قلق وتوتر ساد الأسرة الحاكمة في إسبانيا مع فتح ملفات الفساد.. حالة من الترقب يعيشها القصر الملكي وسط مخاوف بسقوط النظام الحاكم في البلاد، بعد تورط صهر الملك خوان كارلوس وابنته الأميرة كريستينا في قضايا فساد ورشوة جديدة.. فضيحة أخري تضاف إلي سلسلة الفضائح السياسية والمالية التي تلاحق أفراد العائلة المالكة بجانب علاقات الملك النسائية وإدمانه للخمور والتي نالت من سمعته وشعبيته علي المستوي الأخلاقي والسياسي، مما جعلهم مادة دسمة لوسائل الإعلام وتبدلت صورتهم الجميلة بأخري قبيحة حفرت في الأذهان.. ولم يبق سؤال واحد يتردد ويتداول بالصحف الإسبانية عن تنازل كارلوس عن العرش لابنه الأمير فيليب حفاظاً علي استمرار الملكية وعدم تحول الدولة إلي نظام جمهوري. بعد ما يقرب من أربعة عقود في السلطة، انجر الملك كارلوس إلي فضيحة فساد تزلزل النظام الملكي في إسبانيا، إثر الفضيحة غير المسبوقة التي تواجهها العائلة المالكة، علي خلفية علاقتهم برجال المال والأعمال وتأكيد أحد شركاء صهر الملك كارلوس تورط الأميرة كرستنيا وزوجها إيناكي أوردانجارين، لاعب كرة اليد السابق والذي يقيم في واشنطن، في قضية تبديد أموال معهد نوس، وهو مؤسسة غير هادفة للربح، تهتم بالمعاقين والتي كان يديرها في الفترة 2004 إلي 2006 تم خلالها جمع 2.3 مليون يورو من التبرعات من أفراد من مؤسسات حكومية، وتم خلال هذه المنظمة تحويل أموال إلي الخارج والقيام بعمليات غسيل للأموال. كما يحقق أيضا مع زوجة ابنة الملك في قضايا صفقات تجارية فاسدة في جزر الباليار في إقليم فالنسيا الشرقي، حتي الآن لم تصدر بحق الملك أي أحكام قضائية وإن كانت التحقيقات مستمرة مما دفع الأسرة المالكة إلي إبعاد الأميرة وزوجها عن إسبانيا وانتقالهما للحياة في الولاياتالمتحدة بعيداً عن ملاحقة الإعلام. وقبل عام كان ديجو توريس الشريك السابق لأوردانجارين زوج ابنة ملك إسبانيا، ودوق بالما يهدد، بفضح العائلة المالكة، لكن هذا الرجل انتقل من مرحلة الكلام إلي الفعل. فقد وجه أصابع الاتهام إلي زوجة شريكه السابق، وهي كريستينا الابنة الثانية للملك كارلوس. وسواء كانت هذه الاتهامات صحيحة أو باطلة فإنها زرعت التوتر داخل القصر الملكي الذي يسعي منذ بدء القضية إلي البقاء بعيداً عن قضية أوردانجارين. وقد وجه القاضي الاتهام للجميع إلا ابنة الملك بحجة أنه لا يملك العناصر الجنائية الكافية لتوجيه التهمة لكريستينا. لكن مصدراً مرموقاً قال إن من المنطقي توجيه الاتهام لابنة الملك أو استدعاءها كشاهدة، لكن هذا الأمر لن يحصل لأن الدولة قد تواجه خطر نسف النظام بأكمله، إن حدث ذلك. ويحقق القضاء حاليا في مزاعم بأن رئيس الوزراء ماريانو راخوي وغيره من قادة حزبه تلقوا رشاوي من شركات علي مدي ما يقرب من عقدين. وحاولت الأسرة المالكة النأي بنفسها عن الفضيحة، فأُزيلت صور أوردانجارين وسيرته الذاتية من موقع العائلة المالكة، وعدم توجيه له دعوات حضور التجمعات العائلية كما تجنب أفرادها الظهور معه في الأماكن العامة. إلا أن توريس تحدث عن كل شيء أمام القضاء كما ذكر اسم أميرة ألمانية تدعي "كورينا زو سايويتجانستين"، التي قالت الصحافة الإسبانية إنها كانت علي علاقة خارج الزواج مع الملك. وسلم توريس، المشتبه به الرئيسي في القضية، إلي المحكمة رسائل بريد إلكتروني تورط الملك نفسه، ويزعم أن كارلوس ساعد صهره في العثور علي رعاة لمشاريعه. بل إن توريس ادعي أن القصر كان علي علم بكل ما يحدث، وأن القصر نصحه فقط ب"المحافظة علي المظاهر". كل هذا دفع "بيري نابارو" السياسي البارز من الحزب الكاتالوني الاشتراكي بمطالبة الملك بالتنازل عن العرش لابنه ولي العهد الأمير فيليب، بينما ارتفعت أصوات سياسيين ضد الملكية كنظام للحكم في البلاد وضد كارلوس كملك. وتنادي بعض الأحزاب مثل اليسار المتعدد، القوة السياسية الثالثة في البلاد بنهاية الملكية وإرساء الجمهورية. كما طالب الزعيم اليساري كايو لارا بخضوع الملك للمحاكمة إذا وجدت أدلة ضده. ويمنح الدستور الإسباني، الملك حصانة من الملاحقة القضائية، لكن الحماية لا تمتد إلي أفراد أسرته أو الحاشية. ويذكر أن أوردانجارين، لاعب كرة اليد السابق، قد حصل علي لقب دوق »بالما دي مايوركا« بعد زواجه من الأميرة كريستينا في عام 1997 والتي أنجب منها أربعة أبناء. وتضاءل تأييد الأسرة المالكة في الأعوام الأخيرة وسط انتقادات إنها بعيدة كل البعد عن الإسبان الذين يعانون من أزمة اقتصادية شديدة. وتتراجع شعبية كارلوس والعائلة المالكة بصفة عامة إلي عدة أسباب أهمها تكرر فضائح عدد من أفرادها وعلي رأسهم الملك شخصياً. فقد شهدت السنوات الأخيرة عدداً من الفضائح التي نالت من سمعة الملك علي المستوي الأخلاقي والسياسي ما نشر من صور أخبار عن قصة الحب التي تربط الملك بالأميرة الألمانية وخيانته للملكة صوفيا هذا فضلاً عن الأخبار التي تنشر من آن لآخر عن علاقاته النسائية بصفة عامة والتي تجمعت في كتاب كشف النقاب عن الخيانات الزوجية المزعومة للملك وإدمانه للخمور بشكل مبالغ فيه، أما أكثر الفضائح التي لحقت به مؤخراً ونالت بشدة من شعبيته فكانت قيام الملك برحلة لصيد الأفيال في بتسوانا في سرية بالغة ودون حتي إخطار رئاسة الوزراء بها مخالفاً للبروتوكول المتبع وبلغت تكاليف هذه الرحلة 37 ألف يورو، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية حادة وتطبق فيها سياسات تقشف علي كل المستويات، وكان الملك قد أعلن قبل الكشف عن هذه الرحلة بأيام أنه لا ينام من شدة التفكير في الأزمة الاقتصادية وفي مشكلة البطالة التي تعصف بالبلاد والتي وصلت إلي 52٪. ولولا سقوط الملك من فوق الفيل وتعرضه لكسر مضاعف في الفخذ، وخضوعه لعمليات جراحية لم تكن تفاصيل تلك الرحلة قد تم الكشف عنها. وقام الملك لأول مرة منذ توليه العرش عام 1975 إلي تقديم اعتذار رسمي وشخصي بنفسه في الإعلام الإسباني، أكد أنه ارتكب خطأ وأنه يأسف لذلك وأن هذا لن يتكرر مجدداً. وأمام كل هذه الفضائح يسعي القصر الملكي إلي تحسين صورته وزيادة شعبيته، ورغم أن الدستور الإسباني لا يجبر الملك الإعلان عن راتبه أو مصروفاته أو ذمته المالية، لكن الانتقادات الإعلامية والسياسية العنيفة اضطرته لاستعمال أسلوب أكثر شفافية مع الشعب تجاوبا مع طلباته. وأعلنت العائلة المالكة تفصيلياً عن دخلها والذي أظهر حصول الملك كارلوس علي أكثر من 293 ألف يورو كراتب سنوي في عام 2011. أما الأمير فيليب ولي العهد فيحصل علي نصف هذا المبلغ بالإضافة إلي نفقات المهام الشخصية. أما الملكة صوفيا والأميرات فيحصلن علي منح من الدولة بحد أقصي 375 ألف يورو. ويلاحظ أن كارلوس يسند الكثير من المهام الآن إلي ولي العهد، كما أن الأمير فيليب ينوب عن والده في كثير من المهام الرسمية مما جعله أمل الأسرة في استمرار النظام الملكي في إسبانيا. واعتلي الملك كارلوس العرش بعد وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو عام 1975 بناء علي طلب من الدكتاتور نفسه، وكان ينظر إليه في البداية علي أنه من صنيعة فرانكو. ونال الملك احترام رعاياه بعد إحباط محاولة انقلاب عسكري ضد الديمقراطية الوليدة في إسبانيا عام 1981. لكن شباب اليوم لا يتذكرون تلك الأحداث، ونصفهم تقريبا يفضل التحول من الملكية إلي الجمهورية، وفقا لاستطلاع أجري عام 2011. وقام المتظاهرون في السنوات الأخيرة بحرق صور للملك والملكة صوفيا في إقليم كتالونيا بشمال شرق البلاد، الذي يشهد حركة انفصالية متنامية. ولذلك سيكون تحريك المتابعة القضائية في حق الدوق أوردانجارين، زوج ابنة الملك كارلوس، أول امتحان للأسرة المالكة في أسبانيا منذ أكثر من 3 عقود.