أكد الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والأمين العام السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية أن المشهد الحالي الذي تمر به مصر بائس بسبب الفوضي وعدم الاستقرار والعنف بين فئات المجتمع وإصرار كل طرف علي التمسك بأجندته السياسية والحزبية وعدم التنازل لصالح الوطن. وقال د.الجندي في حوار مع »آخر ساعة« إن الدعوة إلي المليونيات تعوق الإنتاج وهذه حصيلة سياسات غير رشيدة. وأضاف أن وضع شروط مسبقة للدخول في حوار يجعلنا ندور في حلقة مفرغة تضر بالبلاد.. داعيا مؤسسة الرئاسة إلي وضع مؤشرات جادة للحوار مع المعارضة من خلال تشكيل حكومة إنقاذ وطني تتمتع بالكفاءة والقدرة علي تحمل المسئولية في الوقت الراهن. وطالب القوي السياسية المتخاصمة بتغليب لغة العقل ومصلحة الوطن علي المصالح الشخصية الضيقة. وأشار الدكتور الجندي إلي أن تعثر مبادرة الأزهر يرجع إلي القوي السياسية التي تتعامل علي أرض الواقع وتنحاز إلي الأهداف الضيقة والرغبة في الاستئثار والمغالبة والعناد وليس التحاور. وكشف عن قضايا شائكة ومثيرة جاءت في هذا الحوار: كيف تري المشهد الحالي الذي تمر به مصر؟ مشهد بائس بسبب الفوضي وعدم الاستقرار والعنف بين فئات المجتمع وماتمر به البلاد حاليا يهدد المسيرة السلمية ويدق ناقوس الخطر حول تفاقم الأزمة الاقتصادية، وأقول من الصعب أن نتنبأ بالأحداث المقبلة وذلك نتيجة عدم التوافق وإصرار كل طرف علي التمسك بأجندته السياسية والحزبية وعدم التنازل لصالح الوطن والمساهمة بجدية في تقديم مصلحة مصر فوق هذه الطموحات التي إذا استمرت ستصل بالبلاد إلي مرحلة المخاطر والتهلكة وهذا ما حذر منه القرآن الكريم في قوله تعالي »وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ« فما نلاحظه الآن من مواجهة المواطن لأخيه بطريقة لم يألفها المجتمع المصري وهو مايجعل التنازل وليس التوافق سمة هذه المرحلة، كما يعد من الآفات الخطرة التي تواجه حاضر ومستقبل هذا الوطن، وأتساءل هل يمكن أن تعتصم كل القوي السياسية بالصبر علي هذه الطموحات ومن الاستيلاء علي السلطة حتي يمكن عبور هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر؟ ما انطباعك عن أحداث العنف التي يشهدها الشارع المصري بين الحين والآخر؟ انطباع صادم ومحبط فالوطن يواجه بعقبات ومعوقات الفوضي والصدام وأعمال العنف المتنامية والتي لايوجد تعامل رشيد معها يمكنه أن يضع حدا لها.. فيجب علي مؤسسة الرئاسة وجبهة الإنقاذ الخروج من هذا النفق المظلم الذي تعيشه البلاد بتقديم التنازلات وهذه ليست تنازلات بل واجبات واستحقاقات لصالح الوطن والمواطنين، وليعلم الجميع أن مشاهد العنف التي باتت مسلسلا يوميا علي شاشات التلفاز والفضائيات أصبحت تقدم سمعة سيئة ومشوهة للثورة وللمصريين في أعين العالم، وتشكك في قدرة من يطلق عليهم النخب السياسية ومن هنا أطالب بأن يغير كل طرف موقفه من الطرف الآخر من أجل تحقيق أهداف الثورة في العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. لكن هناك من يتهم قوي المعارضة بأنها المسئولة عن أعمال العنف؟ أختلف مع هذا الرأي، وإن كنت أري أن المعارضة مسئولة، لكن المسئولية لاتلقي عليها وحدها فمؤسسة الرئاسة والحزب الحاكم مسئولون أيضا عن الخلل الحالي وإتلاف الممتلكات وتعطيل العمل، وأقول إن الدعوة إلي المليونيات تعوق الإنتاج وهذه حصيلة سياسات غير رشيدة وتعامل من جانب المعارضة علي أساس المصالح الضيقة فإصلاح هذا الخلل والخروج من هذا المأزق يكون بالتوافق وبالحوار الجاد وفقا لآليات واضحة ومحددة بحيث يشارك فيه كل الرموز الوطنية وجها لوجه علي أساس الندية والإخلاص من أجل الوصول إلي حلول تخرج البلاد من كبوتها الحالية وحالة الارتباك والحيرة التي تنتاب كل مصري من عدم الأمان والاستقرار.. فالحوار مهم جدا ويجب علي الفرقاء المتخاصمين المختلفين تغليب لغة العقل ومصلحة الوطن علي المصالح الشخصية الضيقة وهذا يتمثل في دعوة القرآن الكريم في قوله تعالي »تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ «. كيف تقرأ موقف جبهة الإنقاذ الرافض للحوار؟ موقف جبهة الإنقاذ من الحوار خاطئ لكن للإنصاف ليست هي المخطئة وحدها لأن الدعوة للحوار ينبغي أن تكون جادة وليست شكلية بأن تبدي مؤسسة الرئاسة والتي بيدها صنع القرار موقفا إيجابيا من الدعوة للحوار، فمن الممكن أن تكون هناك مشاركة حقيقية لأطياف القوي السياسية وترجمة ذلك في شكل عملي بالاستعداد بتشكيل حكومة ائتلافية تسند فيها الوزارات إلي شخصيات تتمتع بالكفاءة والقدرة علي تحمل المسئولية فمنظور الإسلام في تقلد الوظائف يستند علي الكفاءات القادرة علي القيام بالمهام المسندة إليها لإنقاذ الوطن من خطر محدق. لكن الجبهة تضع شروطا مسبقة للمشاركة في الحوار؟ وضع شروط مسبقة للدخول في الحوار يجعلنا ندور في حلقة مفرغة تضر بالبلاد وبالمواطنين ضررا جسيما لكن ينبغي كذلك أن تكون من جانب مؤسسة الرئاسة مؤشرات واستعدادات جادة للحوار مع المعارضة، وألا تكون الدعوة للحوار تنطوي علي الاستعلاء وعدم التكافؤ بين الفريقين المتحاورين، فالحوار إنما يكون بين طرفين مختلفين ولكي ينجح ينبغي أن تظهر مؤسسة الرئاسة الشفافية والإيجابية نحو قبول بعض مطالب المعارضة الكفيلة بعبور الأزمة ووقف التدهور في وضع البلاد السياسي والاقتصادي. كيف تري المبادرات التي طرحت للخروج من الأزمة؟ المبادرات التي طرحت إيجابية فمثلا مبادرة الأزهر كانت إيجابية وفعالة لكونها تقوم علي أسس وثوابت دينية ووطنية لكن الإشكالية تكمن في عدم الاستجابة الحقيقية من جانب القوي السياسية المتصارعة وعدم تطابق المعلن عنه من أقوال وتصريحات مع المواقف تجاه هذه المبادرة علي أرض الواقع.. فلم يتم تفعيل هذه المبادرة رغم توقيع الجميع وعليها كما لم تتفعل المبادرات الأخري التي طرحت للخروج من هذا المأزق وأقول إن السبب في تعثر المبادرات هو عدم الرغبة الحقيقية من جانب الطرفين لتفعيل هذه المبادرات فتعثر مبادرة الأزهر يرجع إلي القوي التي تتعامل علي أرض الواقع وتنحاز إلي الأهداف الضيقة والرغبة في الاستئثار والمغالبة والعناد وليس المشاركة والتحاور والتسليم بحق الأغلبية الصامتة في تحسين أحوالهم ووقف نزيف الخسائر المادية والاقتصادية. لكن كيف تري إصرار المعارضة علي تشكيل حكومة إنقاذ وطني؟ هناك تسويف وإرجاء لتشكيل مثل هذه الحكومة وإبقاء الأوضاع علي ماهي عليه حتي تأتي انتخابات مجلس النواب بالرغم من أن مثل هذا الرأي لاتحتمله الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد من تدني الوضع الاقتصادي، فالوطن في حالة ضرورة والضرورة تقدر بقدرها، ومن هنا فاتخاذ القرار الحاسم للخروج من هذه الأحوال السيئة إنما يكون في أقرب وقت لإنقاذ البلاد والعباد حتي لايفوت الأوان ونصبح أمام أوضاع مدمرة. أثارت فتوي د.محمود شعبان بالتحريض علي قتل رموز المعارضة جدلا واستنكارا في الشارع المصري، فكيف تري هذه الفتوي خاصة أنها تصدر من أزهري ينتمي إلي مؤسسة الأزهر؟ هذه الفتوي لاتعبر عن فهم صحيح للحديث الذي استشهد به فهو فهم لظاهر النص دون تعمق في معانيه أو دلالته ودون أن يتعرف علي أوضاعه وملابساته وإهمالا لنصوص أخري، بل لمقصد أساسي من مقاصد الشريعة الغراء وهو حفظ النفس الإنسانية، فمثل هذه الفتوي أو هذا الرأي تنحدر بالبلاد إلي مستنقع الفوضي وإزهاق الأرواح ونقص بنصوص واقعية وصريحة في ضرورة الحفاظ علي الدماء، فإن قتل نفس إنسانية واحدة هي من قبيل الإفساد في الأرض وخروج عن الأوامر الإلهية كما جاء في قوله تعالي »أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا« فهذا الرأي الخاطئ هو خطأ وخطيئة جدير بصاحبه أن يتفهم منهج الإسلام الحاسم في حرمة الإنسان خاصة أنه ينتمي إلي مؤسسة الأزهر التي تعتصم لفكر أهل السُنة والجماعة وليس من هذه التفسيرات الشاذة التي تفتح أبواب جهنم ضد الدين والوطن التي تظهره بأنه دين دموي وضد الوطن فإذا استجيب لهذه الفتوي فمن شأنها أن تفجر حربا أهلية، ولذلك فقد اجتمع مجمع البحوث الإسلامية وناقش هذه الفتوي وأبان عن موقف الإسلام الصحيح في الحفاظ علي حرمة النفوس وموقف الأزهر الدائم والقطعي الذي جاء بغض النظر عن هذه الفتوي في الوقف الحاضر أو في المستقبل. انتقد البعض زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلي مصر والأزهر.. وذلك خوفا من تصدير المذهب الشيعي إلينا، فما ردكم علي هذه المخاوف؟ الزيارة تصب في الاتجاه الصحيح نحو جمع الشمل بين قادة العالم الإسلامي، وبالتأكيد فإن أي تقارب بين مذهب أهل السُنة والشيعة هو أمر مطلوب في كل وقت، لأن فيه دعما لوحدة الأمة، لكن هذا التقريب ينبغي أن يتم علي أسس واضحة وذلك بالالتزام بعدم تصدير المذهب الشيعي إلي الدول السُنية خاصة مصر معقل الأزهر وهي أعرق مؤسسة سُنية، وفي ذات الوقت الامتناع عن الإساءة إلي الصحابة وأمهات المؤمنين وإظهار التقدير لكل صحابة رسول الله [ لأنه ينطبق عليهم قوله تعالي » وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه«ُ وبالتالي أقول إن موقف الأزهر هو رسالة إلي الأخوة في إيران للالتقاء والتوافق علي أسس ترسي السلام الديني بين أبناء الإسلام المختلفين في بعض المسائل والرؤي علي أسس سديدة وصحيحة تستند إلي أصول الشريعة الغراء وتعمل علي توحيد الصف الإسلامي في مواجهة التحديات المعاصرة ضد الإسلام والمسلمين.