الأهرام 23/11/2008 من يتابع ردود الأفعال التي صدرت عقب طرح فكرة إدارة الأصول المملوكة للدولة, وتوسيع المشاركة الشعبية, يصاب بالدهشة من طبيعة هذه الردود التي اتسمت بسوء الفهم, وعدم الرغبة في المعرفة والاستماع إلي الرأي الآخر, وبدا الأمر وكأنه موقف مسبق من أي فكرة أو رأي أو طرح يتقدم به الحزب الوطني, وهو أمر يضر بفكرة الحوار والنقاش بين فئات ومكونات المجتمع. لم يستمع المعارضون لما طرحه الحزب, رغم أنه تحدث عن ورقة للنقاش أعقبها اتصالات واجتماعات مع عدد من الأحزاب المصرية لمناقشة الأفكار التي طرحتها ورقة الاجتماع الأول للمجلس الأعلي للسياسات في العاشر من نوفمبر الحالي. ورغم قصر المدة التي لم تزد عن شهر واحد, اتخذ المعارضون بسرعة مواقع رافضة للمشروع, وتسابق البعض في تصوير الأمر علي أنه مؤامرة علي الاقتصاد القومي, ورأي البعض الآخر أن ذلك نوع من الرشوة الشعبية, وغيرها من التحليلات الصحفية والسياسية التي عكست قدرا عاليا من سوء النية والفهم معا. لقد سعي الحزب الوطني, عن طريق أمانة السياسات لفتح باب النقاش حول السياسات والتوجهات الخاصة باستكمال وتطوير برنامج ادارة الأصول المملوكة للدولة, ولخصت ورقة النقاش محاور البرنامج الذي يسعي إلي الحفاظ علي تحسن مؤشرات هذه الشركات من خلال ضمان الكفاءة والقدرة علي المنافسة مع الحفاظ علي حقوق العاملين بها, وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة الأصول المملوكة للدولة والانتفاع بفوائدها, مع ضمان حقوق الأجيال القادمة بوضع خطة تضمن لهم نصيبا من ثمار عوائد البرنامج. لقد طرح الحزب الوطني كفكرة المشروع علي ضوء خطاب الرئيس مبارك الذي ألقاه في المؤتمر العام التاسع للحزب في نوفمبر من العام الماضي, والذي طالب فيه بمواصلة إشراك القواعد العريضة من الشعب في الانتفاع بفوائد برنامج ادارة الأصول المملوكة للدولة, يضع في الاعتبار صالح الأجيال القادمة, وكرر الرئيس مبارك تأكيده علي دعوته في المؤتمر السنوي الخامس للحرب, حيث أكد أهمية بلورة أسلوب عملي وغير تقليدي, يتيح القواعد العريضة من الشعب في المشاركة في ملكية هذه الأصول. نحن إذن أمام توجه جديد يهدف إلي تعميق فكرة العدالة الاجتماعية, وذلك بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الملكية وادارة الأصول العامة مع الحفاظ علي حقوق الأجيال القادمة بإنشاء صندوق قومي لهذا الغرض. إن مايطرح اليوم تتلخص فكرته الرئيسية في نقل ملكية أسهم شركات قطاع الأعمال والمملوكة للدولة للمواطن المصري من خلال توزيع محفظة أسهم يحصل عليها المواطن مجانا, وبأيسر الطرق وأكثرها ضمانا لتحقيق العدالة في التوزيع, وتكفل ملكية المواطن لمحفظة الأسهم الحرية في التصرف فيها إما بالاحتفاظ بها والاستفادة من عائدها, أو استثمارها في صناديق الاستثمار أو بيعها, أو التبرع بها. ووفقا للتصورات الأولية لفكرة المشروع والتي لن تتبلور بشكل كامل إلا بعد اكتمال الحوار والنقاش بين كل فئات المجتمع والوصول لصيغة اقتصادية وقانونية متكاملة له, ثم إقراره بعد مناقشته في مجلسي الشعب والشوري, فإن تنفيذ المشروع لن يبدأ قبل مرور عام كامل وهي المدة التي سيتم فيها اتخاذ الخطوات الإجرائية, الادارية منها والقانونية, اللازمة لإنشاء الجهاز الخاص لإدارة الأصول, وهو جهاز جديد سيكون له الشخصية الاعتبارية العامة وتنتقل إليه ملكية الشركات القابضة لقطاع الأعمال العام إليه, ويختص بتطوير وإعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال, ومتابعة الشركات التي تساهم الدولة في ملكيتها. وتقول التقديرات إن مايقرب من40 مليون مصري هم فوق21 عاما سوف يستفيدون من هذا البرنامج الذي سيوزع صكوكا أو محفظة أسهم موزعة علي عدة شركات لكل مواطن, وسوف يتولي الجهاز الإداري بالدولة جزءا مهما في توزيع هذه الأسهم وستتولي مكاتب البريد الجزء الآخر, وكذلك ستسلم هذه الأسهم إلي أصحاب المعاشات مع رواتبهم الشهرية, وحتي الآن لم تحدد القيمة الإسمية لهذه الصكوك ولكنها وفي حال الانتهاء من الإجراءات القانونية للمشروع في العام الجديد سيكون قي مة الصك الواحد عدة مئات من الجنيهات بأسعار العام التي صدرت فيه. مايحدث بوضوح هو جهد جديد لتطوير الملكية العامة في مصر وجعلها أكثر شعبية وهو بشكل أو بآخر تطوير لفكرة الخصخصة ولكن بشكل مختلف فهي خصخصة شعبية, تستهدف توسيع قاعدة الملكية وليس قصرها علي أفراد ولعل تحديد البرنامج المقترح لنوع الشركات التي ستندرج في إطاره يوضح أن الفئات التي تم تحديدها من الشركات تدخل كلها في إطار الشركات الرابحة, في حين تم استبعاد الشركات المتعثرة مع الدولة في تنفيذ برامج إعادة هيكلة تلك الشركات وتأهيلها للتحول إلي شركات قادرة علي المنافسة, وسوف يتم تحديد وتصنيف الشركات المشاركة في البرنامج لتحديد الحصة التي ترغب الدولة في الاحتفاظ بها. وحسب ورقة النقاش المطروحة فإن صكوك المواطن سوف تشمل بعض الأسهم في شركات الدواء والحديد والصلب والألومنيوم والكوك والسكر والنحاس والأسمدة والأسمنت, إلي جانب شركات النقل والسياحة وشركات توزيع السلع والصناعات التحويلية والخدمات. لقد انطلق المشروع من قاعدة نجاح برنامج ادارة الأصول المملوكة للدولة الذي شمل155 شركة تتبع شركات قطاع الأعمال منذ عام2004 الذي أدي إلي خفض المديونية المتعثرة, وساعد علي ضخ استثمارات مباشرة بلغت نحو8,5 مليار جنيه, وشهد هذا القطاع نتيجة لهذا البرنامج تحسنا ملحوظا في الآداء المالي الذي تمثل في التحول من صافي خسائر بلغت نحو1,3 مليار جنيه, إلي صافي أرباح بلغت5,5 مليار جنيه. لقد أغري هذا النجاح استكماله في عدد من الشركات الأخري وإيجاد حلول غير تقليدية لإدارة الأصول المملوكة للدولة, مع توجه أصيل لتحقيق مشاركة شعبية في إدارة وملكية هذه الأصول.