القوات المسلحة انتشرت ورفعت شعار الجيش والشعب إيد واحدة اللواء عبدالمنعم سعيد: المشهد الحالي يختلف كثيرا عن ثورة يناير ساعات عصيبة تعيشها مصر، قد تحسم بقاء جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في الرئيس محمد مرسي علي كرسي الحكم أو الإطاحة بها، فمع احتشاد الميادين في القاهرة والمحافظات علي اختلاف توجهاتهم بين مؤيد ومعارض للنظام، تتنامي احتمالات حدوث فوضي في البلاد، لكن خبراء عسكريين استبعدوا هذا الاحتمال مؤكدين أن القوات المسلحة ستقوم بدور مهم في حماية الوطن بمساعدة قوات الشرطة. وأكد الخبراء الأمنيون والعسكريون ل"آخر ساعة" أن احتمالات قيام الجيش بانقلاب عسكري غير واردة، وأن القوات المسلحة لن تكرر سيناريو ما بعد مبارك، بل ستعمل علي تحقيق تصور المعارضة ورغبة الشعب في تسليم السلطة مؤقتاً لرئيس المحكمة الدستورية العليا، أو تكوين مجلس رئاسي بألوان الطيف المختلفة. بعد نحو عامين ونصف العام من ثورة يناير 2011 يبدو المشهد منفتحاً علي مزيد من المفاجآت، والتحولات الكبري في »لعبة الكراسي السياسية«، إلا أن الفارق هو خوض المعارضة الحالية لمعركة الحسم برؤية أكثر وعياً وإدراكاً، فلم تعد المسألة مجرد إطاحة بنظام، بل إن المعارضة وعلي رأسها حملة "تمرد" التي أعلنت مطلع الأسبوع الجاري عن جمع أكثر من 20 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكذا جبهة الإنقاذ الوطني أكبر الكيانات السياسية المعارضة في مصر"، رسمت جيداً سيناريو ما بعد مرسي، حال سقوط النظام الإخواني الحاكم. وكانت حملة "تمرد" قد أعلنت الأسبوع الماضي تدشين الجبهة الموحدة ل30 يونيو، التي تضم عدداً من شباب الحركات والأحزاب السياسية، كجبهة لإدارة التحركات وخارطة ما بعد مرسي حتي انتهاء المرحلة الانتقالية، معلنة عبر مؤتمر صحفي، أسماء أعضاء الجبهة ومن بينهم أحمد دومة، أحمد الهواري، خالد البلشي، محمود بدر، محمود عفيفي، حسام مؤنس، شيرين الجيزاوي، شادي الغزالي حرب. وكشفت الحملة عن تصور "جبهة 30 يونيو" لإدارة البلاد في حالة رحيل مرسي بعد 30 يونيو، ومن بينها أن يتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مهام رئيس الجمهورية، وتفويض كامل الصلاحيات لرئيس حكومة من الشخصيات السياسية المشاركة في الثورة، علي ألا يترشح في أول انتخابات رئاسية أو برلمانية، ووضع دستور توافقي. كما ألزمت الحملة في تصورها الحكومة الجديدة بوضع خطة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد، وأن يتم وقف العمل بالدستور الحالي وحل مجلس الشوري، مع تشكيل لجنة من فقهاء دستوريين وقانونيين لإعداد دستور جديد، وتفوض لهذه اللجنة سلطة التشريع، وأكدت الحملة انتهاء المرحلة الانتقالية بعد رحيل مرسي في مدة لا تتجاوز 6 أشهر، تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية بإشراف دولي وقضائي، وتليها انتخابات برلمانية. وبدأت الحملة منذ السبت الماضي، تتلقي ترشيحات الأحزاب لتشكيل حكومة ما بعد مرسي، حيث بدأت بالتنسيق مع جبهة الإنقاذ الوطني، التواصل مع القوي السياسية بهدف تشكيل حكومة ما بعد إسقاط النظام، وأكدت إيمان المهدي، عضو اللجنة المركزية لحملة "تمرد" أن الحكومة ستكون من التكنوقراط برئاسة سياسي يكون عليه توافق وطني عام وسيتمثل أهم معايير اختيارها علي الكفاءات في المجالات المختلفة وحدوث توافق وطني بشأن كل عضو بالحكومة، مشيرة إلي أنه تم طرح عدد كبير من الأسماء وتمت مناقشة برامج كل مرشح لتولي منصب وزاري معين، وستكون المهمة الأساسية لهذه الحكومة الجديدة، العمل علي عقد مصالحة وطنية والنهوض بالاقتصاد الوطني. وبرز دور القوات المسلحة في حماية التظاهرات ومنع عمليات التخريب التي قد تستهدف بعض المنشآت العامة والحيوية، بينما تحدث قطاع جماهيري عن رغبته في عودة الجيش كحاكم وطني للبلاد، بعد فشل السياسيين علي اختلاف انتماءاتهم في النهوض بمصر، وحمل هذه الرسالة مشهد احتشاد الآلاف أمام مبني وزارة الدفاع منذ الأسبوع الماضي، بخلاف الانتشار الذي قامت به القوات المسلحة في العديد من المناطق المهمة لتأمينها وحمايتها. وجاءت تصريحات الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع، في الندوة التثقيفية التي نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء قبل نحو أسبوع لتمنح مزيداً من الزخم للمعارضة، التي اعتبرت تلك التصريحات بمثابة ضوء أخضر لتأييد الرغبة الشعبية في الإطاحة بالنظام، وإجراء انتخابات رئاسية جديدة، علي عكس مؤيدي الرئيس الذين اعتبروا تصريحات السيسي جاءت في سياقها الطبيعي عن حماية البلاد من أي فوضي قد تدخل فيها البلاد جراء التظاهرات التي دعت لها المعارضة لإسقاط "الرئيس الشرعي". وكان وزير الدفاع دعا الجميع دون أي مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها، وقال "لدينا من الوقت أسبوع يمكن أن يتحقق خلاله الكثير، وهي دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله". وقال السيسي إن القوات المسلحة علي وعي كامل بما يدور في الشأن العام الداخلي دون المشاركة أو التدخل لأن القوات المسلحة تعمل بتجرد وحياد تام، وولاء رجالها لمصر وشعبها العظيم، مشيراً إلي أن هناك حالة من الانقسام داخل المجتمع واستمرارها خطر علي الدولة المصرية ولابد من التوافق بين الجميع ويخطئ من يعتقد أن هذه الحالة في صالح المجتمع، لكنها تضر به وتهدد الأمن القومي. ويخطئ من يعتقد أننا في معزل عن المخاطر التي تهدد الدولة المصرية ولن نظل صامتين أمام انزلاق البلاد في صراع يصعب السيطرة عليه"، وأكد أن علاقة الجيش والشعب علاقة أزلية وهي جزء من أدبيات القوات المسلحة تجاه شعب مصر، ويخطئ من يعتقد أنه يستطيع الالتفاف حول هذه العلاقة أو اختراقها. وقال إن القوات المسلحة تجنبت خلال الفترة السابقة الدخول في المعترك السياسي إلا أن مسئوليتها الوطنية والأخلاقية تجاه شعبها تحتم عليها التدخل لمنع انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلي أو التجريم أو التخوين أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة. وأعلنت جبهة الإنقاذ الوطني، في بيان رسمي لها عقب تصريحات السيسي، أنها تقدر موقف القوات المسلحة تجاه الوضع الخطير في البلاد والذي عبر عنه وزير الدفاع، وأشادت بحرص القوات المسلحة علي الانحياز لإرادة الشعب وحماية أمنه وأمن الوطن ورفضها لترويع المواطنين وتأكيدها علي الولاء لمصر وشعبها العظيم. وفي حين انتشرت القوات المسلحة في مناطق عدة، جاءت تصريحات قائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي، الخميس الماضي، لتحمل رسالة واضحة إلي الشعب، أكد خلالها أن قوات الحرس الجمهوري لن توجه أي اعتداء علي أبناء الشعب المصري. وقال إنه لا ينتظر ولا يتوقع في الوقت نفسه أن يوجه أبناء الشعب أي اعتداء علي قوات الحرس الجمهوري، الذين هم جزء من نسيج الشعب الواحد، مؤكداً أن حق التظاهر السلمي مكفول ومن حق أبناء الشعب المصري التعبير عن رأيهم بكل سلمية. وفي حين قال إن قوات الحرس تؤدي دورها ومهامها بكل أمانة في تأمين وحماية النظام الرئاسي الذي تم اختياره بواسطة الشعب ، وبالتالي لن تسمح قوات الحرس بمحاولة أي فئة اقتحام القصر الرئاسي الذي يعد ملكاً للشعب، قال إنه لا دخل لقوات الحرس الجمهوري في رغبة فئة من الشعب في تغيير النظام، وأن مهمته الأساسية هي حماية النظام الرئاسي الذي تم اختياره بواسطة الشعب، حيث إن عدم تنفيذ قوات الحرس الجمهوري لمهامه تعد خيانة لأمانه أوكلها إليه الشعب. توقعات الخبراء من جانبه قال اللواء عبدالمنعم سعيد رئيس عمليات القوات المسلحة الأسبق في تصريحات ل"آخر ساعة": أعتقد أن المشهد سوف يختلف كثيراً عما كان عليه في أثناء ثورة يناير 2011حيث لم يتدخل الجيش وقتذاك إلا بعد انهيار الشرطة وحدوث فراغ أمني وحالة من الفوضي في البلاد، لكن الآن لن يتكرر هذا السيناريو، فالقوات المسلحة بدأت الانتشار مبكراً للحفاظ علي الأهداف الحيوية والمنشآت الهامة إلي جانب الشرطة. وهناك احتمالان بعد تظاهرات 30 يونيو، الأول هو ألا ينجح الضغط الشعبي في إقصاء النظام، والثاني هو النجاح في إسقاطه، وهنا لا أعتقد أن الجيش ستكون مهمته حكم البلاد مؤقتاً مثلما حدث بعد ثورة يناير وسقوط الرئيس السابق حسني مبارك، لذا أعتقد أن الاحتمال الوارد في هذه الحالة هو تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا للقيام بهذا الدور أو تشكيل مجلس رئاسي مكون من طوائف مختلف لتولي هذه المهمة، أما احتمال سيطرة الجيش علي السلطة فهو غير وارد. ويقول اللواء زكريا حسين مدير أكاديمية ناصر العسكرية السابق: سيناريو ما بعد مرسي سبق وطرحته حملة "تمرد" بشكل واضح، ودعمتها في ذلك جبهة الإنقاذ الوطني، ويتمثل في اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً شرفياً للبلاد، ويعاونه في ذلك هيئة رئاسية من باقي أعضاء المحكمة الدستورية، إلي جانب تعيين حكومة من أهم الكفاءات في مصر لا يزيد أعضاؤها علي 15 فرداً مهمتها النهوض بالاقتصاد والأمن، وأن يتولي الأمن القومي مجلس الدفاع الوطني ويتكون من 16 عضواً. ويضيف: إن القوات المسلحة من خلال وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي أعلنت أنها لن تسمح بسقوط نقطة دم من أي فرد، وبالتالي أعلنت أنها إلي جانب الشعب، لأنه صاحب الشرعية الأولي، لافتاً إلي أن انتشار قواتها الآن هو مخطط مدروس لحماية الأهداف الحيوية، مضيفاً أن هذا يأتي متوافقاً مع موقف الشرطة المدنية بعناصرها الأساسية وبخاصة الضباط الصغار الذين رفضوا الانحياز للنظام علي حساب الشعب، كما أن في موقفهم هذا فرصة للمصالحة مع الشعب وعدم تكرار ما حدث في 25 يناير 2011. ويقول اللواء فؤاد علام الخبير الأمني ووكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق: لا توجد معطيات دقيقة لتقدير احتمالات الموقف بعد 30 يونيو، وإن كانت جميع المؤشرات تتجه نحو دخول البلاد في مرحلة فوضي، ولو أن الجيش أصبح طرفاً في هذا المشهد فالغلبة ستكون له باعتباره الأفضل والأقدر، رغم احتمالات التصدي له من بعض الفصائل الإسلامية، حسب قوله. ويضيف: للأسف المعارضة لا تعرف بالضبط ماذا تقول كما أن أداءها غير منظم، والخلاصة أن المعارضة ليس لديها تصور كامل يعبر عنها كمجموعة متفقة علي رأي أو سيناريو واحد، وشخصياً ليست لدي ثقة إلا في الشباب الذي قرر النزول في تظاهرات 30 يونيو للإطاحة بالنظام، فهؤلاء الشباب لديهم رؤية سياسية ناضجة ويتمتعون بدرجة عالية من الوطنية، وإن كان وصولهم إلي السلطة مسألة تحتاج إلي وقت وتضحيات. ويتابع: تدخل الجيش مسألة محسومة بالدستور والمنطق والعقيدة، ففي حال وصول الأمور إلي درجة من المخاطر علي كيان الدولة، لابد أن تتدخل القوات المسلحة من واقع مسؤوليتها التاريخية، وإن كنت أعتقد أن القوات المسلحة لا تفكر في الحكم، ولكن ما قد يحدث هو تمكين قوة سياسية تحظي بشعبية لإدارة شؤون الدولة سياسياً، وأتمني أن تكون من نصيب الشباب.