نعم، كنت أعتقد أنه سيعود هذه المرة حصانا يقود ولا يُقاد، لأنه في سباقه الثاني والأخير، لن يخوضه ثالثا وإن كسبه ساحقا، فالمرجوّ منه بعد جولته الانتخابية الثانية إن كسبها فعلا، أن يكسب أيضا قلوب أصحاب الحق المهضومين المظلومين بالعالم الثالث من المسلمين والعرب، إلي جانب قلوب الأميركان التي كسبها حقا وباطلا بعد الجولة الأولي، ليس لأنه أمريكي لكل الأميركان (كما زعم) في الأولي، وإنما ايضا لأنه كان بحاجة لهم في الثانية.! الأسمر كنت أتوقع عودته للبيت الأبيض في جولته الثانية باسم (الصيانة) كما دخلها في الأولي باسم (التغيير في البيت الأبيض)، لولا المناظرة التلفزيونية مع خصمه الأشقر (رومني)، جعل فيها أوباما الفقرة الأولي من خطابه معايدة الذكري السنوية العشرين لزوجته ميشل، أمام أربعين مليون أمريكي.! لوكنت مكانك يا سيناتور مرشحا، ولو لمنصب هامشي أو عمدة بقرية ريفية من الوطنين العربي والإسلامي، وأمامي ألف شخص، لحلفتُ خلف المايك والتلفاز والجمهور أني (والله لم أتذوق النوم من أجلكم.! .. ولن أتذوق الطعام والشراب الا في إنائكم.! وأني والله ضحّيت بزوجتي وأولادي وبناتي لأنكم أنتم أولادي وبناتي.! .. وأني والله لسهرت الليالي أفكّر كيف أعرج بكم إلي النجوم.! .. وكيف أدفن أعداءكم في التُخوم.! .. وأني والله مطيعكم وخادمكم خادم القوم.! إلي آخره...) .. طبعا والكلّ يصفّق لخادم القوم، ذلك الخادم الذي أرصدته للبنوك بالإغراق، وأبراجه تعانق السُحٌب والغيوم من جاكرتا الي داكار إلي جوار الأكواخ المظلمة بالثعبان والفئران والإنسان، فإن ترك هذا الخادم زوجته ليلة فوزه في قريته من أجل الشعب، فذلك لأن بوابة ألف ليلة وليلة فتحت له بعواصم الملاهي من بانكوك إلي باريس وجنيف ولندن وغيرها.! الأميركان أغبياء ومتهورون علي الخط العابر السريع، لكنهم أذكياء وعباقرة علي خطوط التأمل والتدبير، سيتأمّلون من اليوم الثاني للمناظرة في الفقرة الأولي لخطاب أوباما: (المخلص لبيته وزوجته سيبقي هو المخلص للوطن)، والوطن هو ذلك البيت المتسع لكل مواطن، ورئاسة الوطن هو عقد زواج لامساحة فيه لتوقيع الطلاق.! أوباما ابن الحسين يا الأسمر..! ألا تجيد الخطابة.؟ وانت تنتمي من أب عن جد إلي مدرسة فتح ملفها بكلمة (اقرأ).!.. ألا تعلم أن كثرة القراءة تُعطّر الكتابة وتُشفّر الخطابة، وإنت يا الأسمر وإن انتقلت لاحقا من القرآن إلي التوراة، إلاّ أن مهنتك (المحامي) الحريص علي دقة ترتيب الأوراق والبنود والفقرات أمام القاضي، كانت جديرة بك ألا تصدمنا في المقابلة التلفزيونية بفقرات ارتجالية امام خصمك الأشقر وفقراته الهجائية الأبجدية. أنت أدري بالشعب الأمريكي تأخذه بسمة تطرده رسمة علي الخط السريع، فجاءهم المرشح الجمهوري ميت رومني من هذا الخط، رتّب فقراته بألفبائيات (باء وتاء وثاء..!) ثم عاد ورتّبها بأبجديات (أبجد،هوز،حطي..!)، وما أراد الرجل بهذين الترتيبين إلا جلب السواد الأعظم من ذلك الشعب الذي تأخذه بسمة، تطرده رسمة.! وكأنّه جاء لينقذ 74٪ من الشعب الأمريكي (كما صرّح به) أثناء ترتيب أبجدياته وهجائياته في المناظرة.! إلا اذا كنت قاصدا إبرازه مهاجما شرسا، وتركته لليوم الموعود بالجولة الثانية في 61أكتوبر بولاية كنتاكي.؟ لكن وبالجانب الآخر من الوادي حيث الشعب الأمريكي علي خطوط التأمل والتفكير، وتلك الشريحة من الشعب المفكّر وبعد المناظرة مباشرة قد أدركت، أن أوباما كان بالصيانة ورومني بالخطابة، والصيانة تجود بالصدق، والخطابة تلمع بالكذب.! لكن تلك هذه الشريحة لها خطابها الذاتي الداخلي، الكلّ يخاطب نفسه أهله بيته وحاشيته: (إننا شعبٌ سامحنا الرئيس الأسبق بيل كلنتون خيانته لزوجته (هلاري)، وتحرّشه بعشيقته (مونيكا) ولم نسامحه كذبه علينا (الشعب).! .. وقبله نكسون هو أول من أفقده الكذب علي الشعب كرسيه في البيت الأبيض .. وغيرهما في بريطانيا (باركنسون) وزير التجارة الأسبق بإنجلترا طردته وزارته لأنه كذب علي الشعب .. إننا عكس بلدان وزراؤها يكذبون وشعوبها يصفقون.!) بعض البلدان كثرة الكذب فيها تُخرج وزير الإعلام بطلا علي الوزراء، وبكثرته ينال أوسمة ونياشين فوق جثث المكذوب المغضوب عليهم، الكلّ يتذكر الوزير العراقي الأسبق (الصحّأف)، كان يوهم الشعب العراقي في كل خطاب له، كأنّه ألقي بنصف أمريكا في الدجلة، وسيُلقي بالنصف الآخر بالفرات، تحضرني خاطرة للكاتب الكويتي المرحوم دكتور أحمدربعي آنذاك في عموده اليومي، اقترح علي العراق استحداث (وزارة الكذب) .! إن كان الكذب علي الشعوب لاتعتبر صغيرة الصغائر لدي البعض، فإنه كبيرة الكبائر لدي البعض الآخر، تلك الشعوب تسامح العشق والغرام، والغزل والعناق والتقبيل والاحتضان في الهواء الطلق باسم الحريات الشخصية، وتسامح كافة أنواع الطقوس والعبادات باسم الحريات العقائدية، وتسامح كافة أنواع الكتابات والرسوم الكاريكاتورية باسم الحريات الفكرية .. لكنها لاتسامح الكذب علي الشعب ولو خلف الدهاليز المغلقة.! فإياك أن تكذب علي شعبك من "دنفر" إلي "فلوريدا" فإنهم غير متعودين، واكذب علينا ما شئت من "جاكرتا" إلي "سنغال"، فإننا متعودون.!