يخطئ من يظن أن فرقاء السياسة في مصر يمكن أن يتفقوا علي طريق واحد يقود البلاد إلي مصلحة وطنية علي أرض الواقع; لأن التوصل إلي تلك المصالحة يرتبط بتقديم تنازلات لا يعرفها المتصارعون علي السلطة. ولم تكن مبادرات الخروج من المأزق التي تسابقت فيها قوي سياسية أحزابا وأفرادا لتحقق أي نجاح يذكر في المرحلة الماضية لأن بعضها كان يعبر عن وجهة نظر من يقدمها ومصلحته, وليس مصلحة الوطن, وتسببت تلك الرؤية الضيقة في نسف مبادرات أخري استهدفت مواجهة الخطر بصدق مع النفس ومصداقية مع الوطن وفي مقدمتها مبادرة الأزهر لنبذ العنف التي أصابها خرطوش الأمن والمتظاهرين, ودعوة وزير الدفاع للحوار التي وأدتها الأرواح الشريرة في مهدها. ومثلما تسابقت قوي سياسية علي التقدم بمبادرات فقد تحالفت أيضا- اتفاقا واختلافا من أجل ضربها في مقتل حيث كانت غالبية تلك المبادرات تفتقد للشفافية وحسن النية وصب بعضها في صالح المشروع الإسلامي دون حساب التيارات السياسية الأخري, في حين لجأ غير الإسلاميين إلي وضع شروط يصعب تحقيق الكثير منها مثل إسقاط النظام سواء برحيل الرئيس المنتخب أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة, كما أن غالبية المبادرات تكاد تتفق علي الملامح الرئيسية وتختلف علي آليات التنفيذ, يضاف إلي ذلك وجود قوي من عينة الأحزاب والأفراد تحت الطلب تبارك دعاوي الحوار السرية, وتتآمر في الغرف المغلقة, وتجمل الصورة أمام الفضائيات, وهذا كله نجح في تحويل دعوات الحوار والمصالحة إلي مجرد شو ل عرائس الماريونت التي تحركها أيد مرتعشة من وراء ستار. وأري أن مصر الدولة تعاني من نفس أزمة مصر الثورة فقد كانت ثورة25 يناير تتحرك دون قائد ملهم, وهو ما تعاني منه البلاد في الوقت الحالي, فقد ضاعت هيبة كل الأشياء بفعل الفوضي السياسية, ولم تعد هناك مكانة لجهة, ولا قامة لمكان, ولا مقام لشخص, فالكل في مرمي النيران والإهانات والاتهامات والتخوين. وهذا كله, جعل المبادرات تتصادم وتحدث انفجارا سيستمر أثره في المزيد من العنف والاتجاه نحو مصير الدولة الفاشلة والحرب الأهلية وهو ما جعل القوي السياسية تبتكر طرقا جديدة للحوار والمصالحة تؤصل للفوضي والانفلات, مثل إنشاء جبهة الضمير في مواجهة جبهة الإنقاذ, وميليشيات سرية برعاية حكومية في مواجهة مجموعات بلاك بلوك, ولجان الكترونية للجهاد والنضال علي الكيبورد في مواجهة هتافات ميادين الثورة مع تواصل دور الأحزاب والأفراد الذين يعيشون تحت الطلب يحللون القتل ويزينون المعتقلات ويقنعون قصاصي الأثر بأن التعذيب مثل الكي بالنار يستهدف تخفيف الألم. لهذا لن تنجح مبادرات المصالحة الوطنية بنفس السرعة التي وصلت بها مصر إلي معارك الصراع علي السلطة أو التي تسير بها في اتجاه الحرب الأهلية والفشل الاقتصادي! رابط دائم :