التاريخ لن ينسي الأطفال المصريين الذين شاركوا في صناعة تاريخ مصر الحديثة ليمحو التصورات الدارجة عن أن عقول الأطفال صفحة بيضاء من الناحية السياسية، إلا أن الوعي السياسي لدي الأطفال في نمو مستمر ووعي بالأحداث السياسية وهو ما أثبتته الأيام الماضية بالمشاركة في التظاهرات حتي وإن كانوا محمولين علي أعناق آبائهم وأمهاتهم بالإضافة إلي جدالهم حول السياسة وإن كان هناك بعض التيارات التي تقوم باستغلالهم في الأحداث إلا أنهم سيكونون من صناع التاريخ . قام مؤخرا بعض الباحثين المهتمين بالتنشئة السياسية للطفل بعمل دراسة ميدانية عن الأطفال والسياسة في مصر وحول آليات ومضامين التنشئة السياسية التي يتعرض لها الطفل المصري، وركزت في الأغلب الأعم علي المدرسة، ووقفت عند حد تحليل مضمون الكتب الدراسية المقررة في مرحلة التعليم الأساسي، كمحاولة أولية استكشافية لعناصر العقل السياسي للطفل المصري، أو لتوجهاته السياسية من زوايا المعارف والميول والقيم، تهدف الدراسة إلي الإجابة عن التساؤلات هل الأطفال علي وعي بالمؤسسات والشخصيات والأحداث السياسية، فضلا عن القضايا العامة وإلي أي حد، وكيف يري الأطفال رئيس الدولة، وما هي حقيقة مشاعرهم وميولهم نحو الحكومة وما مدي حضور قيم الانتماء والديمقراطية والإبداع في ثقافة الأطفال؟، وإلي أي حد تختلف التوجهات السياسية بين الأطفال تبعا للسن والنوع والمستوي الطبقي؟ يقول طارق رفعت أحد الباحثين: لقد طبق الاستبيان علي عينة قصدية Target Convenient Sample قوامها 286 طفلا اختيروا من تلاميذ التعليم الأساسي في خمس مدارس وروعي في اختيار العينة أن تضم بنين وبنات من أعمار مختلفة ومستويات اقتصادية اجتماعية متفاوتة وقد عولجت الاستجابات كميا باستخدام التوزيعات التكرارية والمتوسطات وقد كانت نتائج الدراسة تنم عن الآتي أولا أن الأطفال يحوزون مستوي لا بأس به من المعرفة السياسية، إذ تزيد نسبة من أدلوا بإجابات صحيحة عن 50٪، كما أنهم لديهم خلفية كبيرة حول قضايا ذات طبيعة اقتصادية والتي تتمثل في ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل، وصعوبة الحصول علي رغيف العيش والدقيق، وان كانت من جهة أخري تشير النتائج إلي تفاوت مستويات وعي الأطفال بالشخصيات العامة، وأبرزت هذه النتيجة أهمية دور الخطاب المدرسي في بناء الذاكرة السياسية عند الأطفال بما دعا إلي تبرير الدعوة إلي تطوير محتوي الكتب المدرسية كي تصبح أحد روافد التوعية السياسية للنشء. مضيفا: أوضحت الدراسة وجود فكر سياسي لدي الطفل في مرحلة الطفولة ووضوح ملامحه في تعرفه وتحليله لأهم القضايا الشخصية والمحلية والقومية والعالمية ويساهم في تشكيله التوجهات السياسية لأولياء الأمور ووعيهم السياسي ودرجة التفاعل في الحوار القائم بين الآباء والأطفال حول القضايا الثقافية والسياسية المطروحة في الساحة مضافا لذلك الدور المتعاظم لوسائل الإعلام المرئي بآلياته المتباينة والنظام التعليمي بأساليبه ووسائله المختلفة بحيث يتخلق وعي الطفل وينمو ليوائم طبيعة النظام السياسي القائم وتوجهات النخبة الحاكمه وقد أظهرت الدراسة صدارة وسائل الإعلام المرئي كأحد وسائط التنشئة الساسية الأكثر تأثيرا في تشكيل الفكر السياسي لدي أفراد عينة الدراسة واحتلت الأسرة المركز الثاني والصحف المركز الثالث وجاءت الإذاعة المسموعة في المركز الرابع وتلاها الأصدقاء ثم احتلت الإذاعة المدرسية المركز السادس والأخير في درجة تأثيرها علي تكوين المعارف السياسية لدي الطفل . أما عن فكر الأطفال ونظرتهم للحياة السياسية والثورة يتحدث إيهاب أحمد (طالب في المرحلة الإعدادية) عن اشتراكه في اللوحة الفنية التي قام برسمها مجموعة من الأطفال كتعبير عن الوحدة الوطنية من خلال مفهومهم ورؤيتهم، وقاموا بحمل هذه اللوحة الفنية التي تتعدي الخمسة عشر مترا في مسيرة في ميدان التحرير للتأكيد علي أخوة جميع المصريين علي اختلاف دياناتهم، مرددين شعارات عديدة من أهمها »مصريين مصريين ولا بالملة ولا بالدين.. الجيش والشعب إيد واحدة«. وعن الثورة أكد سيد محمد.. (طالب في المرحلة الإعدادية) أن الثورات المصرية لم يقم بها الشباب فقط كما يقولون، بل قام بها الأطفال أيضًا، لأن آباءهم قاموا باصطحابهم إلي ميدان التحرير ليرددوا معهم شعارات الثورة »الشعب يريد إسقاط النظام.. عيش حرية عدالة اجتماعية«. ومن جانبه يقول جمال أبو شنب.. (أستاذ علم الاجتماع السياسي) إن الأطفال يتعرضون لعملية تنشئة سياسية مباشرة وغير مباشرة يكتسبون من خلالها معارف واتجاهات ومعتقدات تتضافر مع عوامل أخري، علي تشكيل وتوجيه سلوكهم السياسي إثر بلوغ السن التي يتحملون معها مهام المواطنة المسئولة عن زاوية ممارسة الحقوق وأداء الواجبات العامة، ومن المؤكد أن الطفل المصري وخاصة في الوقت الحالي ليس بمنأي عما يشغل بال الكبار، فهو علي وعي بمشكلات أسرته، ودائرته المحلية ومجتمعه الأكبر، وأكثر دراية بالمعارف السياسية المتضمنة في الكتب المدرسية.. لذا من الضروري الاهتمام بالتنشئة السياسية للطفل المصري. ويتفق معه سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي مؤسس مركز ابن خلدون قائلا: الطفل المصري لديه من الوعي الفكري والسياسي الكثير، مؤكدا أنه لابد من الاهتمام بتنشئة الطفل السياسية وتنمية فكره، بعيدا عن استغلاله في أعمال العنف أو الزج به في الصورة السياسية، كما شهدنا ذلك مؤخرا وقيام بعض التيارات باستغلال الأطفال الأبرياء بالمخالفة للقوانين الدولية.. أو كما حدث لهم من استغلال أثناء اشتباكات قصر النيل وغيرها واستغلال الظروف الاقتصادية لهؤلا الأطفال والزج بهم في صدر المشهد، وفي العنف أو التظاهرات سلمية كانت أو غير سلمية، مؤكدا علي ما أثاره المجلس القومي للأمومة والطفولة من أن مصر صدقت علي الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وبروتوكوليها الاختياريين بشأن منع إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، كما صدقت مصر علي الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الذي يضمن حق الطفل في الحماية من الإساءة والعنف والاستغلال في النزاعات المسلحة، فما يشهده المجتمع مؤخرا يعد نمطا صارخا من الانتهاكات المشينة التي تعرض صحة وأمن وأخلاق الطفل المصري للخطر وضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية التي يكفلها القانون حيال استخدام أطفال لم يتجاوزوا الثماني عشرة سنة ميلادية في أعمال تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها لهم وفقا للمادة 96 من قانون الطفل. الإعلام المرئي أهم وسائط التنشئة السياسية الأكثر تأثيرا في تشكيل الفكر السياسي لدي الطفل مضيفا: تبلغ نسبة عدد الأطفال مصر حوالي 53٪ من بنية المجتمع المصري بمعني أنهم يشكلون أكثر من نصف عدد السكان، وإذا كان تعداد سكان مصر حسب التقديرات بلغ حوالي 80 مليون نسمة، فإن الحديث هنا عن أكثر من 50 مليون نسمة تحت سن الثامنة عشرة، فمعظمه من الفتيات والفتيان، لذلك لابد أن نتبع أساليب البلاد المتحضرة الواسعة التي تراعي الحقوق الإنسانية للرجال والنساء والأطفال،حيث إن التعبير عن الرأي فيما يتعلق بالأطفال يعني إسماع الصوت والرأي بشتي الوسائل المتاحة إعلامية كانت أو اجتماعية أو بوسائل تتواءم مع عمر الطفل ومستوي نضجه، وذلك تعبير سلمي في جميع الأحوال .. ولابد أن يعلم الجميع بوجود فرق شاسع ما بين ممارسة الأطفال لحقهم في التعبير عن الرأي والمشاركة في مجمل القضايا التي تمسهم كأطفال لهم نفس حقوق النساء والرجال وما بين أن يُستغلوا من قبل جهة ما لأداء دور معين، وهذا يتنافي مع مفهوم حرية تعبير الطفل عن رأيه، بل هو استغلال له لتحقيق غرض ما أسوأ استغلال، وذلك ما يحدث في ظل انتشار بعض مظاهر العنف في المجتمع.