوزون الآلاف واستخدموا عدة طرق أولها التهجير للسكان الأصليين والهجرة الوافدة من جميع أنحاء العالم واستخدموا الأموال التي كانت تدفعها لهم الكنائس الغربية والشرقية في نفس الوقت واستطاعوا أن يصبحوا علي مركز الزمن أكثرية وليسوا الأقلية وتصبح القوانين في صالحهم حتي يصبحوا هم الأصل في البلد والسكان الأصليون هم الفرع وهذا ما يحدث بكل أسف في فلسطين اليوم فالهجرات الفلسطينية إلي الخارج في تزايد مستمر والقتل والسجون للفلسطينيين أدي إلي تقليص عددهم وهو ما أضعف النمو السكاني الفلسطيني يقابله زيادة في النمو السكاني اليهودي. ** هل ينسحب كلامك هذا علي العمالة غير الاسلامية؟ * العمالة غير الاسلامية في البلاد العربية وخصوصا الخليجية يجب ان يكون هناك دراسة موسعة عنها تحدد جدواها من عدم جدواها وهل من الممكن الاستغناء عنها علي أن تحل محلها عمالة مسلمة فالملاحظ ان عدد من الدول الخليجية وعلي رأسها دبي علي سبيل المثال تفاجأ في الصيف بأنها تخلو من المواطنين الأصليين وعندما تسير في شوارع دبي تجد نفسك كأنك تسير في مجتمع هندي أو مجتمع من الشرق الأصلي وليس مجتمعاً عربياً خليجياً فلا يوجد سكان أصليون وتلك الجاليات من الممكن بمرور الزمن أن يطالبوا بحقوق ويطالبوا بأماكن عبادة وأماكن خاصة لهم ويطالبوا بنوع من ممارسة العبادة والعادات والتقاليد الخاصة وهذا يعني ان وجود تلك العمالة يشكل خطرا علي الهوية العربية لبلادنا ولهذا كما قلت لابد أن ينظر لها نظرة حساب ودراسة سلبياتها وايجابياتها قبل أن تستفحل وتصبح خطرا علي السكان الأصليين.