عقب ثورة يناير 2011 انتفض الشارع المصري بالعديد من الاحتجاجات، ومن مختلف الفئات منهم من يبحث عن عمل ومنهم من يبحث عن الأمان وحقوقه الضائعة، إلا أن هذه الاحتجاجات بدأت تأخذ مساراً آخر، يتسم بالعنف وقطع الطرق، وغيرها مما أدي إلي ما يشبه حرب الشوارع بين المحتجين والشرطة، فضلا عن حجم الاحتجاجات التي قد تصل إلي 4 احتجاجات كل ثلاث ساعات. حيث قال تقرير صادر مؤخرا عن المركز التنموي بالتعاون مع مؤسسة وثائق حكومية عن الاحتجاجات التي شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة، إن البلاد شهدت خلال شهر فبراير الماضي، 864 احتجاجا بنسبة تضاعفت عن احتجاجات يناير، بمتوسط 31 احتجاجا يوميا، 4 احتجاجات كل ثلاث ساعات، و216 احتجاجا أسبوعيا، للحد الذي حققت فيه أعداد الاحتجاجات أعلي مستوي لها خلال العقود الماضية. أما عن الفئات التي قادت مسيرة الاحتجاجات خلال شهر فبراير فقد أوضح التقرير أن أبرزها كان ثلاث فئات رئيسية وهم العمال والمهنيون والمحتجون علي بيئة العمل كطرف أول بنسبة تعدت ال 40٪ بينما كان الأهالي في المركز الثاني، ومثل النشطاء الجناح الأساسي الثالث في العملية الاحتجاجية، فيما انضمت فئات جديدة للاحتجاج مثل البرلمانيين والعسكريين المتقاعدين والاتجاه الرافض لسياسة النظام، بينما كانت الشرطة من أهم الفئات التي لفتت أنظار الجميع بتنفيذها لعدد كبير جدا يتجاوز ال50 احتجاجا خلال هذا الشهر، وفي المقابل مثلت سببا يحتج ضده الشارع مطالبا بعودة الأمن وحماية أرواح المواطن. وأشار التقرير إلي زيادة استخدام أساليب العنف الاحتجاجي مثل قطع الطرق وحصار وغلق الهيئات ومحاولات الانتحار واحتجاز المسئولين، بالشكل الذي يسمح لأي نظام قمعي بالدفع بالمحتجين لانتهاج تلك الوسائل ثم استخدامها كسلاح ضد المحتجين ومطالبهم . وكان من أهم أسباب الخروج للاحتجاج التي ذكرها التقرير البحث عن العمل والخروج من عباءة البطالة، والبحث عن فرصة مناسبة وعن أجر مناسب وعن الحقوق المنتهكة، حيث خرج الشعب أول مرة ليسقط النظام الذي رأي فيه تكرارا لنفس النظم القمعية التي ذاق مرارة قمعها لعقود، وخرج طالبا فرصة للتعليم وصارخا بحمايته من ويلات الانفلات الأمني، في حين طالب رجال الأمن بتطهير الداخلية، وتسليحهم، والسماح بإطلاق لحاهم، واعتراضهم علي منعهم من التظاهر. فيما كانت إحدي حالات الانتحار ما قام به أحد المواطنين باعتلاء مبني دار القضاء العالي، مهددا بالانتحار بالقفز من أعلي البناية بسبب فشله في إنهاء بعض الإجراءات داخل المبني. حيث قام باحتواء الموقف رجال الدفاع المدني بالقاهرة، وقاموا بمحاولات لإنقاذ المواطن سعد سليمان (موظف ببنك مصر) بعد صعوده فوق المبني، محاولا الانتحار بعد تقدمه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه، سوزان مبارك وأحمد عز ورئيس بنك مصر، بحصولهم علي 38 مليار جنيه دون وجه حق، وعندما علم بحفظ البلاغ قرر الانتحار من أعلي مكتب النائب العام. من ناحية أخري، تعددت حالات قطع الطرق ومحطات السكك الحديدية والحركات المرورية وغلق الشوارع، حيث تعددت خلال شهر فبراير حالات قطع العشرات من المجهولين الحركة المرورية أعلي كوبري 6 أكتوبر، وقيامهم بحرق سيارات الشرطة في نزلة الكوبري المؤدية لميدان عبدالمنعم رياض، مما ترتب عليه شل الحركة المرورية وتوقفها تماما. بالإضافة إلي ذلك تجمع نحو 150 من أهالي بندر منية النصر أمام شركة الكهرباء لتضررهم من تكرار انقطاع التيار الكهربائي، وفي شمال سيناء تجمع 100 من العاملين بمصنع أسمنت سيناء الكائن بدائرة قسم شرطة الحسنة أمام ديوان عام المحافظة بدائرة قسم شرطة أول العريش، متضررين من قيام بعض البدو باعتراض طريقهم حال ذهابهم وإيابهم للعمل بالمصنع. وفي أسوان تجمع نحو 200 من أهالي قري الخريجين بمنطقة وادي النقرة أمام مبني المحافظة بدائرة قسم شرطة أول أسوان لتضررهم من انقطاع مياه الشرب والري بسبب عدم قدرة محطة رفع المياه رقم 5 عن العمل وتباطؤ مهندسي الري في إصلاحها. كما قطع الأهالي بقرية الشوبك الغربي بالبدرشين شريط السكة الحديد والطريق الزراعي، علي مدار10ساعات متواصلة، وتسبب تجمهر الأهالي علي شريط السكة الحديد مما تسبب في تعطل أكثر من 15 قطارا قادما من الصعيد للقاهرة والعكس، مما جعل الركاب يتركون القطارات ويترجلون علي أقدامهم إلي الطريق الزراعي بحثا عن أي مواصلات. كذلك احتجاز خمسة من العاملين بالقوة الرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات داخل أحد مكاتب سنترال الأوبرا لمدة21 ساعة متواصلة، واحتجاز طلاب كليتي الطب البيطري والآداب بجامعة المنصورة رئيس الجامعة لنحو ساعتين داخل سيارته بالحرم الجامعي عقب إعلان نتيجة انتخابات رئاسة الجامعة . واحتجاج المئات من حملة الماجستير والدكتوراه أمام مقر حزب الحرية والعدالة بمنطقة عابدين،لمطالبتهم بتعيينهم في الوزارات والمصالح الحكومية أسوة بنجل الرئيس محمد مرسي، بعد انتشار خبر تعيينه في وزارة الطيران . ومن أهم الاحتجاجات التي كانت مؤخرا احتجاجات بور سعيد الأخيرة حيث شهدت المدينة الساحلية حالة من الاضطرابات وأعمال العنف والغضب خلال الفترة الأخيرة ومنذ الحكم في نهاية يناير الماضي، والحكم الثاني الذي صدر مطلع الأسبوع الجاري واستمرت الاحتجاجات مابين الأهالي وألتراس أهلاوي ومصري وشهدت المحافظة أعمال العنف منها إشعال المحتجين إطارات السيارات في محيط المديرية مع محاولات الاقتحام لمبني المديرية، كذلك حالات التراشق بالحجارة بين المحتجين والشرطة . يقول إسلام محمد (25 سنة) من حملة الماجستير إن الاحتجاجات التي تشهدها مصر الآن بصورة وأعداد كبيرة نتيجة لضياع الحقوق وعدم المساواة، فليس هناك أي نوع من أنواع تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، فهناك الرشاوي والوسائط، وكل ذلك يشكل إحباطا للآمال ولثورة قامت من أجل الحصول علي الحقوق، ولكن بعد عامين من الثورة لم يتحقق شيء وكل ضائع في مجاله لذلك من الطبيعي أن تتضاعف الاحتجاجات والاعتراضات كل عام وكل شهر . وتقول جميلة إبراهيم (26 سنة): لقد ضاقت السبل بالكثير ولم يبق سوي الاحتجاج للتنفس رغم أنها لم تأت بأي نتائج، ولكن نحن في حاجة لسماع الشكاوي، والعمل علي حلها لتجنب كثرة الوقفات الاحتجاجية وما قد يترتب عليها من أضرار اقتصادية أو اجتماعية، لذلك فالمشكلة تحتاج إلي الحل من الجذور وهي الالتفات لمشاكل المواطنين والعمل علي حلها . ويؤكد سليم عبدالعزيز - 30 سنة - أن المشهد لا يتغير حتي تتضح ملامح الأيام القادمة أو نشعر ولو بتغيير طفيف ويحصل كل علي حقه في مجال عمله أو دراسته وأن تتحقق العدالة بمختلف المجالات، وإن كان الوضع أصبح أشبه بالشد والجذب ما بين المحتجين والمسئولين لذلك لابد من الانتباه من المسئولين . وعن استخدام أساليب العنف الاحتجاجية يقول سليم إن ذلك ليس الحل السليم، لأن العنف يزيد من حدة المشكلة، والاحتجاج ليس في إستخدام العنف، بل الاحتجاج هو عرض للمشكلة ولفت انتباه للمسئولين للعمل علي حلها أو الاهتمام بفئة معينة، لكن أعمال العنف ستهوي بالدولة والمواطنين . ومن جانبه يقول د. رشاد عبداللطيف أستاذ علم الاجتماع إن الإضراب يكمن معناه هو الامتناع عن العمل بصورة فردية أو جماعية؛ للضغط علي جهة لتحقيق مطالب معينة، بخلاف الحالات الفردية التي يحدث فيها إضراب عن الطعام لتظلمهم من قرار معين، وقد يتشابك المفهوم مع عدة أعمال احتجاجية أخري مثل المظاهرة والاعتصام، لذلك عندما تحتج المحافظات جميعها في شكل لا مركزي تتشارك فيه جميع المحافظات بقوة في القيام باحتجاجات تعبر عن غضب المواطن فإن علي الدولة أن تعي جيدا أنه لابد من احتواء المشكلة والعمل علي حلها. وأضاف : تضاعف الاحتجاجات والمظاهرات بعد الثورة ليس بغريب،فهذه الاحتجاجات تعكس وضعاً غير متوازن تحققت فيه مكاسب سياسية نسبية ولم تتحقق فيه أي مكاسب اجتماعية قط، ولعل عدم صدور قانون الحريات النقابية أبرز أسباب هذه الاحتجاجات، فقد مر هذا القانون علي الجميع ولم ينظر له أحد بعين الاعتبار أو إقراره بداية من المجلس العسكري الذي تولي حكم البلاد عقب سقوط النظام السابق وانتهاء بالبرلمان المنحل، فالحل بسيط لو قام المحتجون بإعطاء إشارة جادة إلي أنهم علي استعداد لتنظيم أنفسهم والتفاوض مع المسئولين فيما يخص حقوقهم المشروعة، وإعطائهم الجهات المسئولة أهمية وأصرت الإدارات الحكومية علي التعامل معهم باعتبارهم أصحاب مشكلات يجب حلها وكان هناك لغة حوار ستختفي هذه المشكلة رويدا رويدا . ويري د. حمدي حافظ أستاذ علم الاجتماع أنه علي الرغم من أن موجة الاحتجاج الاجتماعي الحادثة في مصر الآن عارمة، إلا أنها غالبا ما تجري في جزر صغيرة منعزلة، في مصنع هنا ومصنع هناك، في قرية هنا وفي حي عشوائي هناك، لا تخطئ عين أي مراقب حينما تلاحظ أن تلك الإضرابات تحتاج إلي من ينشئ روابط بينها، والمراقب يلحظ بوضوح تصاعد وتيرة الاعتصامات والإضرابات بوازع إحدي فكرتين إما الإصلاح السياسي والدعوة لإطلاق الحريات أو ضنك العيش والغلاء وارتفاع الأسعار وعدم مناسبة الأجور، وإن كان الوازع الأخير أعطي الاحتجاجات زخما أكبر وانتشارا أوسع وأصبح أكثر تهديدا لأمن نظام الحكم. كما تشهد الإضرابات مع تكرارها تنامي خبرة تنظيمية لمن يقومون بها وإصراراً علي تحقيق مطالبها،ولم تقتصر الإضرابات علي المصانع أو فئات بعينها، بل تعدتها إلي مصالح حكومية، بل إلي قاطني الأحياء العشوائية المتضررين من ظروف حياتهم، وعلي الرغم من بيع المصانع الحكومية الكبيرة وخصخصتها وتجزئتها إلا أن الحركة الإضرابية قد انتشرت في مؤسسات صغيرة الحجم بشكل متوالية هندسية يصعب التحكم فيها. ومن اللافت للنظر في هذه الموجة الاحتجاجية تعاظم الدور النسائي ومشاركة بعض الموظفات والعاملات المصريات في قيادة الإضرابات والاعتصامات، لذلك فإن موجة الإضرابات الأخيرة تدق ناقوس الخطر لذلك لابد من طرح سيناريو التغييرحيث إن ازدياد وتصاعد تلك الموجة وخلقها ضغطاً من أسفل إلي أعلي، قد يخلخل من قوة نظام الحكم.