كانت مشكلتي المزمنة مع أحمد السقا، أنه لايدرك أن الهجوم علي بعض أدواره ليس هجوما شخصيا عليه! وأن دور الناقد هو تحليل الأفلام التي يشاهدها وليس مجاملة صناعه، والطبطبة عليهم، حتي لاتسوء حالتهم النفسية، ويصابوا بحالات هيستيرية تفقدهم القدرة علي وزن الأمور، ومعرفة مالهم وما عليهم! كنت أتساءل دائما: لماذا يصر أحمد السقا وهو نجم شباك علي أن يقدم لونا واحدا في معظم أفلامه وهو الأكشن، رغم أن نجوم أفلام الأكشن في العالم يتم تصنيفهم درجة ثانية وثالثة، أحيانا، سيلفستر ستالوني، شورازنيجر، فاندام ، جاكي شان كل هؤلاء نجوم درجة ثانية! وإن حققت أفلامهم أرباحا هائلة! وفرق كبير أن يتخصص النجم في تقديم الأكشن، وأن يقوم ممثل ونجم يلعب جميع الأدوار بتقديم فيلم مطاردات أو اثنين، توم كروز الذي قدم أفلاما رشحته للأوسكار، استهواه أن يقدم أفلام مطاردات في سلسلة مهمة مستحيلة، براد بيت قدم فيلماً أو اثنين من هذه النوعية، ومات ديمون لعب بطولة سلسلة من أفلام "هويه بورن" ، وخلصنا علي كده! وفي تاريخ السينما المصرية.. الأمثلة أكثر من القدرة علي حصرها، أشهرها وأكثرها وضوحا فريد شوقي الذي قدم أدورا مميزة للغاية في أفلام الفتوة، وبداية ونهاية ، وغيرهما ثم قدم بعدها أفلام مطاردات، ولكنه لم يتوقف عندها رغم شهرته فيها، فانطلق للأفلام الكوميدية، والإنسانية! وكذلك فعل رشدي أباظة، وأحمد مظهر فارس السينما المصرية عن حق! وسبق أن قلنا إن أفلام أحمد السقا حتي الناجح منها لايصنع تاريخا للفنان، فمعظمها استهلاكية مثل الفشار الذي تأكله أثناء مشاهدتها، فلا هو يسمنك ولا يغنيك عن جوع، وكان هذا القول يغضب أحمد السقا ويدفعه لاتهام قائله بالتجني عليه! وقلت له ذات مرة، عبر محادثة تليفونية إن الخلاف بيننا، ليس شخصيا بالمرة، كما تحاول أن تدعي، ولكن لماذا لاتتابع ما قدمته السينما المصرية؟ لماذا لا نشاهدك في أفلام تحتاج إلي ممثل عن حق، أتمني أن أشاهدك في أدوار متنوعة مثل رشدي أباظة أو أحمد مظهر أو شكري سرحان، أو عمر الشريف وأحمد رمزي، وإن كان كل هذا الجيل لايعجبك، شاهد أفلام نور الشريف ومحمود يس ومحمود عبدالعزيز، أو حتي تابع أفلام محمود حميدة آخر نجم في جيل التسعينيات قبل أن يقفز علي السينما الجيل الحالي الذي أهلكها، وفكك أوصالها وأرسي قواعد جديدة ولكنها غير ثابتة ويمكن أن تؤدي إلي انهيار الصناعة كلها في أقل عدد من السنوات! طبعا النجم عندنا يظل يرفل في النعيم، ويصم أذنيه عن سمع النصيحة، حتي يجد أن الأرض تتزلزل من تحت قدميه، وأن جيلا جديدا من النجوم بدأ يطل برأسه، ويحقق نجاحا في مجالات أكثر عمقا واتساعا، ولعل منافسة النجوم الشباب في مسلسلات رمضان، كانت مؤشرا فاضحا لتغير مزاج الجمهور الذي أقبل علي متابعة مسلسل طرف ثالث، والبلطجي ، ورقم مجهول بكثافة تفوق متابعة خطوط حمراء،الذي كان يتابعه البعض من أجل خاطر عيون الممثل الأردني منذر رياحنة، الذي بلع المسلسل لحسابه، وشفط كل بقع الضوء من الآخرين ببساطة شديدة وهو سايب إيده! كل تلك المقدمة كانت من أجل أن ندخل في الموضوع الأساسي وهو إحساس أحمد السقا بالخطر، هذا إن كان بدأ يشعر به فعلا، غير أني أكاد أجزم أنه لابد أن يكون قد أدرك أخيرا أن عليه أن يغير من طبيعة أدواره، حتي لو أدي ذلك إلي دخوله في مغامرات فنية ، محسوبة أو غير محسوبة، فالفن في طبيعته المغامرة والابتكار والتحدي الدائم، وأزمة التعليم في أكاديمية الفنون بسبب اتباعها لمناهج عفي عليها الزمن، وكثير من خريجي هذه المعاهد لايعرفون شيئا عن تاريخ صناعة السينما في مصر ولا العالم، وهي أزمة تشبه أزمات التعليم عموما في جميع المجالات! ولكن ماعلينا فهذا موضوع يطول شرحه، المهم في الحكاية أن السقا قرر أخيرا أن يقدم فيلما كوميديا لايتخلله أي فواصل من الجري ، أو القفز من فوق ارتفاعات شاهقة ، عكس تجربته في تيمور وشفيقة الذي أقحم فيه مشاهد مطاردات عنيفة أخرجته عن مجاله! فيلم بابا من تأليف زينب عزيز، وإخراج علي إدريس وربما يكون الفيلم مكتوبا علي مقاس مصطفي قمر المطرب الذي قدم مع الثنائي" زينب وعلي "عدة أفلام حقق بعضها نجاحا تجاريا كبيرا، وبعض النجاح الفني، وهي جرأة من السقا أن يقدم هذا الدور، ولكنها جرأة محمودة، وخطوة كان لابد منها! يقدم السقا شخصية طبيب أمراض نساء علي درجة واضحة من الثراء والشهرة في مجال الحقن المجهري، وحكاية هذا الأسلوب في الإنجاب يبدو أنه يشكل أزمة ما عند بعض الرجال، حيث يتطلب الأمر منهم ، أخذ عينة معتبرة من السائل المنوي، تملأ دورقا أو برطمانا، ويتم نقل بعض من هذا السائل وحقنه في رحم الزوجة كي يتم الإخصاب الخارجي ، في حال تعذر الطريقة الطبيعية، لعله في الجهاز التناسلي للمرأة، والأزمة التي يعانيها الرجال في قدرة أي منهم علي ملء البرطمان !! هذا هو مربط الفرس،ومنه تنطلق الكوميديا، فالرجل يحتاج لدرجة عالية من الإثارة الجنسية، كي يتمكن من ملء دورقه أو برطمانه، وقد يتعذر عليه ذلك، فيلجأ إلي استخدام خياله، أو أساليب مساعدة! وبعض الرجال "المتحفظين منهم"يرفضون هذا الحل، تماماً، بحجة أنه يعرضهم للمهانة، لا أعرف بالضبط لماذا، ولكن هذا ما يؤكده الفيلم، وقد تعمد السيناريو أن يقدم نماذج متنوعة من الأزواج الذين يلجأون لهذا الحل من أجل الإنجاب، وحتي ينعم الرجل بسماع كلمة "بابا"، والغريب أن معظم الرجال في الفيلم تعرضوا لهذا الموقف، البطل أحمد السقا وصديقه الأنتيم إدوارد! إلا أن الطبيب الشاب "السقا" يعتبر الأمر كارثة قد حلت عليه، وفضيحة يجب أن يسترها ويداريها، ويطرح الفيلم فكرة قلما أو نادرا ما نناقشها في أفلامنا المصرية، وهي فتور العلاقة الزوجية الحميمة، واحتياج كل من الرجل والمرأة إلي درجة كبيرة من استخدام الخيال، أو إعادة ترتيب العلاقة بينهما حتي يستمر الحب بينهما مشتعلا ولا ينتابه الخمول والكسل! الكوميديا في الفيلم تنبع جميعها من نفس الموقف، الذي يحدث للطبيب الشاب، والزوج الملتحي المتدين"خالد سرحان" ، والثري العربي "لطفي لبيب"، وصديق الزوج إدوارد، ولكن تكرار الموقف يزيد جرعة الضحك، ولا يخفضها، السقا كسب كثيرا بتغيير نوعية أدواره، وكان لطفي لبيب رغم قصر دوره هو المفجر الحقيقي للضحك، درة ونيكول سابا لزوم " تطرية الموقف"، خالد سرحان يتألق في كوميديا هذا الموسم من خلال فيلمي"بابا" وتيته رهيبة.