تحول اللون الاخضر النابض بالحياه الي اللون الاحمر الدامي, لون الدم. وقد أُريق الدم الطاهر الزكي لشباب في عمر الزهور وكأني بهم يستصرخون ضمائرنا قائلين: ¢بأي ذنب قتلت¢؟! ملعب ينبض بالحياة. كرة تتناقل بين اقدام اللاعبين وصيحات لجموع المشجعين انقلب الفرح الي مأتم كبير وعاش المصريون يُعزّون بعضهم البعض. هذا فقد اخاه وذاك فقد صديقه وهذه ام تبكي وجه شاب برئ لا تعرفه ولكنه يحمل لقب ¢مصري شهيد¢. الساحرة المستديرة او كرة القدم تحتل مساحة شاسعة في حياة شبابنا وتشغل حيزًا كبيرًا من دائرة اهتماماتهم اما اليوم فهي كرة نار او كرة موت لانها قتلت اكثر من75 شهيدا واكثر من الف جريح ممن شاهدوا مباراة كرة النار بين فريقي الاهلي والمصري ببورسعيد بعد نزول الجماهير الي ارض الملعب واحدثت فوضي عارمة خرجت تماما عن سيطرة الامن. هل هذا لون من ألوان الرياضة التي هي في الاصل فن وذوق واخلاق كما تعلمناپ أم ما نراه الآن خبثا وحقدا وشقاقا؟! فعندما تحيد الرياضة عن الهدف المرسوم لها تصبح عبئا ً علي أصحابها. فالرياضة تجمع ولا تفرق ومتنفس لكل صغير وكبير ومتعة ى ما بعدها متعة, هذا هو الاساس للرياضة واليوم انقلبت الآيةپ فالكرة تحولّت الي نيران مستعرة لا يوقفها شيء أتت علي الأخضر واليابس أخذت معها كل ما هو جميل, وشباب في عمر الزهور وما الذي يبقينا سعداءغير التنافس الشريف إن فقدته الرياضة؟! ظاهرة شغب الملاعب وجدت مع كرة القدم واصبحت پظاهرة فكانت بدايتها محصورة بالإعتداء علي الحكام واللاعبين ثم انتقلت إلي صراع علي المدرجات بين مشجعي الفريقين المتباريين. وكانت آخر مراحل تطورها في فترة التسعينيات من القرن الماضي حيث انتقلت إلي الشوارع لتصبح ظاهرة مدمرة للمدن المستضيفة. ¢عقيدتي¢ ناقشت قضية شغب الملاعب المصرية منذ فترة وتناولت ثقافة التشجيع تحت عنوان ¢شبابنا بعد المباريات تشجيع أم انحراف؟¢ والشغب في الملاعب المصرية التي تشهدها مصر حاليا لم تكن وليدة ما يحدث في مصرالآن ولكنها ظاهرة قديمة. لا قواعد للتشجيع أرجع البعض اعمال الشغب الي ظهور روابط المشجعين "الألتراس" التي برزت علي السطح في الآونة الاخيرة فهو عبارة عن المجموعات التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها ونشأت الفكرة أصلا في المجر عام 1929 ومن ثم انتقلت العدوي إلي أمريكا الجنوبية وتوالي ظهور الألتراس في قارة أوروبا وكان أول ظهور للألتراس في الدول العربية في تونس ومنها انتشرت الظاهرة في المغرب ثم وصلت إلي مصر عام 2007وهي تنتقل الآن إلي البلدان العربية في الخليج العربي وآسيا, هذه الظاهرة أخذت تدخل من ملاعب الرياضة إلي منابر السياسية وكواليسها وعقيدتها الولاء للنادي ومعها يكون الانتماء المفرط للنادي خاسرا كان أو فائزا, أولوية لا مفرّ منها سهلت من ناحية أخري تسرب أفكار أخري متعصبة اليها ولم تكن بعيدة عن الرياضة المصرية والي الآن لا توجد قواعد أو قوانين منظمة للألتراس وهكذا تظل متحررة من أي قيود قانونيةعلي الأقل, وقد منع الاتحاد الدولي لكرة القدم استخدام أي شعارات سياسية أو دينية داخل الملاعب ومع ذلك فأعضاء الألتراس يرفعون شعارات سياسية وقد شاركت في الأحداث التي تشهدها مصر الآن منذ بداية الثورة واحتلوا الصفوف الأمامية في مواجهة قوات الشرطة والأمن المركزي واتهم البعض الألتراس بأنهم يعملون وفق أجندة لقوي سياسيةپ او لمساندة احد مرشحي الرئاسة وهم يرفضون هذا الاتهام ويؤكدون علي عدم انحيازها لأي قوي أو تيارات سياسية. رصد دراسي رصدت إحدي الدراسات هذه السلوكيات وذلك عبر استبيان اشترك فيه 232 شاباً وفتاة من مختلف الطبقات والاعمار, ورصدت الدراسة بعض السلوكيات الشنيعة التي يسلكها الشباب ومقدمة لتحويل السلوك الشنيع الي ظاهرة منها التشجيع والتعظيم للاندية او اللاعبين وتقديم محبتهم علي اشياء اخري اهم واولي وتعليق شعارات الاندية وصور اللاعبين في غرف وسيارات الشباب ويقلد الشاب اللاعب في ملبسه وتقليعاته ومشيته وحركاته وسكناته ولو تعرض احد لناديه المحبوب ولنجمه المفضل ثارت ثائرته بالسب والشتم وعند تعارض وقت المباراة مع وقت فريضة يستمر في مشاهدة المباراة علي حساب الفريضة ويؤخرها عن وقتها الذي شرعه الله عز وجل بدون اي عذر شرعي وانما من اجل كرة القدم عندما تكون المباراة جماهيرية ويكون الحضور للملعب قبل المباراة بساعات وحينها تفوت صلاة او صلاتين علي كثير من الجمهور الحاضر وسماع العبارات السيئة والكلمات النابية والمفردات الفاحشة سواء في المدرجات او في المنتديات وقد يصل بعضها الي لعن الدين!! كل ذلك ينافي أخلاق المسلم وتفريط الزوج في حقوق ابنائه وزوجته وعند الخسارة يتحول البيت الي جحيم بلا اي ذنب وقد يصل الامر للطلاق وتفريط الموظف في انهاء معاملات الناس فعند الفوز يتصفح في جريدته وعند الهزيمة يظهر خلقه السيئ مع الناس ويتعمد تعطيل معاملاتهم وعند الفوز يقوم البعض بإقفال الشوارع وعمل مسيرات يتم فيها تعطيل الناس عن مصالحهم وإزعاجهم بأصوات المنبهات فمنهم النائم ومنهم المريض والكبير وعند الهزيمة يتم العبث بالممتلكات العامة وكذلك تكسير سيارات المواطنين بل والاعتداء علي المرور واحداث الفوضي وتخريب وعندما يكون التشجيع علي حساب العدل والانصاف والحيادية وهذا يتحمله المشجع والاعلامي والمسئول وهكذا تنتهك حرمات الناس ويعتدي علي حقوقهم وكل ما سبق وغيره كثير يتم فيه التضحية بالاخلاق وخدش الذوق العام وذلك من اجل كرة القدم؟ وعن اسباب هذا العنف الذي تشهده الملاعب الرياضية وحوّلت المستطيل الاخضر الي ساحة للحرب والقتال وتحول لونه الي الاحمربدم الشهداء!! طاقات الشباب يقول المهندس خالد عبد العزيز- رئيس المجلس القومي للشباب-: كانت الابواب مغلقة امام الشباب في العصر السابق ولايجد شيئاً يفرغ فيه طاقاته ولم يجد امامه الا الرياضة ليفرغ فيها هذه الطاقة رغم انه يعلم ان الرياضة وسيلة للترفيه والمنافسة الشريفة إلا أنه لم يجد أمامه إلا هي ليفرغ فيها طاقتهپ لهذا طفت علي السطح ظاهرة العنف في الملاعب والشغب والذي انقلب اخيرا الي الموت علي البساط الاخضر. فظاهرة العنف لابد من دراسة طرق العلاج بمشاركة جميع الجهات والمؤسسات التي تتعامل مع الشباب وتفتح الابواب امامهم ليفرغوا طاقاتهم كما يرغبون ويستطرد م. خالد قائلاً: اننا في المجلس القومي للشباب نحاول ان نفتح امام الشباب جميع الابواب ليمارس فيها طاقاته داخل مركز الشباب فيجد هناك الرياضة ليمارسها بتنافس شريف وليس بعصبية ولا شغب وهناك العمل التطوعي والاجتماعي يشارك فيه بفكره وعمله ودراسته وممارسة السياسة فنفتح له الباب ليعرفها ويناقش فيها ولن نفرض عليه رأياً معينا او حزبا معينا وله ان يختار ما يريده, والانتماء نغرس فيه حب الوطن والانتماء اليه وعمل المفيد من اجل وبذل كل ما هو غالي وثمين من اجله وهناك الجامعات والمدارس معا ليجد كل ما يريد ليفرغ طاقاته بعيدا عن العنف. إفراز إجتماعي ويؤكد الدكتور سيد صبحي- استاذ علم النفس بجامعة عين شمس- ان هذه الظاهرة ليست سوي إفراز لمشاكل اجتماعية وثقافية يعاني منها الشباب بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة في السنوات الأخيرة و تمثلت في ضعف المؤسسات الاجتماعية الأولية.. الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة ومركز الشباب والاعلام.. وتقاعست عن القيام بدورها في تنشئة الأجيال علي أسس سليمة وقيام الاعلام بتحول التشجيع الرياضي للأندية إلي انتماء يغلب عليه التعصب وتحول المناسبات الرياضية إلي معارك فيها فائز ومهزوم مما يؤدي إلي تلك السلوكيات التي فيها تعبير إما بالفرح عند الفوز أو بالحزن عند الهزيمة عند الشباب وتتحول إلي عوامل تدمير ما لم يقم المجتمع بدوره في الضبط والمراقبة وتطبيق العقوبة عند الحاجة إليها والردع من قبل السلطات الأمنية والأخذ علي أيدي هؤلاء السفهاء والتصدي لها وإلا فإن هؤلاء سيتمادون الي ان وصلنا الي هذه المذبحة التي ألبست جميع البيوت المصرية الرداء الاسود حدادا علي هؤلاء الشهداء, وتكثيف التوعية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام وتقديم برامج توعية موجهة للشباب ونشر الوعي بينهم وتفعيل الدور الأسري للحد من هذه الظاهرة والتعاون مع الهيئات الدينية لإرشاد الشباب في المساجد والمناسبات الدينية إضافة إلي البحث عن سبل لامتصاص حماس الشباب بإنشاء الأماكن الترفيهية الشبابية وتقديم رسائل غير مباشرة تخاطب الشباب وتحثهم علي السلوكيات الحسنة وتبين لهم أخطار التجاوزات علي أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم والحزم في التعامل مع المتجاوزين لأن الردع له تأثير ملموس في حالة فشل التربية والتوعية. خالي من العنف ويدعو د. صبحي لمبادرة ¢نحو تشجيع رياضي خالي من العنف¢ ونشر مفهوم اللاعنف في المجتمع وتنمية قدرات الشباب وصقل شخصياتهم وجعلهم ينخرطون في العمل المجتمعي من خلال تلمس مشكلاته والوقوف علي أهم القضايا والظواهر التي تسبب النزاع المجتمعي وتستهدف المبادرة روابط المشجعين واللاعبين والهيئات الادارية في عدد من الأندية الرياضية وورش إرشادية توعوية تعمل علي نشر ثقافة التسامح والتشجيع بشكل خال من العنف خلال المباريات التي تقام وانتاج افلام قصيرة وحلقات اذاعية حوارية للتواصل مع الجمهور وعقد لقاءات مع الفرق الرياضية لصياغة ميثاق شرف وتوزيع وسائل التشجيع علي الروابط ويشارك في هذه المبادرة وزارة الداخلية والاندية واتحادات الالعاب الرياضية ووزارة الشباب وممثلو الروابط الرياضية والجامعات والمدارس.