ولكن، وهل في الطين بلّة.؟ لا أعتقد ذلك فورا في القاهرة، فهو كذلك في بكين، إن اختارتا العاصمتان بحنكة، كل الطرق المؤدية إلي تنمية الطين وإن كان ببلّة، بالمنهج الاستثماري السليم لتحويل ذلك الطين المُبلّل نحو الأراضي الخصبة لدي الطرفين .. الصين قد تأتيك بطين الزّرع ولو بالنخل في بكين، فلتطلب القاهرة العلم ولو في الصين. الصينيون أقزام وعباقرة، فيهم الأقصر طولا بالعالم، وفيهم المُعمّرون الأطول عمرا بالعالم، ولهم اليد الطولي والباع الطويل في إطالة عمر الإنسان بفنون وأساليب صينية، وبمناهج صحية في كل المعمورة، كما نحن في بعض المعمورة بما يخصف العمر بالكحول للكبد، والتدخين للرئة، والدهون للشرايين والكروش.. أوقفوا تلك الأسطوانات الببغاوية التي نبصق بها وجوه الآسيويين: "أنتم الأقزام، أنتم العمّال، أنتم الجهلة..! ونحن الأرباب وأولو الأرباب.!" لا تصاغروهم لأعراقهم الصفراء، وألوانهم الداكنة ولا لجنسياتهم، بل كابروهم لمنجزاتهم، علينا السجود لله دائما لا للشمس والقمر ولا للصخر والبقر، ولكن احتراما لتلك اللمسات الكتومة لهم علي خريطة الكون طولا وعرضا، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.. علينا أيضا بعد السجود لله مباشرة الركوع لتلك المنجزات، إنه الحق، والحق يُقال ولو علي نفسك، إنه لاينافي الدين، بل إنه يصادق علي ديننا الحنيف ورؤية نبينا الكريم الذي أوصي علي الأمور بالكتمان قبل ألف وأربعمائة عام، لكنّنا ومع الأسف استبدلنا الكتمان بالمناورات الورقية والاستعراضات الوهمية، فتحوّل العدو لواقع كان ينمو ويتنمّر بطي الكتمان.! علينا الاعتراف بأننا كنا نمورا ورقية وكنا جبناء، وعلي الصين العملاقة التي ستقترب بنا أكثر عبر بوابة القاهرة، عليها والأربعمائة تزدري بنا ولا تحتقرنا علي ماض ولّي ولن يعود، عواصمنا وبالأخص القاهرة وبغداد ودمشق كانت تتظاهر بالقوة والجبروت الوهمي لأسلحة نووية وبيولوجية وجرثومية، وتستعرض بها في الأضواء وهنّ رغاديد يرتعشن في الظلام من معركة القط والفأرة، قوتها علي الشعب والرعية، صنعت مواطنين يستسلمون ولا يُسلمون، يخافون من الخيال، يموتون في اليوم مرتين، عندما يخرجون من بيوتهم ويعودون إليها، يخرج المواطن الغلبان وراء لقمة العيش من بيته خائفا من ظلّه، ويعود إليه متوهما أنه مراقب من ظلّه، وظلّه مراقب من ظلّ ظله، وأنّ كارثة ستقع به في يوم، او حفرة سيسقط فيها في ليلة.! يقال (وعساني غير مخطئ) إن الرئيس المصري مرسي عاد من الصين ببروتوكولات ثمانية، تدور في محاور ثلاثة: أ. زيادة حجم الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين. ب. تعزيز التبادلات الثقافية ج. تنسيق المواقف السياسية المشتركة. فعرفنا أن إنسان هذا القرن لايعيش دون تلك الحزم الثلاث: (الاقتصادية والثقافية والسياسية)، وحزام الطب (إن وجد فيها)، عساه يوضع في رأس القائمة، مهما كان تصنيف الطب في رأي الخبراء يأتي تحت بند الاستثمارات أو التبادل الثقافي أو حتي ضمن المواقف السياسية. الطب البديل الذي يقال عنه الكثير، يقال عنه أيضا إن قُبّعة التنين الصيني تخفي تحتها الكثير والكثير عن الطب البديل لتفاجأ دنيا الطب التقليدي الكيمياوي، وإن الصينيين يملكون من القدرات الطبية الشعبية ما قد يصدم بها الكون، لأن قاموس الطب البديل الصيني لا مساحة فيه لمفردات الأخطاء الطبية، وإن الصينين لم يعلنوا بعد ما قد يفاجئون به الأطباء الأمريكيين والعواصم الأوروبية والآسيوية، التي ظلت تجلب المليارات من البترودولارات العربية والإسلامية إلي ما تُسمّي بعواصم النقاهة والعلاجات المستعصية. ساهمت بعض الإذاعات الأجنبية في التقليل من شأن التعاون الصيني المصري، بعد انكشاف المساعدات الهزيلة التي قدمتها بكين لحكومة مرسي (200 مليون دولار، و200 سيارة للشرطة المصرية) إذا ما قورنت بتلك الأرقام الفلكية التي كانت تأخذها القاهرة من أمريكا باسم الشعب المصري، ثم يمضي المواطن المصري طوال العام مع صفحات التقويم الهجري والميلادي وهو يعبُدُ وزيرا حاليا ويسبّ وزيرا سابقا، يُقدّس السلطة ويحتقر المعارضة، لأنه يري في جرائد الصباح الأرقام الفلكية للمساعدات وإيرادات السياحة وقناة السويس وعائدات الصادرات المصرية، وهو يتفحص في جيبه عن كسور (الجيم) للفول الصباحي.! المساعدات الصينية لمصر كانت قليلة، فهل ذلك يعني أن مرسي سيذهب إلي نيويورك ليأخذ المزيد، أو أنه لن يذهب إلي أمريكا بعد ما ذهب إلي الصين وطهران.! نعم سيذهب قريبا، لكن الغريب في الأمر أنه خلاف المعهود ذهب إلي بكين وطهران قبل نيويورك، فماذا يحمل لنا اللقاء المصري الأمريكي من مفاجآت، هل تغرينا أمريكا بالسخاء الدولاري دون شروط وإملاءات، أم أنها ستقبل بواقع مصر الجديدة، إنها لم تعد بأمريكا لوحدها، ولا بأمريكا أولا ثم لأمريكا ثانيا.! أتمني الحكومة المصرية أن لاتركّز علي الهيكل الهرمي للمساعدات الصينية بعدد الدولارات والسيارات، حتي لاتواجه أسئلة سخيفة من الصحفيين كما واجهته حكومة عصام شرف بمطار القاهرة مثالا وليس حصرا: (متي ستنتهي من رحلات التسول يا معالي الوزير؟!) العلاقة المصرية الصينية إذا انزرعت في طينة استثمارية خصبة، وتطورت بكفاءات مصرية صينية مزودجة، فإنها قد تتحول من الاستهلاك إلي الإنتاج، فلا لوم ولاعتاب علي عدد السيارات والدولارات التي أخذتها القاهرة من بكين، لأنهما بالتضامن قد تدخل في صناعة وطباعة الدولارات.