له رؤية عميقة للمشهد الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه مصر وبخاصة في مرحلة ما بعد الثورة وصعود التيار الديني للحكم. خبراته الواسعة وعمله كمحاضر في المعاهد الفرنسية المتخصصة ومن قبلها في العديد من الشركات العالمية الكبري بعدد من الدول العربية أهلته ليكون واحداً من أبرز خبراء الاقتصاد السياسي في فرنسا. الحوار مع الخبير المصري محمد الألفي ينفتح علي آفاق رحبة ويكشف حب الرجل لوطنه حتي أن أفكاراً ومشروعات كثيرة قدمها في عهد النظام البائد بعضها سرق وطبق بشكل عشوائي دون الإشارة إليه والبعض الآخر لم يلتفت إليه المسئولون في عهد عاطف عبيد وأحمد نظيف. مزيد من التفاصيل والمفاجآت يكشفها المحاضر الدولي للاقتصاد السياسي بالمركز الثقافي في منطقة كوربوفا بفرنسا في سياق الحوار التالي. عملت بتدريس الاقتصاد والسياسة في معاهد فرنسية معروفة.. كيف تم ذلك وكيف انتقلت للعمل في فرنسا؟ - بدأت حياتي العملية مبكراً في سن السادسة عشرة، من خلال العمل أثناء الأجازة الصيفية في الشركات اليابانية التي كانت تقوم بإنشاء ميناء دمياط وظللت هكذا حتي بلغت عامي الحادي والعشرين، ثم بعد إنهاء دراستي انتقلت للعمل في السعودية لمدة 10 سنوات تنقلت فيها بين 5 مؤسسات اقتصادية عالمية كبري. كان هذا توفيقا من الله أن تمكنت من الالتحاق بهذه المؤسسات التي تضم بين جنباتها كفاءات عربية وغربية كان لها عظيم الأثر في مساعدتي في أن أصل لهذه المرحلة.. أذكر أنني شغلت منصب مدير استيراد لإحدي المؤسسات العملاقة وعمري 24 عاماً كأصغر قيادي في مجموعة الشركات التي أعمل بها آنذاك حيث كنت ضمن مجموعة قيادية مشكلة من 10 مديرين داخل مبني الإدارة العامة. وبحسب قوله فقد عاد الألفي إلي مصر عام 1997 وبدأ مسيرتة الثانية كمقدم استشارات اقتصادية وسياسية للعديد من الشركات العربية الكبري طوال السنوات العشر الأخيرة. ثم انتقل للعمل في فرنسا مؤكداً "أعرف أنني انتقلت إلي عالم مختلف ومحترف وأجلت هذه الخطوة لسنوات حتي قمت بها متأخراً ولم أكن قلقاً من الانتقال لباريس حيث الكل يسعي إلي مَنْ يملك الخبرة ويقدره علي عكس ما يحدث للأسف في بلادنا.. عموماً تقدمت للعديد من المؤسسات المختصة التي وجهتني إلي العديد من المعاهد لكي أحاضر فيها في الاقتصاد السياسي وهذا ما حدث بالفعل". قدمت عدة مقترحات مهمة في عهد النظام السابق للنهوض بالاقتصاد الوطني.. حدثني عن أبرزها؟ - في العام 2000 تقدمت بمقترح لإنشاء جهاز لإدارة الأزمات والإنذار المبكر، وصدر به قرار نُشر في جريدة "الأخبار" في صدر الصفحة الأولي بتاريخ 6/8/ 2000 كما اقترحت إنشاء جهاز لإدارة الأصول المملوكة للدولة، وذلك رداً علي المقترح غير الجيد الذي طرحه وقتذاك محمود محي الدين وزير الاستثمار الأسبق، ونشر كاملاً في العدد الأسبوعي لجريدة الجمهورية بتاريخ 20/2/2009 وصدر به قرار ونُشر في جريدة "الأهرام" في ديسمبر 2010. وكيف كان يتم التعامل مع هذه المقترحات من جانب المسئولين؟ - النظام السابق كان يضم مجموعة كبيرة من المنتفعين وأسس مدرسة كبيرة للفساد وبالتالي كان المسئولون يحصلون علي الأفكار مني ومن غيري ويحضرون من داخل الدوائر الخاصة بهم أشخاصا لتولي مسئولية هذه الأعمال وبالتالي تم تجاهلي وغيري من المجتهدين. وما مضمون فكرة جهاز الإنذار المبكر وإدارة الأزمات في مصر، وكيف تم وأدها وماذا لو كانت الفكرة دخلت حيز التنفيذ؟ - الفكرة كانت تقوم علي إنشاء جهاز لتوقع الأزمات وإجراء التدابير وإدارة الأزمة نفسها، وهو جهاز معلومات في المقام الأول مهمته مثلاً إعداد دراسة عن حجم الاحتياطي المصري من السلع المختلفة ودراسة أوضاع الدول المناخية التي نستورد منها القمح مثلاً وإذا كان هناك خطر علي محاصيل هذه الدول يجب أن يصدر إنذار للمسئولين للتحرك السريع وتدبير البديل قبل السقوط في فخ الأزمة. ينسحب ذلك علي قطاعات أخري مثل السياحة والتعليم والبترول..إلخ، بما يساعدنا في الإلمام بالوضع السياسي والاقتصادي للمحيط الإقليمي والدولي ويُمكننا من خلال المعلومات إصدار إنذارات سياسية تفيد الحالة السياسية الداخلية والخارجية. وبعد صدور قرار بهذا المقترح عُين لرئاسة هذا الجهاز د.مصطفي تاج الدين وهو صديق د.عاطف عبيد رئيس الوزراء وقتذاك، وفشل مع أول أزمة وكانت أزمة طائرة شركة طيران الخليج التي راح ضحيتها عشرات المصريين! كيف تري واقع الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة يناير.. وماذا تتوقع لعجلة الاقتصاد؟ - الاقتصاد المصري سابقاً كان ينتقل من الاقتصاد الشمولي إلي اقتصاد آليات السوق وكانت البداية جيدة لكنها تعثرت عندما سطا اللصوص علي أملاك الشعب وحدث زواج المال والسلطة بشكل فاجر منذ العام 2002. وبعد ثورة يناير خسر الاقتصاد كثيراً وبدأ يترنح بشدة ولن يستطيع أحد إيقاف هذا الترنح لأسباب عدة من بينها عدم وجود خطة واضحة، وعدم وجود استقرار سياسي والذي أتصور أنه لن يحدث قريباً، لأن مصر دخلت الآن من مرحلة التحول الانتقالي إلي مرحلة الفوضي الممنهجة التي تساهم في تكريسها التنظيمات المتأسلمة تحت ستار الدين. أما عن مسألة دوران عجلة الاقتصاد فهذا أمر يدعو للدهشة فكيف يتحدث البعض عن دوران عجلة الإنتاج، بينما لم يقدموا الآليات الجديدة التي سيعمل علي أساسها المنتجون والصناع المصريون! أظن أن مصر الآن بحاجة إلي ديكتاتور عادل أكثر من حاجتها إلي ديمقراطية فوضوية. وعموماً لا تنمية في ظل الإفراج عن المتطرفين من السجون. طرحت من قبل فكرة دمج البنوك معاً.. ما الفوائد التي تعود من تطبيق هذه الفكرة؟ - كانت فكرة دمج البنوك نابعة من خلق كيانات اقتصادية بنكية تستطيع مواجهة التوحش المالي الإقليمي والدولي، وكذا الحفاظ علي وحدة السياسات المالية والنقدية للاقتصاد المصري آنذاك، لأن بعض هذه البنوك الصغيرة كانت ترتع في الفساد بكل أشكاله، كما أردت أن تتمكن هذه البنوك بعد الدمج من تمويل مشروعات تنمية مثل إعمار سيناء التي كانت تحتاج وقتذاك إلي 77 مليار جنيه فقط، لكنهم لم يفضلوا الاستماع لي وذهبوا إلي تمويل مشروعات السواحل والتي تعمل شهرين في العام، كان هذا فكرا عصابيا هداما لا علاقة له بالتنمية. كما عارضت أن يصدر البنك المركزي وقتها أذون وسندات خزانة بفائدة أعلي من فائدة البنوك التجارية لأنه بذلك يتحول من بنك موجه للسياسات إلي بنك منافس للبنوك التجارية، وكالعادة استمروا علي الخطأ. ماذا عن مشروع الصكوك. وكيف تصديت له في عهد محمود محيي الدين وزير الاستثمار في عهد الرئيس المخلوع؟ - آنذاك طرحت الدولة علي لسان وزير الاستثمار محمود محيي الدين مشروعاً هزلياً اسمه مشروع الصكوك وهي صك لكل مواطن تجاوز 21 عاماً، وإنشاء ما يُسمي صندوق الأجيال برأس مال 500 مليون جنيه لكل الفئات أقل من 21 سنة وهم الأغلبية ورأيت أن هذا هزل كبير. كان هذا الطرح المتخلف يقضي بتحويل الشركات المملوكة للدولة إلي صكوك وتوزيعها علي المواطنين ورأيت أن هذا معناه أن الذي سيقوم بشراء هذه الصكوك هم رجال الأعمال الذين يملكون المال وليس الفقراء، وبالتالي سيتم الاستحواذ علي ما تبقي من أملاك الشعب عن طريق النصب الرسمي بالمخالفة للمادة الدستورية التي تقضي بأن القطاع العام ملك للشعب، ورأيت أن أتصدي لهذا الفساد بفكرة جديدة فاقترحت أن يستحوذ صندوق الأجيال علي كل أملاك الدولة ويصدر قرار بتشكيل هيئة مستقلة لها رئيس مستقل ليدير أملاك الدولة علي أن يعطي الحق لهذا الصندوق في تأسيس بنك خاص به والهدف توفير وعاء مصرفي يغطي تمويل مشروعات الصندوق (أو جهاز إدارة الأصول المملوكة للدولة) ويسمح له بتأسيس شركات مساهمة وكذا التشارك والتخارج بحرية كاملة، وكنت أهدف إلي أن يعمل ذلك علي إحداث تنمية في العديد من المناطق في مصر مع تحقيق هامش ربح جيد، ولدينا مثال علي ذلك هو صندوق الادخار الكويتي الذي يستثمر لصالح الأجيال القادمة. في نقاط محددة ماذا تحتاج مصر الآن لتخطي كبواتها الاقتصادية؟ - الاستقرار السياسي والأمني، وخطة عشرية لإحداث واقع جديد علي الأرض، ومشروعات عاجلة كثيفة العمالة في المناطق التي تحتاج تنمية حقيقية. علي سبيل المثال إنشاء عاصمة اقتصادية لمصر في الساحل الشمالي والمنطقة الغربية تستوعب أكثر من 15 مليون نسمة، والعاصمة الاقتصادية تكون بمثابة مجتمع تنموي متكامل يضم استثمارات زراعية وصناعية وميناء كبيرا. ويجب أن يشمل الفكر التنموي هذا مناطق ثلاثة هي الشمال الغربي والشمال الشرقي وجنوب مصر. ولا أنسي بالطبع ضرورة تفعيل دور الأجهزة الرقابية في مراقبة الفساد، وإيجاد آلية مرنة لتطوير التشريعات بما يتناسب مع تقلب الأوضاع الاقتصادية، والدخول في شراكات دولية كبري لإحداث واقع سريع يدفع للهدوء الداخلي ويشجع الجميع للمشاركة في التنمية والاستفادة منها. وأري أهمية التركيز علي قطاع السياحة في التنمية وذلك بتوفير المناخ المناسب لجذب سياحة في العام الأول من الخطة يقدر ب 30 مليون سائح وتصاعديا مع نهاية الخطة العشرية ليتجاوز عدد السياح القادمين عدد سكان مصر الذي سيصل عام 2017 إلي نحو 102 مليون نسمة. لكن ألا تري أن الوصول بعدد السياح إلي 200 مليون سائح حلم بعيد المنال؟! - هذا ليس مجرد حلم فعدد سكان فرنسا الذي لايتجاوز 70 مليوناً استطاع جذب سياحة تقدر ب83 مليون سائح العام الماضي. هذا العدد الهائل ولا يوجد في فرنسا لا تاريخ و لا آثار. مع النظام الجديد هل تتوقع صعود نجم رجال أعمال إخوان وهل يمكن أن تتكرر مأساة أحمد عز أيام المخلوع؟ أو ظهور تزاوج المال والسلطة من جديد مستقبلاً؟ - الصراع الذي يخوضه رجال أعمال الإخوان مثل خيرت الشاطر وحسن مالك من تأسيس شركات تستحوذ علي المنشآت الكبيرة في مصر يعمل علي قدم وساق، وبالفعل تم شراء سلسلة متاجر كبري بمبلغ 750 مليون جنيه، وهناك محاولات مع أحمد عز من داخل محبسه لشراء الكثير منه وهناك الضغط الذي يتعرض له محمد أبوالعينين لبيع شركاته لرجال المرشد. هذا يثبت أنهم يسلكون نفس المسلك، لكن بأسماء مختلفة وجديدة وتمويل مختلف فماذا نسمي هذا!