شهر عجيب غريب.. يأبي أن يرحل دون أن ينتقص بعضاً من أنسنا وراحة بالنا.. شهر خلع فيه المتظاهرون ملابسهم الداخلية العليا أمام مجلس الشعب علي مرأي ومسمع من وكالات الأنباء والقنوات الفضائية.. نحمد الله علي أن الاحتجاج علي هذا النحو كان مقصورا علي الرجال! لم تحتمل الحكومة أن يتعري مظلوموها هكذا.. فقامت أجهزتها بعمل اللازم نحو فض الاحتجاجات بطريقتها.. فتعرت هي الأخري من رداء الرحمة والبحث عن حلول مقنعة أمام بطش المستثمرين الذي يلين أمام دولاراتهم الحجر الصلد. في منتصف الشهر سقطت شجرة سخرية عريقة.. كانت مظلة لكل من يحاول فك التكشيرة.. رحل محمود السعدني.. الولد الشقي.. صاحب الكتابات الساخرة.. المتشرد رفيق الفقر والغربة.. الذي ظل يسخر من الحياة حتي رحل.. يلعب ويلهو بها منها.. صديق كل الحرافيش من أبناء الحياة.. له في كل مكان حكاية.. لم تنل الغربة من روحه المصرية أبدا.. عاشر الملوك والسلاطين ولم يتغير.. حرفوش زمانه ومكانه.. أقرب أصدقائه إلي قلبه كان جزارا.. جواهرجي كلام.. يصنع اللآلئ من ماء الطرشي.. يكتب بجدية.. فتموت ضحكا من صوره الكاريكاتيرية.. يخلو عرش الكتابة الساخرة بعد رحيله.. فلا أحد في ارتفاع قامته.. ولا طول لسانه الذي كان في سِِِِِنّ قلمه.. كان يسخر دائما من الحنجوريين.. الذين يملأون الدنيا صخبا بالميكروفونات دون أن تصل إلي أي معني لما يقولون أو يكتبون!! رحل الولد الشقي.. ولن تنضب الدنيا بعده من الشقاء.. ولا الأشقياء.