من منا لا يشتاق لرؤياه -صلي الله عليه وسلم- ومن منا لا يملك بين جنباته أمنيات صادقة بأن تكتحل عيناه برؤيته أو ترقب آثاره ومن منا لا يتوق شوقاً لأن تصادف قدماه حين يزور الأراضي المقدسة أرضا وطأتها أطهر وأشرف قدم خلقت قدم النبي محمد -صلي الله عليه وسلم- ومن منا حين سمع بوجود غرفة للآثار النبوية الشريفة في مسجد الإمام الحسين -رضي الله عنه- لم تمتلك نفسه أملاً في أن تكتحل عيناه برؤية أو تحس ولمس أشياء قيل إنها من أثره -صلي الله عليه وسلم- وإن ضعف البعض من صدق كونها من آثاره -صلي الله عليه وسلم؟ لما كنت كبقية ما خلق الله من بشر من الله عليهم بنعمة الإسلام -وكفي بها نعمة- كنت تواقا لزيارة وتلمس آثاره -صلي الله عليه وسلم في مسجد الإمام الحسين -رضي الله عنه- ورغم أني سبق وزرت الغرفة في مرة سابقة برفقة وفد رسمي لكنني لم استمتع صراحة بخصوصية الزيارة وقدسية المكان وما فيه من آثار تحمل احتمالية ان تكون فعلاً للنبي صلي الله عليه وسلم. ولما مكنت قدرا من هذه الزيارة أحدثكم وبصدق أني شعرت كما لم أشعر من قبل براحة نفسية غير طبيعية بل وصليت داخل الغرفة صلاتي الظهر والعصر يوم الخميس الماضي وتلمست بيدي "العضب" سيف النبي -صلي الله عليه وسلم- ومصحفا قيل انه كتب بيد الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- وكنت بصحبة رفقاء ثلاثة هم خازن الغرفة حسين عبدالغفار -مدير مكتب وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة- وزميلي المصور ياسر قناوي وصديقي محمد كمال الذي صادف وجوده معي وقت تكليفي بالمهمة والذي أصر علي رفقتنا. قبل ان نقف معكم عند كل أثر من هذه الآثار أطرح معكم ما الذي يمنع ان تفتح هذه الغرفة للزيارة للجمهور وان تعد لذلك وتدخل في إطار السياحة الدينية التي من المفترض أنها ستكون محل اهتمام الحكومات القادمة. أبدأ معكم رحلتنا بين أشرف الآثار لأشرف مخلوق في غرفة أقسم لي خازنها أنها لا تعطر ولم يرش فيها عطر علي الإطلاق. ورغم ذلك تفوح رائحة عطر زكية تطيب النفس وتسمو بالروح وتريح الأعصاب من سيف "العضب".. سيف من سيوف الحبيب صلي الله عله وسلم عندما تمسك بمقبضه الخشبي الذي لامس كفه الشريف تستشعر معاني الفتوة والشجاعة التي كان يتحلي بها النبي عليه الصلاة والسلام. السيف له غمد خشبي مغلف بغلاف من الجلد الرقيق. طبع علي طرفه المدبب زخارف وكتابات بماء الذهب. يرجح أنها تنتمي إلي القرن التاسع أو العاشر الهجري. الوقت الذي قام فيه السلطان الغوري بتجديد الغمد وغلاف المصحف المنسوب إلي سيدنا عثمان عندما نقل آثار الرسول من "قلعة أثر النبي" إلي قبته بحي الغورية أحد أحياء القاهرة الإسلامية. المقبض الخشبي للسيف مثبت في نهاية النصل بثلاثة مسامير وفي نهايته توجد حديدة معترضة علي الغمد تعرف باسم "الواقية". وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد قال يوم أُحد: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟" قال أبودجانة: وما حقه يا رسول الله؟. قال النبي: "حقه أن يضرب به حتي يثني!". فأخذه أبودجانة وراح يضرب به. ثم يذهب إلي حجر فيشحذه أي يسنه حتي تعود إليه حدته وينزل به إلي ساحة القتال مرة أخري. نعم هو سيف الرسول تأكيدا علي صحة نسب هذه الآثار لصاحب الذكري العطرة نذكر لكم أنه كان للرسول صلي الله عليه وسلم 9 سيوف. وكان لكل منها اسم خاص منها البتار والمعصوب والمخدم والرسوب والحتف والقلعي وذو الفقار والصمصامة والعضب. كما ورث عن ابيه المعورف. تصف د.سعاد ماهر -المشرفة علي دراسة أجريت علي الآثار النبوية- السيف المنسوب إلي الرسول صلي الله عليه وسلم قائلة: بدراسة السيف الموجود تبين أنه يتكون من نصل مستقيم ذو حدين يبلغ طوله 125 سم. وعرضه في أعرض أجزائه 4 سم وذلك عند الواقية وعرضه في الوسط 3 سم وعند طرفه المدبب يبلغ عرضه 75. سم. ومقبض السيف من الخشب ومثبت في نهاية النصل بواسطة ثلاثة مسامير. وفي نهاية المقبض توجد الواقية وهي علي شكل صليبي يتجه بطرفيه إلي اسفل. بفحص السيف بالمجهر تبين وجود نص من الكتابة العربية محفور علي أحد جوانب النصل. ظهر بوضوح أنها محفورة في معدن السيف ولها نفس قدمه. حيث ظهر الصدأ وتأثر المعدن بفعل الزمن. ويبلغ طول هذه الكتابة 5.3 سم. وبدراسة اسلوب خط الكتابة تأكد أنها مشتقة من الخط النبطي أصل الكتابة العربية. فهو يشبه خط نقش حران المؤرخ سنة 658م آخر مراحل الانتقال للخط العربي الحجازي. وعن خط السيف كان متطوراً بعض الشيء. كما يشبه الخط المحفور علي شاهد قبر عثر عليه في أسوان ويرجع إلي سنة 31ه/65م. وإن كان خط الشاهد أكثر تطوراً. وعلي ذلك يمكن إرجاع اسلوب خط السيف إلي الفترة الزمنية التي تقع بين التاريخين. أي أننا نستطيع تأريخ اسلوب الخط إلي عصر الرسول صلي الله عليه وسلم 1ه/65م. ويمكن قراءة النص كالآتي: محمد رسول الله من سعد بن عبادة. بذلك تنتهي د.سعاد ماهر إلي أنه من المرجح ان يكون هذا السيف المحفوظ بغرفة الاثار النبوية بالمسجد الحسيني بالقاهرة هو السيف الذي أهداه الصحابي سعد بن عبادة إلي الرسول صلي الله عليه وسلم والذي سمي بالعضب نسبة إلي شق موجود به. قميص النبي داخل الحجرة أيضا رأيت ثلاث قطع من قميص النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ذلك القميص الذي لامس جسده الشريف وتشرب من عرقه العطر.. القطع الثلاث توجد داخل صندوق زجاجي تعلوه قبه وهلال من الفضة. وهي بيضاء اللون منسوجة علي أنوال يدوية بسيطة. ولا يوجد عليها أي زخارف ملونة أو حتي زخارف نسجية. الأولي من الكتان ليست مخيطة وتدل خيوطها علي أنها من الكتان الجيد. ومن المرجح أن يكون واحدا من تلك الأثواب العشرين التي أهداها المقوقس للرسول صلي الله عليه وآله وسلم. أما القطعتان الأخريان فهما من القطن. وقد تكونان من الأثواب السحولية. نسبة إلي مكان باليمن مما تركه الرسول من أنواع الملابس. مكحلة الحبيب مكحلة رسول الله ومروده الذي مس جفونه هي أيضا ضمن محتويات الغرفة. فقد كان الحبيب يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين. لم يكن اكتحاله صلي الله عليه وسلم للزينة فهو ليس بحاجة إليها. ولكنها من قبيل التداوي للحفاظ علي العين. فعين الحبيب كحيلة واسعة.. شديدة سواد الحدقة.. شديدة البياض من حولها مشربة بحمرة خفيفة. المكحلة تشبه المعلقة وهي من النحاس الأصفر غلف مقبضها بغلاف من الفضة من المرجح ان يكون أضيف إليها فيما بعد. يبلغ طولها 3.5سم. أما مقبضها فطوله 11.5سم. وبجوارها المرود أو ما يسمي بالميل. وهو من الحديد ويبلغ طوله 11سم. أما مقبضه فمن الفضة وطوله 2.5سم. عصا التوحيد لما دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم مكة كانت عليه عمامة سوداء فوقف علي باب الكعبة وأثني علي الله تعالي وقال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم". قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم. قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". فعفا عنهم. وكان علي الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً وكان بيده قضيب "عصا" وكان يشير به إلي الأصنام وهو يقرأ: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" فلا يشير لصنم منها إلا سقط علي وجهه وتكسر. كانت تلك عصا التوحيد التي توجد في غرفة الآثار النبوية بمسجد الإمام الحسين. تلك العصا كانت تسمي "البيضاء" غنمها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من بني قينقاع. وهي مصنوعة من خشب "الشوحط" وهو أحد أنواع خشب الأرز. والعصا مكسوة بغلاف أظهرت التحاليل أنه من الفضة الجيدة يبلغ طوله 4.18سم. القطعة الباقية من القضيب وطولها حوالي 4سم يبدو عليها القدم الشديد. وقد غطي بطبقة من الراتنج "الجو مالاكة" لوقايته من التلف أو التآكل والتسوس. خاصة بعد ان تلف الكثير منها.