رغم أننا كنا علي يقين بأنها مراحل وستنتهي. لثقتنا في وعد الحبيب صلي الله عليه وسلم. ولكننا وصلنا إلي درجة تحدث عنها القرآن الكريم. وهي مرحلة تسرب اليأس إلي النفوس البشرية. حتي ولو كانوا رسلاً. وانسداد أبواب الأمل في التغيير أمامهم: ¢حَتَّي إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ¢. "يوسف110" وكُذِّبوا. أي تكذيباً شديداً بلا أمل في التغيير وفي إيمانهم. وبلغنا هذه المرحلة القاسية. وهي مرحلة الزلزال النفسي للرسل واتباعهم. بانتشار الفقر وتفشي المرض واشتداد البلاء. حتي استبطاوا نصر الله وفرجه: ¢أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّي يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَي نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبى¢. "البقرة214" ولكننا نسينا أو غفلنا عن وعده سبحانه. ¢أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبى¢. فجاءت هذه الثورة لتمثل منعطفاً تاريخياً في حياة أمتنا. وعلامة علي: "1" بداية أفول مرحلتي الملك العاض والجبرية. "2" بزوغ مرحلة الحرية. وبشريات بقرب تحقيق المرحلة الخامسة بعونه تعالي. ¢وَاللّهُ غَالِبى عَلَي أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ¢. "يوسف21" 15-ظالمى ... بني سجنه: ¢وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ¢. "القصص39" صورة غريبة شائهة ومشوهة قصها علينا القرآن الكريم عن فرعون وأعوانه وجنوده. حول سلوكياتهم مع عباد الله المستضعفين المظلومين. وكيف أيقنوا أنهم خالدون علي كراسيهم وفي سلطتهم وبثرواتهم. وأن هؤلاء المظلومين رضوا بما هم فيه. وأن الأمور تسير كما يهوون ويخططون. ثم صورهم وهم يتلذذون ويزيدون في تفننهم في نشر ألوان الظلم والفساد في العباد والبلاد حتي صورهم في صورة أخري أكثر عنفاً: ¢إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ¢. "القصص4" لقد تعظم وتجبر وتسلط فروعون وملئه في أرض مصر. وجعل أهلها شيعاً وفرقاً في خدمته. فيستضعف طائفة منهم. وهم بنو إسرائيل. فيذبح أبناءهم المولودين. ويستحيي نساءهم. أي يستبقيهن أحياء لقول بعض الكهنة له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبب زوال ملكه. ولهذا كان من المفسدين. بهذه السلوكيات الشاذة. كنا نقرأ سيرته البغيضة ونقارن بينه وبين فرعوننا المعاصر ومؤسسته الأمنية الرهيبة والكريهة. وكيف تفننوا في أصناف الشذوذ السلوكي مع معارضيهم. لهذا كان يحدونا الأمل في التغيير. عندما نقرأ عن مصيره وجنوده. كما كان مصير فرعون وجنوده: ¢فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ¢. "القصص40" وكنا علي يقين من أنهم لم ولن يفيقوا إلا في الوقت الضائع. وسيتبادلون مع بعضهم البعض التلاوم والتخاصم وتبادل الاتهامات. تماماً كما حدث مع أساتذتهم في الظلم: ¢إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتي عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ¢."البقرة166و167" وكنا نعاني ونقاسي من مؤسسته التي تغولت في كل مجتمعاتنا العربية. وتجبرها وتطاولها!؟. وتمدد سلطانها وهيمنتها في كل مجالاتنا الحياتية السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والزراعية!؟. فلا يتم أي أمر. ولا تحل أي مشكلة. ولا يبت في أي قضية. ولا تعتمد أي خطة. ولا يتم تعيين أي فرد. ولا يرقي أي مسؤول. ولا يسافر أي شخص. ولا يكتب. ولا يقرأ إلا بموافقة هؤلاء القوم!؟. حتي توقعنا أن يمتد هذا المخلب مستقبلاً ليعبث بخصوصياتنا. فيحدد نوع الطعام الذي نأكله في منازلنا. وفي اختيار الزوج أو الزوجة. و...!؟. ثم جاءت ثورتنا!. وتم خلع الطاغية وملئه وأذنابه وجنوده. وبدأ انفراط سلسة الحلقة الأمنية الجهنمية. وبدأ معها سقوط آلهة الشر والفساد والانحراف والظلم والقهر!؟. ورأينا خلف القضبان عز والمغربي وجرانة وأذيالهم. ولكن كان سقوط رأس الفساد الأمني الكريه العادلي. وكان منظراً مؤثراً ومبكياً لكل المظلومين والمقهورين وكل الذين اكتووا بنار مؤسسته الرهيبة. وهم يرونه زائغ العينين. كالفأر المذعور خلف القضبان!؟. لقد حبسته السجون التي شيدها بأعوانه. وتقوقع داخل قضبان بناها بيديه!؟. وتذكرت تلك الدودة التي تصنع شرنقتها بيديها لتخنق نفسها بنفسها؟!. ثم تذكرت هذه الحادثة المعبرة والمؤثرة. فذات يوم مر الحسن البصري رحمه الله علي قوم يبنون أبنية ضيقة وصغيرة وكئيبة. فاثارت حفيظته. فقال: ألا يوسعون هذه البيوت؟!. فقالوا له: إنها سجون يبنونها. فرد باستغراب وتعجب: ألا يجهزونها ويهتمون بها. فلعلهم يسكنونها يوماً ما؟!.