كذبة ديسمبر لم تختلف عن كذبة أبريل الأولي طال عمرها، عاشت ولم تمت منذ وُلدت "كذبة إبريل" قبل عقود .. تتوالد تتناكح وتتناسل كل عام! والثانية يخسف عمرها "كذبة ديسمبر"، أنجبتها سويعات معدودة ليوم 12 ديسمبر هذا العام، بأن "الكون والكائنات ستتلاشي في مثل تلك الساعات.!".. لكنها هي التي تلاشت في مثل تلك الساعات.! ويقال عن (كذبة إبريل) إنها لعبة إنجليزية، ابتكرها اللون العنصري الأبيض عن بُعد، لتسخير ذوي الألوان الداكنة ببلاد المسلمين، تُحرّكهم دُمي بالريموت وبعقر دارهم ولو مرة كل عام.. إنهم هم ضحكوا علينا ذات مرة، ونحن نضحك علي بعضنا ألف مرة.! إنها العصا المخملي الناعم العبوس، للاستعمار الحاقد العجوز، الذي اهتزّ عرشه يوما، وانزلق قدمه متزلزلا متراجعا عن تلك المساحات التي لاتغيب عنها الشمس كما زعموا، تركوها حاقدين مجبرين، فعادت لها بالعصا الثقافية الغليظة، بالنُّكت والكوميديات المقلوبة، وبالمسرحيات المنكوبة، وبالمعاهد الثقافية الممتدة إلي مساحات ما لاتغيب عنها الشمس كما يعتقدون.! وفي الخليج، وعلي جانب كبير من الوادي العامر الكبير، وما إن لاحت للخليجيين من الجانب الآخر من الوادي، تلك اللوحة الموهومة بنهاية الكون في ديسمبر 2102 إلا وتحالف الخليجيون قادة وشعبا في ديسمبر 2102 في القمة الخليجية الثالثة والثلاثين المنعقدة بالمنامة عاصمة مملكة البحرين الشقيقة، تحالفوا لبناء أعلي، ولبقاء أبقي وأقوي، بإقرار (الاتحاد) بعد (التعاون.) والخليجيون بمذهب واحد في هذه البُقعة الآمنة من الجزيرة العربية المجاورة لمهبط الوحي والتنزيل، ما هم إلا بلُحمة واحدة بملامح بعضهم البعض، وبعادات وتقاليد بعضهم البعض، يحملون أسماء وألقاب بعضهم البعض، متداخلون في قبائل وعشائر بعضهم البعض من آباء وأبناء وأنساب وأحفاد، إنهم قرروا بالإجماع في القمّة الأخيرة، إحلال الكُلّية محلّ البعضية في القمة المقبلة، فلا تبعيض بعد الاتحاد بين الإماراتي والسعودي، بين قطري والكويتي، ولابين عماني والبحريني.. وبهذا القرار والإقرار سنكسب بإذن الرحمن كل الملامح الجغرافية للمواطن الواحد في الوطن الواحد وبالهوية الواحدة إن شاء الله تعالي. إن كان (مجلس التعاون الخليجي) قد حقق (البعض) الكثير منذ النشأة بمسيرة ثلاثة وثلاثين حولا، فإن علي (الاتحاد) من النشأة أن يأتي بذلك (الكل) من ذلك (البعض)، وأن يحقق الطموحات الجغرافية الاستراتيجية والاجتماعية الاقتصادية كلها، لأبناء المنطقة الشرعيين كلهم، ليس علي مستوي السوق الخليجية المشتركة، والعُملة الخليجية الموحدة والتعليم الخليجي المتكامل فحسب، بل وأيضا ليتوالد ويتناسل من هذا الاتحاد ذلك الخليجي المتكامل المُكمل المؤيّد له من جيل لجيل. الاتحاد الحقيقي، هو ما لايُسمح بتجارب ما سبق فشل تجاربها، ولا تأليف ما سبق تأليفه بعد الافتتاح، ولا شرح ما انتهي شرحه قبل الافتتاح، ولاطباعة ما تمّ نشره بالرقابة ودون الرقابة، ولا التسامح للرقص والتطبيل لأغان فاشلة سبق بثّها ونشرها، ولا تأشيرات لأقلام الارتزاق كانت لنا يوما وباتت علينا أياما. بل ولامساحة لأناشيد وطنية سبق استنساخها، إن النشيد الوطني الحقيقي هو، تمزيق النسخ الكربوني النقلي، ودفنه تحت النقش الحجري الأصلي، النشيد الوطني للاتحاد هو كلٌّ بلا تبعيض، النشيد الحقيقي هو أصلٌ ليس له نسخة ورقية أو رقمية ثانية في عالمي الأبدان والأذهان، النشيد المرجوّ للاتحاد هو الخريطة المرجوّة ذاتها، تلك الخريطة التي لا سابقة لها قبل التعاون ولا لاحقة لها بعد الاتحاد، وتأتيك بالمساحة المرجوة التي لامساحة فيها لكذبة إبريل ولاكذبة ديسمبر ولاكذبة حزيران ولا أكاذيب أخري دخيلة أو متداخلة. لا أعتقد ان وحدة الشعارات والألوان والأوزان للهويات والعُملات، ستضمن لنا وحدة الصف بتلك المساحة المرجوة في الأوطان إن لم نقم بطرد ذلك الشيطان.! لوكان الأمر بذلك اليُسر، لكان قد تحقق الاتحاد في العراق ولبنان قبل غيرهما من بلدان، حيث كل العراقيين باللون الموحد للدينار العراقي في جيوبهم، وبالعلم العراقي فوق رؤوسهم، والهوية العراقية الموحدة في الأيادي، وكذلك اللبناني باخضرار الأرُز والليرة اللبنانية في كل مكان، لكن الشيطان الطائفي كان ثالث الألوان والأوزان من بغداد الي فلّوجة ونجف وكربلاء، ومن بيروت الي طرابلس وصيدا وبعلبك، وهو يبحث الآن عن جواز سفر وتأشيرة دخول لعواصم أخري من دمشق وصنعاء وعدن والقاهرة والإسكندرية.! علينا قطع الطريق أمام تبعيض كل الشياطين، شياطين الجن والإنس إن أرادت التسلّل إلينا خلسة بهوية حقيقية أو مزورة، بتأشيرة سياحية مؤقتة أو إقامة استراتيجية دائمة، بجواز سفر كذبة إبريل أو بطاقة مرور كذبة ديسمبر، بقلادة كريسماس المسيح عليه السلام، أو بعباءة المولد النبوي الكريم([)، بعمامة إمام محراب الإيمان، أو بلحية أبي لهب وشوارب جنكيز خان، بأعلام عاشوراء الحسين السوداء، أو بيارق بابا نويل الحمراء.! شمعة الاتحاد الخليجي ستشعل إن شاء الله نورا للأحبّاء المهتدين ونارا علي الأعداء المعتدين، مصباحا لذلك المواطن الخليجي الذي ثروته تراب الوطن، قادته قادة الوطن، مرشده دستور الوطن، قبلته الكعبة، كتابه القرآن ودينه الإسلام ومحرابه قلبه المفعم بحب الوطن، فلا يسأل ولا يُسأل عن أي مسجد يصلّي فيه، لأنه يصلّ بقلبه صلواته الخمس الموقوتة بوقتها في المساحة المتاحة جنب بيته ومكتبه ومعمله وحانوته، ودون المساحة لذلك الشيطان الذي قد يأتيه بكذبة ديسمبر حينا وبكذبة أبريل أحيانا.