لما كان الإسلام دين قيم وضوابط سلوكية. كانت الثقافة الإسلامية موجهة ومربية تتصل بحياة الأفراد. وحياة الجماعات. وتوهل الإنسان للعطاء وتنمي فيه القدرة علي الإنتاج والإبداع بما تفتح له من آفاق التفكير والممارسة وتجعل الشخصية الإسلامية شخصية متزنة لا يطغي علي موقفها الانفعال ولا يسيطر عليها التفكير المادي ولا الانحراف الفكري المتأني من سيولة العقل وامتداد اللامعقول. ومن المعروف أن الإسلام قد وثب بالمسلمين وثبة هائلة وهذه الوثبة الهائلة كانت علي إثر إشعاع القرآن الكريم في جنبات الدنيا والإنسانية فأنارها بعد ظلمة وهدي الإنسانية بعد حيرة ونظمها بعد اضطراب وفتق أذهان أبنائها بعد ارتفاق وأزال الأصفاد والقيود التي كانت تقف حجر عثرة أمام الفكر فانطلق المسلمون يقرأون ويبحثون ويطلبون العلم في مظانه. واستطاعوا في ظل الثقافة الإسلامية التي دعت الناس إلي معرفة كل ما من شأنه أن يأخذ بالناس إلي طريق الرشاد أن ينتقلوا من أمة الأمية إلي أمة العلم والقيادة الفكرية وأن يصبحوا أساتذة العلم والعالم وقادة الفكر والرأي ورواد المعرفة والحضارة وبحثوا ودرسوا وأضافوا وجددوا وابتكروا فكان ذلك النتاج الحضاري الأصيل وإذا كانت الأمة الإسلامية في العصر الحاضر تتطلع إلي غد مشرق فإن هذه الأمة تملك رصيدا ضخما من الثقافة الفاعلة يمكنهها من نشر الإسلام في الأرض والمساهمة في استقرار المجتمعات. وقد يكون واضحا أن مبدأ المسلمين وهم يعرضون مباديء وتعاليم الإسلام تحكمه قيم وآداب لا ينبغي للمسلمين تجاوزها ومخالفاتها ولا يصح معها تجريح وسباب معتقدات الآخرين وهذا صريح في قوله تعالي: "ولا تسبوا الذين يدعون من مدون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" سورة الأنعام: .108 والمجتمعات الإسلامية وفق تعاليم الإسلام وقيمه مأمورة بالتزام العدل وإنصاف الناس مع وجود الاختلاف في العقيدة وقيام الخصومة والشحناء معهم حيث يقول الله سبحانه وتعالي: "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي" سورة المائدة: .8 ومن مفاخر الفقه السياسي في الإسلام أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد فهي تقوم علي تحقيق المصالح ودفع المفاسد. والأمة الإسلامية تعتقد وتؤمن في انفتاحها علي الآخرين بأنها شريك مع غيرها في منهج الاستخلاف لعمارة الأرض وليست محتكرة لهذا المنهج وإن غياب المسلمين أو تغييبهم عن المشاركة في منهج الاستخلاف أو تجريد هذا المنهج من القيم الربانية سيؤدي لا محالة إلي فساد في الأرض ودمار حياة الناس عليها وهذا مؤكد في قول الله تعالي "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" سورة محمد: 9-.10 إن مباديء الإسلام وقيمه تعلم المسلمين وتؤكد عليهم في انفتاحهم ألا يبخسوا الناس اشياءهم ولا يحتقروا كدحهم وجدهم في كل عمل بناء يحقق الإعمار والإبداع الحضاري وتلزمنا تعاليم الإسلام باحترام وتقدير كل عطاء خير في ميادين القيم والسلوكيات وفي ميادين الماديات والوسائل والمهارات وهذا يلتقي مع قيم وتوجيهات منهج الاستخلاف الرباني في عمارة الأرض لأن القرآن الكريم يعتبر احتقار سعي الناس وبخس دورهم الإيجابي الفعال المثمر في الأرض من العبث والإفساد الذي يمقته الإسلام ونهي عنه وهذا في قوله تعالي: "لا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين" سورة هود: .85 إن الإسلام مثلما وضع ثوابت ومنطلقات وقدم قيما ومباديء كلية لضبط أدبيات ومقومات التعايش البشري والتعارف الإنساني فإنه أيضا وضع ثوابت ومنطلقات وقواعد وأسسا لضبط حركة مصالح الناس وقدم قيما وأدبيات لإحكام سيولة تبادل المنافع بين المجتمعات في إطار التعايش والتعارف بينهم. ولا يخفي أن المسلمين وفق هذا المنهج الرباني العادل وموروثه القيمي والتشريعي وفي ضوء قدراتهم المادية والسياسية ليجدون أنفسهم مؤهلين كل التأهيل لأداء مهمتهم ومساهمتهم الإيجابية الفعالة في معرك التدافع الإنساني البشري لإقامة نظام عادل ينهي حالة القلق والذعر التي تحيق بالناس ويصرف أسباب الفساد عن الأرض ويضع حدا لتدهور العلاقات في أكثر من موقع ويزيل عوامل الاضطرابات والجشع والصراع السياسي والاقتصادي بين الأمم ويضبط حركة التدافع الإنساني ويقيم الموازين القسط للتعايش والتعاون البشري ويرتقي بمنهج التبادل والتكامل والانفتاح الثقافي بما يحقق للناس تطلعاتهم لحياة إنسانية آمنة مطمئنة تنعم بالأمن والاستقرار والعدل والسلام والمسلمون من أجل هذه المهمة الجليلة النبيلة علي استعداد لحوار بناء مع أي جهة معنية وفعالة شعبيا ورسميا للسير بالإنسانية نحو الخير والفلاح.