الحمد لله والصلاة والسلام علي رسل الله وعلي خاتمهم محمد بن عبدالله وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه أما بعد فإن ذكر محمد لا يمكن أن يغيب عن أي مسلم. سيظل علي مدي العصور والأجيال قدوة ومثلا ورائدًا لنهضة الأمة. إنه يخاطبه في كل يوم علي الأقل عشرين مرة في تشهده وهو يصلي قائلاً السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. هكذا بالخطاب المباشر لا بصيغة الغَيْبة. وهو يردد اسمه الشريف في كل أذان وإقامة. وهو يؤمن بأن الله جعل حبه فوق رغبات النفس البشرية بحيث لو تعارضت حياة المسلم مع ما يجب لنبيه من كرامة كانت حياته رخيصة يقدمها دفاعا عنه بكل رضا وسعادة قال تعالي "النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" الأحزاب "6" وقال صلوات الله وسلامه عليه "لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" رواه البخاري. ولن يدرك المسلم لذة الإيمان حتي يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما إنه السراج المنير الذي يكشف للمسلم طريق الخطر. ويدله علي درب السلامة والنجاة. وهذه مهمته "ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً وداعياً إلي الله بإذنه وسراجا منيراً" الأحزاب "45" إنه البينة التي لا حجة للبشر بعدها كما قال رب العزة "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتي تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة" البينة "1 3". في طاعته الهدي والرشد. قال تعالي "وإن تطيعوه تهتدوا" النور معصيته سبب للشقاء والفتنة. قال سبحانه "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" النور "63" احترامه وإجلاله وتكريمه فريضة إلهية قال عز من قائل "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" النور "12" وقال "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" الحجرات "2". عزيز عليه وقوع الأمة في العنت والمشقة فقال تعالي "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" التوبة "128". الانحراف عن منهجه يوقع في هذا العنت فقال تعالي "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم" الحجرات "7" إنه يقف بالمرصاد لما يريده أعداؤكم فهم الذين يريدون لكم العنت. قال تعالي "ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون" آل عمران. بشرية الرسول وعبوديته مع كل هذه المكانة كان حريصا علي التأكيد في كل تصرفاته وأقواله علي أنه عبدالله وأنه بشر يوحي إليه فقال تعالي "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي" الكهف. لقد كان أحب الأسماء إليه أن ينادي بعبد الله ورسوله. وكان ينهي أصحابه أن يمدحوه ويطروه حتي يظل في إطار البشرية. بعيدًا عن المغالاة التي ترفعه إلي درجة الألوهية كما فعل غيرهم قال صلي الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصاري عيسي ابن مريم" رواه البخاري. كان يقوم بمسئولية العبودية لله متهجدا بالليل قائما حتي تتورم قدماه. ساجدا حتي تظن زوجته أنه قد قبض. قانتا خاشعاً متبتلاً. مسخرا كل لحظات حياته المباركة لانقاذ البشرية مما تعانيه من جفاف الروح وسوء الخلق وانحراف السلوك وفساد الذمم. من هنا استحق وصف العبودية الخاصة بحيث إذا ذكر الله عبده في القرآن كان هو المقصود. ولنقرأ قوله تعالي "وإن كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله" البقرة وقوله تعالي "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي" الإسراء "1" وقوله "الحمد لله الذي أنزل علي عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا" الكهف "1". وقوله "فأوحي إلي عبده ما أوحي" النجم "10". وقوله "أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه" الزمر وقوله "هو الذي ينزل علي عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلي النور" الحديد "9". أما إذا ذكر غيره من الأنبياء فلابد من ذكر اسمه مع وصفه بالعبودية. قال تعالي "وأذكر عبدنا أيوب" ص"42" وقال "وأذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار" ص45 وقال "ذكر رحمت ربك عبده زكريا" مريم "2" وقال "وأذكر عبدنا داوود ذا الأيد انه أواب" ص17 وحينما كانت تهابه الصحابة يقول "إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" رواه أبو داود. البقية العدد القادم