عبدالخالق فاروق مليارات الصناديق ضائعة بسبب تورط الحكومة وعجز البرلمان اتهامات النائب أشرف بدر الدين للحكومة صحيحة والاعتذار أضعف المجلس مفتاح أزمة مصر الاقتصادية في الصناديق وأشياء أخري لأنه أول من أثار قضية الصناديق الخاصة.. ومن أكبر المتحمسين لفتح هذا الملف الخطير الذي يصفه بأنه أحد أهم ركائز فساد النظام السابق.. ولأنه يدرك حجم الأموال بهذه الصناديق والتي يقدرها بأكثر من 005 مليار جنيه ويقدر تماما أنها يمكن أن تساهم في حل جزء من الأزمة الاقتصادية الطاحنة وتغنينا عن سؤال اللئيم.. لكل ذلك توقعت رد فعل الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية.. توقعت حجم غضبه ورفضه لما حدث في البرلمان عندما أجبر النائب أشرف بدر الدين علي تقديم اعتذار للحكومة بعدما أشار لتورط بعض الوزراء في جريمة فساد الصناديق الخاصة فالاعتذار في رأيه لم يكن مطلوبا والنائب لم يخطئ وكل ما أراده هو الإشارة ضمنا لتورط الحكومة في هذا الملف ولايقصد وزراء بعينهم.. ولأن الحكومة ب(تتلكك) بالعنت في غضبها لكسب نقطة علي حساب البرلمان والمؤسف أن الأخير استجاب لهذا الضغط واضطر النائب بدر الدين لتقديم الاعتذار.. في أسوأ رد فعل يمكن توقعه من وجهة نظر فاروق، أما الموقف الصحيح والمفترض أن يتخذه البرلمان هو الإسراع بتشكيل لجنة تقصي حقائق للكشف عن حجم الفساد في تلك الصناديق وكشف المتورطين فيها والمستفيدين منها.. هذا لو كانت النية والإرادة متوفرة لمواجهة هذه القضية الخطيرة.. لكن لأن (لو) تفتح عمل الشيطان اكتفي البرلمان بالاعتذار حتي إشعار آخر وحتي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الصناديق الخاصة.. ويعطينا وإياكم طول العمر. ❊❊ كنت أعرف أنني أنكأ جرحا مؤلما وأنا أطرح تساؤلاتي عليه.. وأقدر إلي أي مدي هو مهموم بهذا الملف بدا ذلك واضحا خلال لقاءاتي به في أكثر من حوار صحفي كانت كل القضايا تنتهي في الغالب لتصب في ملف الصناديق الخاصة التي يراها إحدي ركائز الفساد.. لذلك كنت أشعر بغضبه وهو يعيد إلي ماسبق أن فجره فورا عن حكاية هذه الصناديق وإن جاء صوته هذه المرة يكشف عن غضب أكبر. وضعت يدي علي كارثة هذه الصناديق أثناء بحثي التحليلي المتعلق بمؤسسة الفساد في عصر مبارك.. كان ذلك منذ عامين وثقت هذا العمل في كتاب حمل عنوان اقتصاد الفساد في مصر من 48 وحتي 0102 لم ير النور بالطبع إلا بعد شهر تقريبا من ثورة يناير 1102.. وتركز البحث علي محاولة فهم آليات الفساد والإفساد التي كان يمارسها النظام السابق واكتشفت أن أحد أهم هذه الآليات هي الصناديق الخاصة أو ما يمكن أن نطلق عليه (النظام المالي الموازي للموازنة العامة للدولة.. تضم هذه الصناديق مبالغ هائلة تم استقطاعها من المواطنين سنويا بأشكال مختلفة منها علي سبيل المثال المنح والقروض الخارجية.. وفي تقديري أن حجم الحركة المالية بها لاتقل عن تلك الموجودة بالموازنة المالية العامة للدولة أي أنها لاتقل بأي حال من الأحوال عن 005 مليار جنيه سنويا.. وهذه هي جملة الفوائض المالية المتوفرة بهذه الصناديق.. فعل سبيل المثال فقط فإن حجم حساب تلك الصناديق في البنك المركزي فقط يزيد عن 63 مليار جنيه.. هذا بالطبع خلاف الصناديق الموجودة بالبنوك التجارية وهي الأخطر. ❊❊ من فتح الباب الخلفي لاستنزاف الموازنة العامة وأعطي الشرعية لهذه الصناديق؟! وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالي هو من قام بذلك من خلال تعديل قانون المحاسبة الحكومية الذي يحمل رقم 751 لسنة 15 وتم تغييره بقانون آخر يحمل رقم 931 لسنة 6002 والذي سمح بإنشاء حسابات خاصة في البنوك التجارية بشرط موافقة وزير المالية.. وكانت هذه هي البداية لخلق شبكة مصالح لانعلم حتي الآن الكثير من التفاصيل عنها لكنها من المؤكد أنها تشكل جزءا خطيرا لتمويل شبكة الفساد للنظام السابق. ❊❊ هل توقعت أن يثير النائب أشرف بدر الدين هذه القضية في مجلس الشعب وماهو تقييمك لما حدث فيها؟! لم تكن المرة الأولي التي يفجر فيها بدر الدين قضية الصناديق الخاصة فسبق أن فجرها في البرلمان السابق 5002 0102 ففي أكتوبر 0102 كانت المرة الأولي التي يكشف فيها النائب عن حجم الفساد في الصناديق الخاصة وإن لم يكن لديه وقتها أرقام دقيقة حيث قدر حجم ما فيها بأكثر من تريليون جنيه.. وهو بالطبع رقم مبالغ فيه.. لذلك أسرعت بالاتصال به وأوضحت له حقيقة الأمر وشرحت له أن هذا الرقم بضم إجمالي الحركة المالية للحسابات الموجودة بالبنك المركزي.. وأن هناك فرقا بين حجم الحركة المالية وحجم الإيرادات والمصروفات ورصيد الصناديق الخاصة وحتي نقدر حجم الأموال بالصناديق للخاصة علينا أن نحسب الفائض المتوفر في نهاية العام.. وهو الفرق بين الرصيد في أول السنة وآخرها.. علي سبيل المثال لو افترضنا أن رصيد هذه الصناديق علي مدار العام كان 05 مليار جنيه وأنه علي مدار العام أيضا تم إدخال مائة مليار جنيه أخري بينما تم صرف 07 مليارا فمعني هذا أن حجم الصافي بها 08 مليار جنيه وهو ما نطلق عليه رصيد آخر المدة أو بلغة المتخصص هو حجم الفوائض المتاحة وفي تقديري أنها لاتقل عن 001 مليار جنيه في صندوق البنك المركزي.. هذا بالطبع خلاف الصناديق الموجودة بالبنوك التجارية والتي لم يتم حصرها حتي الآن.. والتي لاتقل في تقديري أيضا عن 06 مليار جنيه. ❊❊ ما هو السبب في رأيك وراء إحجام إثارة الحكومة لهذا الملف؟ عدم توفر الإرادة السياسية لدي وزير المالية أو رئيس الوزراء فكلاهما عاجز عن اتخاذ أي قرار بشأن هذه الصناديق.. ويبدو أن وزير المالية غير بعيد عن التورط من الاستفادة من تلك الصناديق منذ أن كان يعمل بوزارة المالية. ❊❊ إذن الاتهامات التي أطلقها النائب أشرف بدر الدين صحيحة من وجهة نظرك.. فلماذا إذن تراجع عنها بالاعتذار؟! هي بالطبع صحيحة لكن لأن مجلس الشعب ضعيف واستن سنة سيئة بدأها بالنائب زياد العليمي والذي أطلق مثلا شعبيا يدخل في إطار حرية التعبير عن رأيه في المشير طنطاوي حدث ذلك خارج البرلمان ومع ذلك أصر المجلس علي معاقبة زياد وطلب منه الاعتذار .. هذه المسيرة السيئة من الاعتذارات التي بدأها البرلمان أصبحت فيما بعد أمرا طبيعيا في أدائه.. ولاينتبه هؤلاء أن هذا الطريقة لن تؤدي إلا لإضعاف هيبة المجلس وأعضائه.. وفي رأيي أن النائب أشرف بدر الدين كان محقا في مجمل ماقاله وعندما أشار إلي الوزراء فكان يعني إدانة الحكومة ولايقصد وزراء بعينهم .. لكن الحكومة (إتلككت) واعتبرت الأمر إهانة وطالبت بالاعتذار. ❊❊ ربما لأنه تبين أن النائب لايمتلك دليلا!! أنا أرسلت له بعد الجلسة مايثبت تورط أحد كبار المسئولين ممن حصل علي أموال من تلك الصناديق وتحديدا من مجلس إدارة بنك ناصر والذي حصل منه علي 87 ألف جنيه!! لكن بصرف النظر عن هذه الواقعة فإن حجم الفساد بالصناديق الخاصة خطير وكان يتطلب رد فعل أكثر جدية ومسئولية من مجلس الشعب مشجعا لفضح هذا الفساد لامجبرا النائب الذي يحاول كشفه بالاعتذار. ❊❊ ماهو رد الفعل الذي كان من المفترض علي المجلس اتخاذه! أن يطلب علي الفور تشكيل لجنة تقصي حقائق تضم خبراء وقضاة تكون مهمتها التفتيش في هذه الصناديق الخاصة وفتح ملفاتها ومعرفة المتورطين فيها والمنتفعين منها وبالتأكيد كان من السهل عليهم اكتشاف تورط بعض الوزراء الذين يحصلون علي مكافآت منها. ❊❊ من هم هؤلاء المسئولون؟ لا أستطيع تحديدهم الآن.. لكن لجنة تقصي الحقائق يمكنها بسهولة التوصل إليهم لو توفرت الإرادة والنية لكشف الفساد.. لكن المؤسف أن البرلمان لم يقدم علي هذه الخطوة الجادة.. وبدلا منها يؤثر المواقف الضعيفة التي تنال منه ومن أعضائه ويخسر بأدائه المصداقية والتأييد الشعبي له.. وبالطبع تنتهز الحكومة الفرصة للتهرب من المحاسبة والمساءلة وغلق أي باب يمكن أن يفتحه أحد لإثارة مثل هذه القضية الخطيرة.. وهي تدرك تماما أنها تلعب مباراة مع برلمان ضعيف الأداء والمستوي.. لذلك سرعان ما كشرت عن أنيابها واستجاب رئيس البرلمان الدكتور الكتاتني وكذلك رئيس الأغلبية حسين إبراهيم اللذان أسرعا بدفع بدر الدين لتقديم الاعتذار. ❊❊ لكن في إطار ما أطلقت عليه المباراة بين الحكومة والبرلمان لماذا لم يستغل مجلس الشعب هذا الملف الخطير لإدانة الحكومة خاصة في ظل إصراره علي إقالتها؟ لأنه برلمان يفتقد الخبرة والرؤية في التعامل مع مثل هذه القضايا الخطيرة ولايجيد اللعب بأوراق القوة التي بين يديه.. فالحكومة بلا شك متورطة في الصناديق الخاصة وأكبر دليل علي ذلك أنها لم تتخذ أي إجراء لفتح هذا الملف وتكشف حجم الأموال بالصناديق الخاصة وبدلا من ذلك تسرع الخطي للاقتراض من الخارج.. وتتجاهل تماما أن هذه الصناديق مثلا كانت جزءا من الأزمة الاقتصادية هي أيضا جزء مهم في حل هذه الأزمة. ❊❊ ربما تتعمد الحكومة ذلك فالكل يعلم أنها حكومة أقرب للثورة المضادة منها للثورة؟! بالطبع فتعقيد الأزمة إحدي الوسائل المعروفة لنظام حكم مبارك والذي أدمن سياسة إدارة الأزمات المفتعلة.. علي نفس النهج تسير الحكومة الحالية تدخل الناس في أزمة الخبز ليخرجوا منها علي أزمة البنزين وتليها أزمة البوتاجاز وهلم جرا.. هي تفعل ذلك استمرارا لسياسة النظام السابق وليس في نيتها كشف ولامواجهة الفساد.. وهي تدرك أن هناك مسئولين كبار وؤرساء جامعات ورؤساء بنوك.. هي شبكة فساد ومصالح كما قلت لك. ❊❊ إلي أي مدي يستفيد أعضاء هذه الشبكة من الصناديق الخاصة؟ يختلف ذلك علي حجم ورصيد الصندوق.. والمعروف أن هذه الصناديق تختلف أرصدتها من مكان لآخر.. فالصناديق الخاصة برئاسة الجمهورية تختلف عن تلك الخاصة بوزارة الخارجية عن غيرها الخاصة بالبنوك والجامعات. علي سبيل المثال يمكن القول إن جملة مايحصل عليه 05 شخصا فقط من قيادات البنوك الأربع الحكومية الرئيسية يصل إلي 002 مليون جنيه سنويا.. ويقدر قيمة ما يحصل عليه رؤساء البنوك علي 061 ألف جنيه شهريا. أيضا يمكن تقدير ما يحصل عليه رئيس جامعة القاهرة من هذه الصناديق ب 052 ألف جنيه شهريا هذا إذا ما افترضنا أن هناك 05 صندوقا خاصا تابعا للجامعة ورصيد رئيس الجامعة من كل صندوق خمسة آلاف جنيه فقط وبالطبع بالرقم قابل للتضاعف! ❊❊ لجوء الحكومة إلي تثبيت العمالة في الصناديق الخاصة ألا يعد بابا للتحايل علي إبقاء هذه الصناديق؟ بالطبع وفي رأيي أن اتجاه الحكومة لذلك يعد غباء سياسيا ومؤامرة لتخريب البلاد.. فبدلا من كشف الفساد بتلك الصناديق تم تعيين الفلول وعصابات المحليات حتي وصل العدد لمائة ألف شخص والآن تسير الحكومة علي نفس نهج الحكومات السابقة وكل من هب ودب يعملون له عقود تعيين علي حساب الصناديق الخاصة بهدف تخريبها وحتي يصعب إغلاقها وكشف حجم الفساد فيها . ما يحدث يعد شكلا من أشكال التخريب والدمار المتعمد بالاقتصاد المصري. ❊❊ أمام هذه الجريمة هل تري أن الباب قد أوصد تماما أمام أي محاولة لكشف جريمة ما يحدث في الصناديق الخاصة؟! لم يغلق الباب بعد .. ومن المؤكد أن النائب بدر الدين سيستمر لأ مصداقيته أصبحت علي المحك وأعتقد أنه سيستكمل مشواره لكشف الفساد ومن المؤكد أيضا أن الأيادي الشريفة ستمتد له بالمساعدة وسيتقدم كل من لديه وثائق سواء من الجهاز المركزي للمحاسبات أو من غيره لمساندته وفضح هذه الجريمة.. يجب أن نراهن علي أن حاجز الخوف قد انكسر تماما بعد الثورة وأن وعي الناس وإدراكهم لحجم الفساد سيدفعهم للتعاون علي كشفه. أيضا نحتاج إلي سن تشريع لإلغاء كل المواد الخاصة التي تسمح بانشاء الحسابات الخاصة وفي مقدمتها المادة 02 من قانون الموازنة العامة. ❊❊ إلي أي مدي يمكن أن تساهم حجم أرصدة الصناديق الخاصة في حل الأزمة الاقتصادية؟ هي جزء من الحل وليس وحدها أداة للحل.. وهي إحدي آليات حل الأزمة وستساهم بالطبع في جزء مهم لكننا نحتاج أيضا إلي آليات أخري إلي جانبها منها إعادة هيكلة الموازنة العامة وتطبيق الحد الأدني والأقصي.. وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية للموازنة العامة وتطهير قطاع البنوك والبترول من قياداته الفاسدة. ❊❊ لماذا تأخرنا في التعامل مع ملف الصناديق الخاصة؟! لعدم توافر الإرادة.. فأنا نبهت منذ أكثر من عام للفساد والتخريب وإهدار المال بهذه الصناديق لكن للأسف لم يستجب أحد لصوتي ولاغيري ممن تبنوا هذه القضية.. لم يستجب عصام شرف وفي رأيي أن صمته وسكوته علي هذه الجريمة يدفعنا للمطالبة بتقديمه للمحاكمة.. حتي لو لم يثبت تورطه بالفساد لكن يكفي أنه غض الطرف عنها وترك الفاسدين دون محاسبة. أيضا لم يكن أداء الجنزوري أفضل حالا فهو يفتقد الرؤية والخبرة والإرادة السياسية.. وهو مجرد موظف حكومي تم تصعيده بوزارة التخطيط لايمتلك سوي عقلية متواضعة لاتؤهله لمواجهة أزمة وطن في مثل هذه اللحظة التاريخية.. مشكلة الجنزوري أنه لايتعامل سوي مع المذكرات التي يقدمها له وكلاء الوزراء فقط.. ومحدودية رؤيته تلك ومصادره في المعرفة هي سبب المشاكل التي نعاني منها والتي تتضح من ضعف الأداء الحكومي وفشله في مواجهة الأزمات. ❊❊ إنت تتفق إذن مع مطالبة الإخوان بإقالة حكومة الجنزوري؟ من اليوم الأول ونحن نطالب بذلك لكن للأسف آثر الإخوان اللهاث وراء مصالحهم الخاصة وتحقيق مكاسب محدودة وبحساباتهم الضيقة أثروا التمسك بالحكومة وغضوا الطرف عن مصالح الوطن العليا. هذه البراجماتية جعلتهم يخرجون من حفرة ليقعوا في أخري أخطر منها.. المؤسف أن المجتمع هو من يدفع الثمن من أمنه باقتصاده. ❊❊ وهل تتوقع نجاح الإخوان الآن في إقالة الحكومة رغم أن المجلس العسكري سيحول دون ذلك في إطار المعركة الدائرة الآن بينهما؟ يجب أن ندرك أن المجلس العسكري طرف في المعادلة ولايشكل كل الأطراف.. معني ذلك لو أن هناك موقفا صلبا وواعيا ومدركا للمصلحة الوطنية وبعيدا عن التناحرات الحزبية فإنه من المؤكد سينجح في إقالة الحكومة ولايمكن لأي طرف مهما كانت قوته الوقوف أمام هذه الإرادة القوية فقط لو توفرت النية الصادقة. والمهم أيضا أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة بمعايير الكفاءة وليست بمعايير تشكيل اللجنة التأسيسية التي يبرز فيها منطق المغالبة والاستئثار.