ما هذا الكم البشع من الفساد الذي أعطب النفوس؟!.. سؤال يطرحه الجميع ويتغافلون عن الإجابة كمن يضع رأسه كالنعام في الرمال!!.. والحقيقة واضحة.. موت الضمير نتيجة حتمية للبعد عن اللَّه وعن الدين.. فلو أن المفسد ضميره أنبه وعلم أن هناك حسابا وعقابا أليما لتراجع وأعاد حساباته.. أما إذا مات الضمير. فكيف تُبعَث حياة في جسد لا حراك فيه؟!.. لقد توحش الفساد حتي أصاب النخاع!!.. فساد في جمع الأموال. فساد في استيراد الأغذية وخاصة اللحوم والأقماح.. غذاء البشر الذي أخرجه لنا ربنا نقياً نظيفاً. تدخلت فيه أصابع الشر فحولته إلي وباء!!.. فهل نطمع بعد هذا أن يُرفَع لنا دعاء؟!.. عندما جاء سيدنا سعد يسأل النبي "صلي اللَّه عليه وسلم" الدعاء أن يستجاب له. ماذا كان رد النبي "صلي اللَّه عليه وسلم"؟!.. هل رفع يده إلي السماء ودعا لسعد "وهو مستجاب الدعوة"؟!.. لا.. لقد انتهز النبي "صلي اللَّه عليه وسلم" سؤال سعد وعلمنا كيفية استجابة الدعاء.. فقال لسعد: أطب مطعمك وارض بما قسم اللَّه لك. عندئذي تكون إذا توافرت هذه الشروط. تكن مستجاب الدعوة وغنياً عن الناس!!.. وعلمنا كيف يأكل الإنسان من حرام ويتغذي من حرام. فهل تستجاب له دعوة؟!.. القلوب المعطوبة كالثوب الممزق. لا يستر عورة!!.. فعندما جاء قوم إلي إبراهيم بن أدهم يسألونه لماذا لا يستجاب لهم؟!.. فقال لهم: لأن قلوبكم ميتة. والقلب الميت لا يصدر منه دعاء!!.. وعدد لهم أسباب موت القلوب.. فهل اتعظنا؟!.. واليوم نري أن كل تاجر يسابق الزمن ليجمع أكبر قدر من المال. وكأنه سيأخذ هذا المال معه إلي القبر. وينسي أنه تاركه رغماً عنه. ولن يناله إلا الحساب العسير. من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟!.. فمثلاً نري سلعة كاللحوم تقفز كل يوم حتي أصبحت أملاً عسيراً علي الفقراء. لماذا لا يمتنع الناس عن شرائها؟!.. لقد جاء قوم إلي ابن المبارك يشكون من غلوها.. فقال لهم: "رخصوها".. قالوا: كيف؟!.. قال: "لا تشتروها"!!.. وامتنع الناس عنها فنزلت إلي أقل سعر!. حل المشاكل بأيدينا ولكن تنقصنا العزيمة والإرادة. لن يموت الإنسان إذا لم يأكل لحماً. عوضنا اللَّه بخير كثير. ولكننا كما يقول المثل: "الممنوع مرغوب".. لقد كان في الماضي يوجد حساب لمن يستغل الناس ويستثمر الأزمات لصالحه. ولكن اليوم غاب الضمير وانعدمت الأخلاق وفقدنا المحاسب.. لو أننا أيقظنا الضمير وطبقنا القوانين الحازمة لانعدل الميزان!. ولكن هيهات.. فعلينا أن نعالج مشاكلنا بأنفسنا وإلا "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" 0النور:63". وحتي لا تبكي واللَّه يقرع أسماعنا: "وما ظلمهم اللَّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" ونستمع إلي التحذير: "ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان".