مضي من الزمن عامان علي ثورة الخامس والعشرين من يناير تقلبت خلالها أحوال مصر وعاني شعبها خلال الفترة الانتقالية من ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد حتي ظن الكثيرون أن الثورة تندفع بقوة إلي الخلف وليس للأمام، لكن لا أحد من الأسوياء يتمني العودة لزمن سلبت فيه بل وقمعت الحريات وساد الفساد حتي أصبح جزءا لا يتجزأ من نسيج الدولة وهياكلها الإدارية، وفي عام الثورة الثاني الذي يكتمل هذا الأسبوع، كانت التوترات الحادة هي السمة البارزة في المشهد السياسي برمته والذي انعكس علي العلاقات حتي داخل الأسرة الواحدة ولعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورها السلبي في تعميق هذه الخلافات، أما اللاعب الذي أسهم بالدور الأكثر سوءا فكان الإعلام خاصة الفضائيات التي لم يهدأ لها بال طوال شهور السنة في زيادة معاناة المصريين وكأنها تتلذذ بتعذيبهم ليلا وتكمل الصحف الخاصة المهمة نهارا بنجاح باهر!! ب المشهد السياسي شهد توترات بالغة الصعوبة تداخل فيها السياسي بالأمني بالقضائي بالاقتصادي بالاجتماعي وكأننا أمام سيمفونية نشاز يعزف فيها كل موسيقي ما يحلو له، في النصف الأول كان هناك برلمان نتفق أو نختلف علي أدائه لكن أطاح به حكم من الدستورية العليا وحكومات متوالية متواضعة الأداء وموجات متواصلة من الإضرابات والاعتصامات والمليونيات ثم جاءت انتخابات الرئاسة بمرحلتيها والتي انتهت بمرشحين أحدهما ينتمي للنظام القديم والآخر للتيار الإسلامي وخيبة أمل واسعة لدي المرشحين الذين خرجوا من السباق ليبدأ بعضهم عملية تصفية حسابات ماتزال إلي يومنا هذا في خروج علي الأعراف الديمقراطية التي تعلي من إرادة الشعب وخياراته وقبول من لم يختره الصندوق بنتائجه، ومن الأيام وليس الأسابيع أو الشهور الأولي للرئيس الجديد بدأت عملية مطاردة وملاحقة للرجل في حركاته وسكناته وشخصه وأسرته ومن ينتمي إليهم تجاوزت كل المعايير الموضوعية والمهنية والأخلاقية من جانب السياسيين والإعلاميين والنشطاء وغيرهم وكأنهم يعاقبونه والشعب الذي اختاره رئيسا، وجاءت حادثة رفح المؤلمة وماحدث خلال جنازة الشهداء لتسدل الستار علي وجود المجلس الأعلي للقوات المسلحة ودوره في المشهد السياسي ولتبدأ فصول صراع جديد بين القوي الليبرالية واليسارية والرئاسة واتهام الرئيس بالديكتاتورية لجمعه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولو لحين كما امتد الصراع لإسقاط الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي مضت في مهمتها رغم الملاحقة القضائية وأزمة الإعلان الدستوري وأحداث الاتحادية وماسقط فيها من ضحايا واستمرار التأسيسية في عملها حتي سلمت مسودة الدستور للرئيس الذي دعا الشعب للاستفتاء عليه في 51 ديسمبر الماضي والمحاولات المستميتة لقوي المعارضة لإجهاض عملية الاستفتاء والرهان علي رفض الشعب له لكن قرابة الثلثين من الناخبين قالوا نعم للدستور في مرحلتي الاستفتاء لتتواصل رهانات المعارضة الخاسرة من استفتاء مارس 1102 مرورا بانتخابات البرلمان إلي الرئاسة وصولا لاستفتاء الدستور الأخير. ب عام من الاحتقان المستمر واضطراب المشهد السياسي وتوظيف الشارع وانقطاع الصلات بين الحكم والمعارضة رغم جلسات الحوار الوطني المتواصلة، دولة القانون مازالت حلما يتمني الجميع وجودها علي أرض الواقع، الأمن لم يستعد دوره المطلوب رغم التضحيات التي يقدمها من رجاله علي فترات متقاربة لكن الثقة لم تعد بعد بينه وبين الشعب، لكن ثمة تساؤل يطرح نفسه بقوة : هل قوة المال وحدها وراء الانفلات غير المسبوق في الإعلام والفضائيات تحديدا وكذا الصحف التي تدعي بالمستقلة وهي ليست بعيدة عن تأثير ذلك المال أم أن هناك قوي لاتظهر عادة في الأضواء تقف وراء هذا الانفلات والتفسير الوحيد هو أن الدولة العميقة من إرث مبارك لاتزال تمارس دورها من خلف الستار لإعادة دوران العجلة للخلف وإسقاط النظام الجديد لاستعادة أدوارها فلا يزال لتلك الدولة رجالها في كل مكان وهم عند الحد الأدني يمارسون دورا سلبيا وفي حدود أعلي التآمر المباشر لنشر الفوضي واليأس والإحباط في نفوس المصريين! ب المعارضة أيضا هي أقرب للورقية وللرمزية منها للحقيقية التي تملك قواعد شعبية وكوادر حزبية ولاتقدم الحلول أو البرامج التي تجعلها قريبة من نبض الجماهير ومعاناتها فأقصي ماتفعله عقد المؤتمرات الصحفية التي تحتشد بعشرات الكاميرات وإلقاء الخطب النارية ومحاولة حشد الشارع لكن الأخطر هو تحالفاتها مع فلول النظام السابق وهو ماهز ثقة شباب هذه القوي في نقاء وثورية تلك القوي كما تدعي، الشارع المصري لايشعر بوجود حقيقي لتلك القوي وما تستطيع أن تقدمه لها، لم تطرح المعارضة مشروعا وطنيا واحدا ولا حلا لمشاكل الجماهير الحياتية، لا أحد يقول إن الأداء للحكومة وأجهزة الدولة يرقي لمستوي طموحات الناس لكن المشكلة أن كل خطوة للأمام تقابل بالتشكيك والتفتيش في النوايا وعرقلة تلك الجهود، والأخطر تلك النغمة السائدة في أجهزة الإعلام وهي استثمار الكوارث ومايسقط فيها من ضحايا في الدعوة لإسقاط النظام وكأنه الحل الوحيد، ومن يتابع الفضائيات والصحف الخاصة يمكن أن يصاب بحالة من الاكتئاب الوجداني بسبب ذلك الكم الهائل من الأخبار والتناول الإعلامي لكل ماهو سلبي دون بصيص أمل واحد، لانقول إن صورة الأحوال في مصر وردية ومبهجة أو سارة لكن لم نصل بعد لتلك الحالة من القتامة والسوداوية وبدلا من أن يأتوا بالخبراء والمتخصصين ليقدموا حلولا لمشاكلنا يستدعون من يقيم سرادق عزاء مفتوح!! ب نحتاج أن يتوقف البعض عن الصراخ وغلق أبواب الأمل في وجوه المصريين فالبلد يمر بأزمات مثل حال الكثير من الشعوب التي تمر بحالة تغيير واسعة خاصة بعد الثورات وأن يمد الجميع أيديهم لبعضهم البعض من أجل مصر ومستقبل أبنائها جميعا. ب