الإسلام له رؤيته الثاقبة في تهذيب الفرد واستقامته علي جادة الطريق. وطريق ذلك ارتباطه بالمساجد لهذا ضعف ثواب صلاة الجماعة علي صلاة الفرد. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة" وأكد الإسلام علي سمو منزلة من يرتاد المساجد بقوله صلي الله عليه وسلم "إذا رأيتم الرجل يرتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان" وبهذا يؤمن جانب من يرتادون دور العبادة بقوة إيمانه وقربه من ربه وخشية معصيته والوقوف عند حدوده. فلا يقول الا صدقا ولا يفعل إلا خيرا ويسلم الجميع من أذاه. وقد شرع الجهاد في الإسلام لعدة أمور من بينها الدفاع عن دور العبادة لما لها من أثر طيب في علاقة الإنسان بربه وإخوانه قال تعالي: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علي العالمين". ان دين الإسلام دائماً يعمل علي توثيق الروابط بين المجتمع البشري عملاً بقوله تعالي: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة/ .8 وعلي هذا فالمؤمن يكون إلفا مألوفا لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يألف". لقد أقر القرآن الكريم الأخوة غير الدينية أي القائمة علي وحدة القوم أو الوطن كما جاء في قوله تعالي: "إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقن" الشعراء/.106 وأيضاً هناك الأخوة البشرية القائمة والمؤسسة علي عبودية البشر لإله واحد كما في قوله تعالي: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" النساء/ .1 كما أكد الرسول صلي الله عليه وسلم علي هذه الحقيقة في بيانه الخالد في حجة الوداع بقوله: "أيها الناس إن ربكم واحد. وإن أباكم واحد" راوه أحمد. ومما سبق يتضح لنا بأنه لا خلاف بين علماء بالإسلام في جواز معاملة المسلم لغير المسلم في البيع والشراء. وأنه لا حرج علي المسلمين في مشاركة غير المسلمين أفراحهم وأترادهم والإحسان إليهم وإكرامهم ما داموا مسالمين ومحبين للمسلمين. وإذا كان الإسلام قد أمر أبناءه باحترام غير المسلمين بوجه عام فإنه قد أمر المسلمين باحترام ومودة النصاري بوجه خاص وقد وجهنا القرآن إلي هذا الأمر في قوله تعالي: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسن ورهبانا وأنهم لا يتكبرون" المائدة/ .82 وجاء في عهد النبي لأهل نجران ما يؤكد علي احترام عقيدتهم ودور عبادتهم ذكر أبويوسف في كتاب الخراج ما جاء في عهد النبي لأهل نجران: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي صلي الله عليه وسلم علي أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثر". ولقد اقتدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بنبي الأمة في كيفية معاملة غير المسلمين: "فجاء في العهدة العمارية هذا ما أعطي عبدالله أمير المؤمين عمر بن الخطاب أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتهم ولا تسكن كنائسهم. ولا تهدم. وينتقص منها. ولا من حيزها. ولا من صليبها. ولا من شيء من أموالهم. ولا يكرهون علي دينهم. ولا يضار أحداً منهم. ولا يسكن بالبناء معهم أحد من اليهود" تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري. وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات: "ولهم ان يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار. إلا في أوقات الصلاة. ولهم أن يخرجوا الصلبان في أيام الأعياد" معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي د/ إدورد غالي. وعلي هذا مضت سنة الخلفاء المسملين ومن بعدهم باعتبار غير المسلمين من رعايا الدولة المسلمة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" رواه البخاري. وإذا كان الإسلام قد أمرنا بحسن معاملة النصاري بوجه خاص فإن الرسول صلوات الله وسلامه عليه زاد هذه الخصوصية في معاملة نصاري مصر فجاء في حديثه الشريف قوله صلي الله عليه وسلم "استوصوا بأهل مصر فإن لهم نسبا وصهرا".. الحديث. لقد رحب القبط بالفتح الإسلامي ولقوا من فاتح مصر عمرو بن العاص كل الاحترام والتسامح ولقد حفظ المسلمون لأهل مصر وصية رسول الله وزاد من هذه المودة بين المسلمين والقبط مصاهرة الرسول لهم وزاوجه من مارية القبطية. ان التاريخ خير شاهد علي التسامح الإسلامي وحسن المعاملة التي لقيها غير المسلمين عبر العصور منذ هجرة النبي إلي المدينة حتي يومنا هذا. وهم يعيشون في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية تغمرهم مشاعر الأخوة والمحبة لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي. فالكل يعيش في ظل سماحة الإسلام يدافع بعضهم عن بعض ويهنيء بعضهم بعضا. ويواسي بعضهم بعضا. لتتجلي أعظم صورة من صور التسامح في العصر الحديث.