»المجلس القومي للسكان«.. قليلون يدركون أهميته في تنمية الفرد والمجتمع وبخاصة بعد أن تم تهميش المجلس من جانب الحكومة واعتباره مجلسًا شكليًا فالقيادات أفسدت مهامه واقتصر دوره علي تنظيم الأسرة، بالإضافة إلي الإهمال المتعمد لباقي عناصر القضية السكانية من تحسين لخصائص السكان والتوزيع السكاني السليم، العمل علي تطوير الأوضاع المعيشية للمواطنين، والاهتمام بالتأمين الاجتماعي لهم .. للأهمية البالغة التي يحملها المجلس علي عاتقه كان لنا هذا الحوار مع د.عاطف الشيتاني مقرر عام المجلس القومي للسكان. ❊❊ لماذا أنشئ المجلس؟ أنشئ عام 1985 برئاسة الدكتور ماهر مهران وكان الرئيس السابق يشرف علي المجلس ثم انتقلت تلك المهام لرئيس مجلس الوزراء، وكان الهدف منه السيطرة علي النمو السكاني ووضع خطط من شأنها مواجهة التكدس السكاني في الوادي، والاهتمام بالخصائص السكانية للمواطن. ❊❊ متي توليت مهام المجلس؟ توليت هذا المنصب في 26 يناير الماضي خلفاً للدكتورة أميمة إدريس بقرار من د.كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء ولم تكن تلك التجربة هي الأولي في مجال الصحة والسكان فقد عملت كأخصائي نساء وتوليد لفترة طويلة، والتحقت بوزارة الصحة للعمل ببرنامج تنظيم الأسرة منذ 1994 وشاركت في تنفيذ برامج العديد من الدول المانحة من أجل خفض معدلات النمو السكاني في مصر من خلال تحسين جودة خدمات تنظيم الأسرة للمواطن المصري، عن طريق شبكة من عيادات تنظيم الأسرة بلغ عددها 5500 وحدة بالإضافة لعملي كمدرب محترف في مجال تنظيم الأسرة واستطعت أن أعقد مناقصات دولية لإدخال »اللولب« إلي مصر بعدما كنا نحصل عليه من المعونة الأمريكية. ❊❊ ما أهم أبعاد الأزمة السكانية في مصر؟ هناك ثلاثة محاور أساسية الأول هو الزيادة المطردة في تعداد السكان التي تتناسب عكسيًا مع قلة الموارد بالإضافة إلي قلة عدد الوفيات والارتفاع الملحوظ في أعداد المواليد فيزيد عدد المواليد كل عام 2.4 مليون طفل. المحور الثاني هو نوعية وطبيعة الأسرة المصرية ذاتها بالإضافة إلي ارتفاع معدلات البطالة والفقرخاصة في القري، وبقياس معدلات التنمية البشرية علي مستوي العالم من الدخل اليومي للفرد، وحصوله علي القدر الكافي من التعليم، والخدمات الصحية المقدمة للأفراد نجد أن مصر تأتي في المركز 113 من أصل 168 دولة علي مستوي العام وجاء ذلك التراجع نتيجة للسياسات السابقة فعندما تتحسن خصائص السكان سيكون الفرد قادرا علي إتخاذ قرار سليم لنفسه ولأسرته. والمحور الثالث هو تكدس السكان في الشريط الضيق للوادي فلابد من إعادة توزيع السكان علي الخريطة حيث إن الكثافة السكانية بلغت 60 ألفا داخل الكيلو متر المربع. وعلي عكس المتعارف عليه أن المدينة أكثر ازدحاما جاءت تقارير المسح الجغرافي لتثبت أن الكثافة داخل القرية أكبر من المدينة نظرا لإحاطة القري بالأراضي الزراعية التي لا يمكن البناء عليها. وقد بدأت الدولة منذ سنين في إنشاء المدن الجديدة ومشروعات تعمير سيناء والصحراء لتدخل ضمن أهم المشروعات القومية. ❊❊ ما أبرز الأولويات التي يضعها المجلس في خطته؟ هناك تحديات كبيرة أمام المجلس في المرحلة القادمة أهمها الاهتمام بصحة المرأة في المجتمع، العمل علي خفض معدلات الأمية خاصة بين الفتيات، تمكين الأسرة، مواجهة الفقر بكل صوره، العمل علي تحسين الصحة الإنجابية وكذلك ضرورة التفاعل مع الشارع خاصة بعد الثورة من أجل التوعية بالقضية السكانية ويتم ذلك من خلال مدخل تنموي من شأنه الاهتمام بالخصائص السكانية والسعي الدائم لحل المشكلات التي قد تتعرض لها الأسرة مع ضبط معدلات النمو السكاني، إضافة إلي توفير خدمة تنظيم الأسرة فلابد من إعادة هيكلتها والرجوع لمفهومها الأساسي . ❊❊ حدثني عن الخدمات التي يقدمها المجلس للمواطنين في المحافظات ؟ المجلس له 27 فرعا في كافة محافظات مصر، ونحاول من خلال تلك المجالس الإقليمية الفرعية التي يرأسها المحافظ ترشيد معدلات الإنفاق داخل تلك الهيئات المشابهة في أعمالها للمجلس لتفادي إهدار المال العام، بالإضافة إلي دور المجلس في صياغة رؤية مشتركة يسير عليها بكافة فروعه لتوحيد المهام وتفعيل النتائج . ❊❊ هل هناك اختلاف طرأ علي أداء المجلس واستراتيجياته بعد الثورة؟ قبل الثورة كانت هناك خطة خمسية بالتنسيق مع كل الجهات المعنية 2007 2012 بتكلفة 400 مليون جنيه وتم عقد مؤتمر سكاني برئاسة الرئيس السابق ولم ينفذ منها أي بند ومصيرها "الأدراج" فالخطة كانت تحمل فشلا ذريعًا ومن أهم عيوبها أنها كانت شديدة المركزية بالإضافة إلي عدم وضع خطط للتنسيق مع باقي المؤسسات الحكومية. وبعد الثورة اختلف الأمر فالمجلس الآن يسعي لاستعادة الثقة مع المواطن والعمل علي توعيته بحقوقه وواجباته وهذا يتطلب مجهودات مادية ومعنوية، ومن الطبيعي أن يلتحم موظفو المجلس مع المواطن لخلق صورة واضحة فليس من المنطقي أن تكون هناك إدارة جيدة من خلال مكاتب المؤسسة دون التفاعل مع المواطن. ❊❊ ما طبيعة المشكلات التي تواجه المجلس ؟ منذ إنشاء المجلس عام 1985 تحت رئاسة الدكتور ماهر مهران وتحت رئاسة الرئيس السابق ثم إنشاء "وزارة للسكان وتنظيم الأسرة" ثم أختفت في يناير 1996 و بعدها أصبحت تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء ومن بعدها وزير الصحة والسكان فتضارب الرؤساء يسبب قليلا من التشتت وهو الآن تحت إشراف وزير الصحة، والمشكلة ذات الأهمية هي افتقار المجلس للموارد فالمجلس لا يمتلك ميزانية تكفيه للعمل، ويعتمد في حركته علي ترشيد الإنفاق، وحشد الموارد المتاحة داخل الوزارات والجهات المخصصة ببرامج السكان، بالإضافة إلي تفعيل المشاركة مع المجتمع المدني من نقابات، وجمعيات أهلية وأحزاب للمشاركة في تنفيذ السياسات وتفعيل مبادرات من شأنها تحسين حياة المواطن. ومن أفضل السبل لمواجهة تلك المشكلات هي الشفافية والوضوح فالميزانية المخصصة للأنشطة داخل المجلس هي مليون ونصف المليون جنيه ونفدت بالفعل وهذا ما تبقي بعد الثورة - المجلس بدون موارد - ونحاول الآن جاهدين أن نجذب موارد للاستثمار في تحسين خصائص المجتمع المصري من الجهات المانحة حتي لا نحمل الدولة أعباء. ❊❊ كيف تري التهميش الإعلامي للمجلس؟ التعتيم الإعلامي لدور المجلس في الفترة الأخيرة حدث نتيجة لعدم الاستقرار السياسي، فلم يكن هناك مفر من تلك الوقفة لمراجعة الأجندات وكان من الضروري أن نتفهم حركة الشارع وليس معني ذلك أن يظل المجلس ساكنًا. نحن الآن في حالة بحث دائم مع كل الجهات ونعمل جاهدين علي أخذ الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخري. ❊❊ ومارأيك في تجارب الدول الأخري في حل الأزمة السكانية ؟ برنامج الصين في حل الأزمة السكانية يعتمد علي إلزام الأسرة بإنجاب طفل واحد ولا يمكن تطبيقه في مصر،أما إيران فالحل جاء من خلال الفتاوي الدينية التي أحلت تعقيم الرجال ونجحت بشكل كبير في حل المشكلة السكانية .