أخيراً انتهي ماراثون الانتخابات الرئاسية بحسم المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند للانتخابات بفارق ضئيل جداً عن منافسه نيكولا ساركوزي الذي صار الآن رئيساً سابقاً، ليدفع الرئيس الفرنسي ثمن أخطاء عديدة ارتكبها في فترته الرئاسية، والتي كان أبرزها لهجة العنجهية التي كان يتحدث بها، بالإضافة إلي سياساته المالية التي ضغطت علي الطبقات الفقيرة، وهجومه الدائم علي المهاجرين والمسلمين. وأثبتت الانتخابات الأخيرة أن هناك تياراً يهب في أوروبا الآن بتأييد التيارات اليسارية التي تنحاز للطبقات الوسطي والفقيرة علي حساب الرأسمالية المتوحشة التي صارت تستفز شرائح كثيرة في المجتمع الأوروبي، كما نفت المزاعم بأن الشعب الفرنسي يكره الأجانب، لأنه انحاز للمرشح الذي قال إنه سيعطي حقوقاً للمهاجرين حاول ساركوزي أن يسلبها، وسيعطي الحق للوافدين للأراضي الفرنسية بالتصويت في الانتخابات القادمة. وكانت عوامل كثيرة قد ساهمت في الخسارة التي تلقاها ساركوزي في هذه الانتخابات خاصة بعد اتهامات تتعلق بالتلاعب في حملاته الانتخابية السابقة. وكانت أقاويل بشأن دعم معمر القذافي لحملة نيكولا ساركوزي في 2007 قد تسببت في صدمة عند بعض المصوتين، حيث نقل عن أحد المحامين أن الزعيم الليبي الراحل مول حملة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الانتخابية بمبلغ وصل إلي 50 مليون يورو. ورفض ساركوزي الاتهام واصفاً إياه بالهراء ولكن محامي رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي علي المحمودي المحتجز حاليا في تونس أكد أن القذافي قدم بالفعل تمويلا لحملة نيكولا ساركوزي الانتخابية. وقد تلقي ساركوزي عدة صفعات أخري حين أعلن رئيس الحزب الوسطي الرئيسي فرانسوا بايرو إنه سيؤيد المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في جولة الإعادة. واتهم فرانسوا بايرو الذي حل خامسا في الجولة الأولي ساركوزي بالانحراف إلي اليمين المتطرف بشأن الهجرة والتخلي عن القيم الأوروبية. بينما رفضت الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان تأييد أي من المرشحين المتنافسين. المناظرة التليفزيونية الأخيرة التي جرت بين هولاند وساركوزي التي استمرت ثلاث ساعات وشاهدها 17.8 مليون شخص من أصل 44.5 مليون ناخب وصفت بالفرصة الأخيرة لساركوزي ليستخدم مهاراته الحوارية في سد الفارق الذي يتقدم به هولاند عليه. لكن أول استطلاع نشر بعد المناظرة أشار إلي أن هولاند تفوق علي منافسه بشكل كبير. وأظهر استطلاع الرأي أن 45٪ من المشاهدين يرون أن هولاند أكثر إقناعا مقابل 41٪ لساركوزي الذي قد يكون الزعيم رقم 12 في كتلة اليورو الذي يطاح به منذ بدأت أزمة الدين في الكتلة في 2009. وسعي ساركوزي مباشرة إلي الحصول علي تأييد نحو خمس الناخبين الذين دعموا الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة. وحث ساركوزي هذه الشريحة من الناخبين علي عدم اتباع نموذج مرشحة الحزب مارين لوبان التي قالت إنها ستبطل صوتها. لكن الاستطلاعات أشارت إلي عدم قدرة ساركوزي علي إقناعهم. وقال ساركوزي في تصريحات لراديو آر.تي.ال "لم يحدث قط أن تكون الانتخابات متقاربة إلي هذه الدرجة. استطلاعات الرأي تكذب. إذا كنتم تريدون سياسات فرانسوا هولاند بإعطاء المهاجرين غير الشرعيين حق التصويت فتفضلوا بالامتناع عن التصويت" وخلص معلقو التليفزيون الفرنسي إلي أن أداء ساركوزي في المناظرة كان يشبه أداء "الملاكم" بينما كان هولاند مثل "لاعب الجودو" يستخدم لفتات ذكية ليخل بتوازن خصمه. وكان هولاند واثقا من نفسه ومسترخيا في بدايات المناظرة قائلا إنه يريد أن يكون "رئيس العدالة و"رئيس النهضة" و"رئيس الوحدة". وأضاف المعلقون أن ساركوزي والذي يحكم فرنسا منذ عام 2007 أحدث انقساما بين الشعب الفرنسي لفترة طويلة جداً واستغل الأزمة الاقتصادية العالمية كعذر لوعود لم ينفذها. وقال هولاند موجها كلامه لساركوزي في المناظرة "بالنسبة لك الأمر بسيط جدا فأنت لا تكون مسئولا عن الخطأ أبداً." أما ساركوزي الذي قاتل من أجل مصيره السياسي فاتهم منافسه مرارا بالكذب بشأن الأرقام الاقتصادية وردد الكثير من الإحصائيات في محاولة لأن يختل توازن منافسه. وحين قال منافسه إن الرئيس راض دوما عن سجله رد ساركوزي متسائلا "سيد هولاند حين تكذب بلا حياء فهل عليّ أن أقبل هذا؟" وتبارز الرئيس المحافظ ومنافسه المنتمي لوسط اليسار من علي بعد طوال أشهر ووجه ساركوزي الاتهام لهولاند بالافتقار للكفاءة والكذب فيما وصف هولاند الرئيس المنتهية ولايته بأنه "رئيس فاشل". واحتفظ هولاند بتقدم ثابت لأسابيع بعد أن عرض برنامجا شاملا في يناير يقوم علي زيادة الضرائب خاصة علي أصحاب الدخول المرتفعة لتمويل الإنفاق والسيطرة علي العجز العام. واستفاد هولاند في جوانب كثيرة من برنامجه الانتخابي من موجة من المشاعر المناهضة لساركوزي ترجع في جزء منها إلي أداء الرئيس المنتهية ولايته الذي يوصف بأنه استعراضي ويظهر غرورا من حين الي آخر فضلا عن الغضب من الأزمة الاقتصادية والتي أضرت بزعماء بدءا من بريطانيا وانتهاء بالبرتغال.