عرف المخرج البولندي الشهير (جروتوفسكي) المسرح الفقير بقوله: من خلال التجريب المسرحي كنت أحاول أن أجد إجابات للأسئلة التي بدأت بها مثل : ماهو المسرح؟ وما الذي ينفرد به عن غيره من الفنون؟ ما الذي يستطيع المسرح أن يفعله ويعجز عنه الفيلم والتليفزيون ونشأ عن ذلك مفهومان محددان هما: مفهوم المسرح الفقير والعرض المسرحي كنوع من الاقتحام.. فقد اكتشفنا أن في المسرح كثيرا من العناصر الزائدة علي الحاجة وأنه بالإمكان إلغاء هذه العناصر فالمسرح يمكن أن يوجد دون مكياج أو ملابس أو مناظر مسرحية ودون مكان للتمثيل منفصل عن مكان الجمهور بخشبة مسرح ودون إضاءة أو مؤثرات صوتية.. ويذكر فرحان بلبل في كتابه شئون وقضايا مسرحية أن مصطلح المسرح الفقير لايعني اتجاها أو مدرسة ذات أصول وقواعد كما في الكلاسيكية والواقعية أو بل هو وصف لنوع من العروض المسرحية التي تعتمد التقشف في المساعدات الفنية كالديكور والإضاءة والملابس مؤكدة علي عنصري المسرح الأساسيين وهما الممثل والكلمة وانتشر هذا النوع في سوريا والوطن العربي وأنحاء كثيرة من العالم منذ بداية ستينيات القرن العشرين وانتشر انتشارا واسعا في سبعينياته وبدأ في الانحسار عن خشبات المسرح منذ أواخر الثمانينيات وكان ردا حاسما علي إبهار أدوات السينما والتليفزيون مستخدما أدوات وهجرة أخري وبقي منتصرا مع الحياة ويقول في ظل ذلك كله كان المسرح يتخلي عن دوره في جعل الحياة أنضر وأسمي وأول مظاهر هذا التخلي أن المسرح الفقير انسحب من حومة الحياة والتأثير وغاب الحديث عن مهام المسرح الاجتماعية والفكرية وارتفعت نبرة الحديث عن أشكال فنية متطورة أصبحت بديلا عن العمق الإنساني والفكري والنفسي الأثري اليوم أن (السينوغرافيا) مثلا هي المطلب الأساسي في العروض المسرحية ويعني هذا موتا لفن المسرح يوازي موت النفس العربية وبعد هزيمة 67 ظهرت في الوطن العربي مسرحيات ناقمة غاضبة وكتب الكتاب مسرحيات عديدة تصور الهزيمة وآثارها السياسية والاجتماعية قدمها المسرح والمسرح الفقير في صور وأشكال مختلفة من الإبداع وخاصة بين فرق الشباب والهواة وبعد أن واجه العرب عددا من المآسي انتهي عصر المسرح الفقير وجاء بدلا منه المسرح الفني بكل مايحمله من بهرجة وانبهار بالضوء والموسيقي والسينوغرافيا.. وزاد من سوء الوضع أن النقد المسرحي كانت له مساهمة فعالة في الترويج للخراب المسرحي الذي كان قائما علي الشكل دون المضمون فالمهم هو الموسيقي والرقص دون أي ضرورة درامية تستدعي وجودهما بالعمل الفني وتصدرت المسرحيات اسماء هزيلة بغرض جلب المشاهد بدعوي الضحك والكوميديا ويبقي السؤال هل من الممكن أن ينمو المسرح العربي في ظل غياب الديمقراطية وتأتي الإجابة القاطعة لا فالمسرح كي يعود لابد من مناخ ديمقراطي حر.