عاش أبو حيان التوحيدي في القرن الثالث الهجري.. وكان عالما وأديبا ومتصوفا، وقيل إن سبب تسميته بالتوحيدي أن أباه كان يبيع في بغداد نوعا من التمر يطلق عليه التوحيد، وهناك رأي آخر بأن التوحيدي أطلق عليه لأنه كان من طائفة المعتزلة التي تطلق علي نفسها بأنهم أهل التوحيد. والغريب أن هذا المفكر الكبير، الذي كان في نفس الوقت من الصوفية، اتهم بالزندقة والإلحاد، ولكن مؤلفات الرجل وزهده وتقشفه تقول عكس ما اتهم به! وإذا كان أبو الفرج ابن الجوزي قال في تاريخه: زنادقة الإسلام ثلاثة.. ابن الراوندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء، وأشرهم علي الإسلام هو أبو حيان لأنه مجمخ (كافر). فإن هذا الكلام لايتطابق مع ماكتبه أبو حيان في كتبه المختلفة، وكيف يكون زنديقا من يقول: إن كل حي مصيره الفناء إلا الخالق. وكان من دعائه إلي الله: اللهم خذ بأيدينا فقد عثرنا، واستر علينا فقد أعورنا، وارزقنا الألفة التي تصلح القلوب، وتنقي الجيوب حتي نعيش في هذه الدار مصطلحين علي خير، مؤثرين للتقوي، عاملين بشرائط الدين، آخذين بأطراف المروءة آنفين بملابسة مايقدح في ذات البين، متزودين للعاقبة التي لابد من الشخوص إليها، ولا محيد عن الإطلاع عليها، إنك تؤتي من تشاء ماتشاء. وكان يقول: حرام علي قلب استنار بنور الله أن يفكر في غير عظمة الله. حرام علي لسان تعود ذكر الله أن يذكر غير الله.. حرام علي نفس طهرت من أذناب الدنيا أن تدنس بشيء من مخالفة الله. حرام علي من تلذذ بمناجاة الله أن يناجي غير الله ورغم هذا الإيمان العميق، فإن صاحب كتاب (الإمتاع والمؤانسة) قد أحرق كتبه في نهاية عمره، لأنه رغم وصوله إلي سن الثمانين لم يلاق التقدير الكافي، وعاش حياة فقيرة مما دفعه إلي التخلص من معظم كتبه التي لم تحقق له ما كان يرجوه من مجد ورفعة!