في البداية قال السفير عبد الرؤوف الريدي: أود أن أوضح أن السياسة الخارجية بالنسبة لمصر أمر حيوي للغاية فالسياسة الخارجية تلعب دورا كبيرا في مصر أكثر من أي دولة أخري في العالم وبالتالي فإنه لو أحسن استخدام السياسة الخارجية لكان ذلك مصدر خير كبيرا لمصر وبنفس المقياس لو تم إدارة ملف السياسة الخارجية بصورة غير سليمة سيكون ذلك مصدر ضرر كبيرا علي مصر. وأضاف موضحا: فمصر بحكم موقعها وبحكم المركز المحوري الذي تحتله في هذه المنطقة هي محط أنظار العالم وهي نقطة مؤثرة وحساسة بالنسبة لتوازنات القوي الإقليمة والدولية. ومن هنا يجب أن نبدأ بالأمن القومي المصري فالسياسة الخارجية هي عنصر رئيسي إن لم يكن العنصر الرئيسي الأول في أمن مصر القومي إيجابا وسلبا. أهمية تاريخية واستطرد سفير مصر الأسبق لدي واشنطن موضحا بأنه من هذا المنطلق نستطيع أن نتفهم السبب الذي دفع نابليون في نهاية القرن الثامن عشر أي بعد الثورة الفرنسية مباشرة في القيام بحملة فرنسية علي مصر لاعتقاده بأنه باحتلال مصر تستطيع فرنسا أن يكون لها كلمة فاصلة في شئون العالم خاصة في مواجهة القوة الاستعمارية المقابلة له وهي إنجلترا. وكان من الواضح أن نابليون كان قارئا جيدا للتاريخ ولتوازنات القوي وأدرك أن دور مصر وأهميتها لا يقتصر فقط علي الناحية العسكرية ولكنه يمتد إلي ما تمثله مصر من ثقافة أو ما يقال عنه بلغة العصر الحديث (القوة الناعمة) ومن هنا فقد أحضر نابليون معه فريقا علميا وثقافيا إلي مصر ومسحوا مصر من أقصاها إلي أقصاها وأصدروا كتاب (وصف مصر) الذي أصبح المرجع الأول علي المستوي العالمي عن مصر منذ هذا التاريخ. وما أن وطئت أقدام نابليون أرض مصر حتي بدأ الصراع بين فرنساوإنجلترا والإمبراطورية العثمانية من حولها وكان دور الشعب المصري دورا محوريا في هزيمة الحملة الفرنسية بعد ثلاث أو أربع سنوات من مجيئها لمصر ومنذ هذه اللحظة بدأ الصراع الدولي حول مصر في تاريخ العالم الحديث. كذلك كان لمصر دور هام في النصف الثاني من القرن العشرين في الصراع بين القوتين العظميين الولاياتالمتحدة ومعها الغرب والاتحاد السوفيتي ومعه الكتلة الشرقية وكيف كانت كل من القوتين تسعي لاجتذاب مصر إلي صفها. وعلي مر التاريخ رأينا أنه عندما كانت تدير الدبلوماسية المصرية معركتها بنجاح كانت تجني مصر آثارا إيجابية وهذا هو ما اتضح جليا في حرب 1956 وفي الدور الهام الذي تعيشه مصر في تحرير المنطقة العربية والدول الأفريقية من القوي الاستعمارية وعندما كانت تدار الدبلوماسية بأسلوب خاطئ كان لابد أن يكون لذلك آثاره السلبية وهذا هو ما اتضح عندما تم استدراج مصر في مصيدة حرب 1967 والتي مازلنا نسدد في فاتورتها حتي الآن وعندما تم التعامل بأسلوب دبلوماسي ناجح لتلافي آثار حرب 1967 استطاعت مصر وهي في أصعب الظروف أن تشن حربا ناجحة لتحرير أرضها في أكتوبر 1973. مرحلة جديدة لكن كيف تري أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه السياسة الخارجية في إطار المرحلة التاريخية الجديدة التي تمر بها مصر الآن مع بداية مايعرف بالجمهورية الثانية؟ حيث تبدأ مصر مرحلة تاريخية جديدة يطلق عليها البعض (الجمهورية الثانية) فعلينا أن نبدأ هذه المرحلة ولدينا وعي بأهمية السياسة الخارجية ويجب ألا يتصور أحد بأن السياسة الخارجية هي فقط مسئولية وزارة الخارجية ولكنها هي مسئولية الدولة لأنها سياسة الدولة وتنعكس آثارها كما سبق القول علي كل الشعب. فالسياسة الخارجية عنصر هام جدا في المسيرة الاقتصادية المصرية بل هي عنصر هام في أهم ملف حيوي وهو ملف مياه النيل، كما أنها عنصر هام في قضية الحرب والسلام فأينما توجهنا بالنسبة لملفات مصر الحيوية سنجد في مواجهتنا السياسة الخارجية المصرية ومن هنا تنبع أهمية صحة وسلامة القرار الذي يتخذ بشأنها وأعتقد أنه أمامنا حقبة مليئة بالأحداث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 5491 وحتي ثورة 52 يناير المجيدة 1102 لنقرأها قراءة جيدة وندرس تاريخها دراسة متعمقة لنعرف أين أصابت مصر وأين أخطأت ونتلافي تكرار الأخطاء. وأضاف : هناك قضية هامة نستطيع أن نطرحها في هذا الشأن وهي قضية أمن مصر القومي وهي كلمات ثلاث تعني الكثير بالنسبة لمصر وبالنسبة لمستقبلها.. فأمن مصر القومي يجب أن يكون واضحا وضوح الشمس في الأذهان والمقصود هنا هو مصر وليس شيئا آخر فإنني شخصيا أعتقد بأن أمن مصر القومي هو مفهوم خالص يتعلق بأمن مصر ولايجب خلطه بأمور أخري مهما كانت أهميتها. وأوضح الريدي قائلا: إننا من الذين يؤمنون بدور مصر العربي وأهميته ولكن عندما يكون هناك قضية حرب أو سلام فإن المعيار في الأساس والجوهر هو معيار مصري فهناك محاولات تجري للخلط بين أمن مصر القومي وبين قضايا رغم أهميتها إلا أنها لايجب أن تكون مدعاة لاستدراج مصر لاستخدام القوة أو جرها إلي حرب وعلي هذا الأساس يمكن تحديد وإدارة سياسة مصر الخارجية. الالتزام بالسلام ماذا بشأن العلاقات مع إسرائيل وكيف يمكن صياغة التعامل مع حكومة تل أبيب بما يتلاءم مع الأوضاع الحالية في مصر؟ لقد ذكر الرئيس محمد مرسي بأن مصر تلتزم بتعهداتها الدولية والإقليمية وبالتالي فهي تلتزم بمعاهدة السلام مع إسرائيل كما أعلنت إسرائيل التزامها للمعاهدة أي أنه بالنسبة لهذا الموضوع علي وجه التحديد هناك التزام متبادل من الجانبين باحترام معاهدة السلام وهو أمر ليس هناك خلاف حوله. ولكن في الوقت الذي تحترم فيه مصر معاهدة السلام مع إسرائيل فإنه لابد أن تدرك حكومة تل أبيب بأن موقف مصر ثابت ولم يتغير في دعمها لنضال الشعب الفلسطيني من أجل إتمام الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس العربية والانسحاب من كافة الأراضي العربية التي احتلت عام 7691. ومن هذا المنطلق وعلي حد قول السفير الريدي فعلي مصر أن تحرص علي تأمين شبه جزيرة سيناء وعدم السماح بوجود أي فراغ أمني في هذه المنطقة، أي عدم السماح لأي تنظيمات لإشعال الموقف في سيناء لاستدراج مصر إلي حرب تخدم أجندات دول أو قوي أجنبية فمصر من مصلحتها الحفاظ علي أمنها واستخدام الوسائل الدبلوماسية في خدمة قضايا الشعب الفلسطيني. تحييد الموقف الأمريكي ماذا عن إدارة العلاقات مع الولاياتالمتحدة ولاسيما أنها القوة الفعلية الأكثر تأثيرا في مجريات الأمور الدولية؟ إدارة العلاقات المصرية مع أمريكا هو ملف هام للغاية لأننا سوف نجد أن الولاياتالمتحدة لها دور في مختلف القضايا التي تهتم بها مصر بصفتها قوة عظمي وبصفتها قوة تهتم بهذه المنطقة فالولاياتالمتحدة كدولة ترعي معاهدة السلام وكان لها دور حاسم فيها وهي أيضا لها دور في نطاق عملية السلام بالشرق الأوسط وبالرغم من معرفتنا بأن أمريكا ليست طرفا محايدا أو منصفا للطرف العربي في مثل هذه الأمور ولكنها طرف مهم وعلينا أن نعمل باستمرار علي ترويض أمريكا حتي تأخذ موقفا عادلا من قضايا المنطقة وعلي وجه الخصوص قضية الشعب الفلسطيني. ويجب أن ندرك أيضا أن أمريكا لها دور هام في نطاق الشأن الاقتصادي بحكم تأثيرها في المؤسسات المالية الدولية وكما أن لها دورا مساعدا أو إيجابيا في بعض الأحيان فإنها يمكنها أيضا أن تلعب دورا سلبيا فعلينا أن نتقي شرها وأن ندير علاقاتنا معها بحكمة ودبلوماسية بحيث نعمل علي تحييد موقفها لأنها يمكنها أن تضر بالشأن المصري وعلي سبيل المثال في قضية مياه النيل، ومن ثم علينا أن نتعامل بحذر وحكمة في إدارة علاقاتنا معها حتي لاتتخذ مواقف من شأنها الإضرار بمصالح مصر. ماذا بشأن إيران؟ ماهي رؤيتكم لمستقبل العلاقات بين مصر وإيران في ضوء ما تشهده مصر من تحولات في أعقاب ثورة 52 يناير المجيدة؟ منذ خمس سنوات كتبت مقالا في الأهرام حول العلاقات بين مصر وإيران بعنوان (هل إيران عدو لمصر؟) وفي هذا الوقت كانت العلاقات طيبة بين إيران ودول الخليج ولذلك فقد ذكرت بأنه يجب علي مصر أن تعيد علاقاتها مع إيران باعتبارها قوة إقليمية في المنطقة وليس لنا ناقة أو جمل بأن تسوء علاقاتنا مع دولة مهمة مثل إيران. وأوضح السفير الريدي قائلا: ولكن الآن الوضع اختلف بعض الشيء لأن هناك دولا عربية تشكو من محاولات إيرانية للتدخل في شئونها الداخلية كما أنني أري أن هناك قوي من خارج المنطقة تعمل علي بث الفتنة في العالم الإسلامي فيما بين السنة والشيعة وعلي وجه التحديد إسرائيل وذلك بالرغم من أن هؤلاء كان لديهم أقوي العلاقات مع نظام الشاه في إيران. وبالتالي فإنني واحد من الناس الذين يرون أن دور مصر الإقليمي ينبغي أن يعمل علي وأد هذه الفتنة وأن تكون العلاقات بين الإسلام السني والإسلام الشيعي طبيعية ونتذكر في ذلك الموقف مواقف شيوخ الإسلام مثل الشيخ شلتوت الذي لعب دورا فقهيا كبيرا لوأد هذه الفتنة وفي التقريب بين المذهبين السني والشيعي وهو ما يجب أن يكون. ومن ناحية أخري فإنني واحد من هؤلاء الذين يحذرون من أي محاولة للاعتداء علي إيران بحجة موقف إيران في الملف النووي. كما أنني أدعو حكومة طهران إلي أن تطمئن شعوب المنطقة والدول المجاورة لها علي وجه الخصوص بالتزامها الكامل بأن يكون برنامجها النووي سليما مائة في المائة باعتبارها دولة ملتزمة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. كما أنه علي دول المنطقة كلها وفي مقدمتها مصر والسعودية وإيران السعي لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وعلي رأسها الأسلحة النووية. وأكد الريدي أن دور مصر الإقليمي ينبغي أن يظل دورا فاعلا من أجل درء المؤامرات عن هذه المنطقة وعدم استدراجها إلي مواقف أو حروب لاتخدم شعوب هذه المنطقة وإنما تعمل لصالح الأجندة الإسرائيلية وفي اعتقادي أن ضرب إيران لن يكون في صالح الدول العربية والإسلامية ولن يخدم سوي الأجندة الإسرائيلية في المنطقة. الملف الأفريقي العلاقات مع الدول الأفريقية من أهم الملفات الحيوية المطروحة أمام صانعي قرار السياسة الخارجية المصرية لكون الدائرة الأفريقية دائرة هامة في نطاق الدبلوماسية المصرية عبر العصور ويأتي في قمة القضايا ذات الأولوية الهامة في التعامل مع أفريقيا ملف مياه النيل؟ علاقات مصر مع دول القارة الأفريقية هي علاقات في غاية الأهمية ولاتقل في أهميتها عن علاقات مصر مع الدول العربية فأفريقيا تمثل الكثير بالنسبة لنا فهي نهر النيل وهي القارة التي يجب أن تستهدفها مصر في دعم استراتيجياتها في التصدير والتكامل الاقتصادي ومصر عليها أن تتذكر دورها في مقاومة الاستعمار وكيف ساهمت وضحت من أجل استقلال هذه الدول وعلينا أن نضع أفريقيا نصب أعيننا فهي التي يوجد بها مستودعات هامة للطاقة.. وعندما نتكلم عن أفريقيا فهذا يعني أننا ندرك أهمية السودان الشمالي والجنوبي وأثيوبيا بالنسبة لنا وعلاقاتنا مع أثيوبيا لاتنبع فقط من قضية مياه النيل ولكن من كون مصر وأثيوبيا تمثلان دولتين ذواتي حضارة كبيرة تضرب في أعماق التاريخ ولنتذكر أن أثيوبيا كانت أول البلاد التي استقبلت المهاجرين من المسلمين الأوائل ونتذكر أهمية أثيوبيا في الحضارة القبطية في مظلة كنيسة الإسكندرية ومن ثم فإنه يجب أن تكون لمصر سياسة خارجية منفتحة وذكية تجاه أفريقيا حيث نختار أفضل مالدينا من عناصر دبلوماسية وفنية لتمثيلنا في هذه القارة الحيوية بالنسبة لنا. معادلة صعبة السياسة الخارجية المصرية تعمل جاهدة علي احتواء الوضع المتأزم في سوريا فكيف تري إمكانيات التعامل مع هذه الأزمة التي مر عليها أكثر من عام دون حلول حاسمة؟ بادي ذي بدء لابد أن نقف إلي جانب الشعب السوري في محنته الحالية ولكن في نفس الوقت يجب أن نعلم أن ملف سوريا ملف بالغ الدقة والخطورة ويجب التعامل معه بحذر حتي لانسير في اتجاه أي مخطط قد يؤدي إلي تمزيق سوريا أو بلقنة سوريا هذا البلد الهام في المنظومة العربية وأعلم أن التعامل مع هذه الأزمة بمثابة معادلة صعبة ولكنها تمثل تحديا للدبلوماسية المصرية وعليها أن تواجهه بنجاح. وفي ختام الحوار أكد السفير عبد الرؤوف الريدي أن هناك ملفين أساسيين في التكوين الفكري والعملي للدبلوماسية المصرية الملف الأول هو الملف الاقتصادي وأهمية دعم الدور الذي يقوم به الدبلوماسيون المصريون في فتح الأسواق أمام السلع المصرية ودعم الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية والملف الآخر هو الملف الثقافي باعتبار أن مصر دولة ذات حضارة عظيمة يتطلع إليها العالم مما يجعلها مفتاحا لكسب الشعوب ودعم السياحة ذات الأبعاد المختلفة علي أرض مصر.