وجوه فرحة ومستبشرة، زغاريد وأفراح، بهجة في كل مكان، كانت هذه الحالة التي يستشعرها أي مترجل علي قدميه في كل المدن الليبية التي شهدت أول انتخابات ديمقراطية حرة منذ 06 عاما. فقد طوت ليبيا أخيراً صفحة مريرة من الظلم والاستبداد والديكتاتورية مع نظام الطاغية القذافي ليبدأوا صفحة جديدة مع أول مجلس وطني يتم انتخابه ليبدأ معه الليبيون مشروع بناء الدولة وكتابة الدستور الذي ستسير عليه البلاد. المؤشرات الأولية تؤكد فوز تحالف القوي الوطنية الذي يضم قوي وحركات ليبرالية بقيادة السياسي صاحب الشعبية الكبيرة في ليبيا محمد جبريل، فيما تراجعت قوي الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء الجناح السياسي للجماعة، حيث من الواضح أن الشعب الليبي أراد تجربة مختلفة عن تلك التي شهدتها دول الجوار مصر وتونس والتي شهدت صعودا كبيرا للتيار الإسلامي. ربما لم تشهد ليبيا طوال تاريخها تلك الطوابير الطويلة أمام لجان الانتخاب في مشهد أكد أن ليبيا بالفعل كانت علي موعد مع عرس سعيد وبهيج لهذا الشعب الذي لاقي الأمرين في عهد الطاغية القذافي. وهو ماظهر في حديث رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات نوري خليفة العبار الذي وجه التحية لأبناء الشعب الليبي علي المشاركة الفاعلة في الانتخابات، وقال إن "دعوات الأمهات وزغاريدهن وفرحة الشيوخ أعطتنا دفعة قوية لمزيد من العمل لإنجاح العرس الانتخابي الذي يعيشه الشعب الليبي لأول مرة. ولعل من أبرز الظواهر الإيجابية في الانتخابات الليبية هو الوجود القوي للمرأة الليبية، حيث نافست 526 امرأة الرجال في المعترك الانتخابي منهم 045 ضمن قوائم الأحزاب و58 كمستقلين. ولم تستطع أعمال العنف المتفرقة أن تفسد سير عملية الانتخاب حيث نقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية عن شهود عيان أن خمسة مراكز اقتراع متفرقة تابعة للدائرة الانتخابية الثالثة ببنغازي تعرضت لأعمال نهب وسلب وتخريب من قبل مجموعات تخريبية مسلحة لكن أهالي مدينة بنغازي سارعوا لمساندة الأجهزة الأمنية التي تمكنت من إلقاء القبض علي عدد من هذه المجموعات التخريبية. وتعد هذه الانتخابات إعلاناً رسمياً لحل "المجلس الوطني الانتقالي الذي أدار شئون البلاد منذ الإطاحة بالنظام السابق، ويتولي المؤتمر الوطني مسئولية تسمية رئيس وزراء جديد واختيار هيئة لصياغة مسودة الدستور تقوم بتقديم مشروع الدستور وتشرف علي الاستفتاء عليها. وشهدت الانتخابات الليبية مشاركة كبيرة وإقبالا واسعا من جموع الشعب الليبي حيث أعلنت المفوضية العليا للانتخابات الليبية أن نحو 1.6 مليون ناخب من الناخبين في سجلات الانتخاب البالغ عددهم الكلي أكثر من مليونين و800 الف شخص قد أدلوا بأصواتهم، أي ما يقدر بنحو 60 في المائة من إجمالي الناخبين. وأشار رئيس المفوضية نوري العبار إلي أن العملية الانتخابية جرت بهدوء في معظم الدوائر الثلاث عشرة إلا في الدائرة الرابعة (أجدابيا) حيث تم إتلاف مواد الاقتراع في بعض المراكز.. واختار الناخبون المسجلون في كشوف الانتخابات 200عضو في "المؤتمر الوطني العام"، من بين 3500 مرشح، موزعين علي 27 دائرة انتخابية، منهم 120 مقعداً للمرشحين الأفراد و80 للقوائم الحزبية. وسيكون أمام الهيئات السياسية الليبية الجديدة أن تواجه مجموعة من العراقيل والتحديات، أبرزها إعادة فرض الأمن وحصر السلاح بيد الدولة، بعد انتشاره بين أيادي المجموعات المسلحة التي شاركت بالثورة، إلي جانب إعادة إعمار ما هدمته الحرب وتنشيط الاقتصاد. أما علي المستوي السياسي، فسيكون عليها التعامل مع مشاكل عديدة، بينها مطالب بعض التيارات في المناطق الشرقية بإعلان الحكم الذاتي، إلي جانب مناقشة إمكانية التوصل لإطار مصالحة مع القبائل التي كانت ترتبط بالنظام السابق. وقد وجه رئيس الحكومة الانتقالية، عبد الرحيم الكيب، كلمة إلي الشعب، قال فيها إن الليبيين »لا يزالون يثبتون كل يوم أنهم قادرون علي تخطي الصعاب وتجاوز كل العقبات. فها نحن اليوم نستعد لخوض أول انتخابات منذ زمن طويل، انتخابات دفع الليبيون من أجل الوصول إليها شهداء ودماء وجرحي ومفقودين«. وكانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) قد حذرت في تقرير لها الأربعاء، القادة الليبيين من تكرار أخطاء معمر القذافي، وإنجاب ديكتاتور جديد للبلاد، وخصوصاً مع اقتراب موعد إجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام، والمقرر عقدها السبت. وأكدت المنظمة، في تقريرها أنه لابد لأعضاء الحكومة الجديدة، والتي ستفرزهم الانتخابات، وضع ملف تفعيل القانون والعمل به علي قائمة الأولويات، وذلك من أجل ضمان وحماية سير الحياة الديمقراطية في البلاد. ولعل أبرز تحد للديمقراطية الليبية الوليدة هي الدعوة التي انتشرت في الشرق لتحويل ليبيا إلي دولة فيدرالية وإعطاء منطقة برقة الحكم الذاتي ودعا أنصار هذا الفكر إلي مقاطعة الانتخابات احتجاجا علي توزيع المقاعد في المؤتمر الوطني المقبل الذي يمنح 100 مقعد للغرب و60 للشرق و40 للجنوب. وقد أصدر عدد كبير من منظمات المجتمع المدني تقارير مختلفة حول سير العملية الانتخابية وقالت منظمة راصد لمراقبة الانتخابات في ليبيا التي تضم 52 منظمة مجتمع مدني إن الإقبال كان كبيرا في مناطق غدامس والعزيزية ومصراتة وطرابس وسبها، ومتوسطا في مناطق سرت وبني وليد التي جرت فيها الانتخابات وسط إجراءات أمنية مشددة. وفي إشادة دولية بالتجربة الانتخابية الليبية وصفت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون الانتخابات التي شهدتها ليبيا بأنها تاريخية، مشيدة بجو الحرية الذي جرت فيه. كما أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانتخابات الليبية، ووصفها بأنها علامة فارقة في تحول ليبيا الديمقراطي خلال فترة ما بعد القذافي، وتعهد بأن تعمل الولاياتالمتحدة كشريك للشعب الليبي في المستقبل.