أتمني أن تفشل المساعي الرامية لتأسيس جماعة إخوان مسيحية سوف تنتفض تيارات لتطالب بحقها في هذا الوطن مصر الآن تمر بحالة تحول تاريخية، فهي علي وشك اختيار أول رئيس منتخب في تاريخها وإعداد لجنة لصياغة دستور جديد يحفظ الحريات والحقوق لتبدأ حقبة مضيئة من تاريخها. جاءت وفاة البابا شنودة لتطرح العديد من الأسئلة أهمها وضع الأقباط في مصر. فظهور العديد من التيارات الإسلامية المتشددة ودخول بعضها البرلمان يهدد ليس فقط هوية الدولة ولكن مدنيتها أيضا. لذا كان لنا هذا حوار مع المفكر القبطي كمال زاخر منسق جبهة »العلمانيون الأقباط« التي تهدف إلي تمصير مصر بأن يكون الدين في ذاته دافعا للاندماج وليس الانقسام. ❊❊ ما الصفات المهمة التي يجب أن تتوافر في البابا الجديد؟ بالإضافة إلي الشروط الأساسية يكون من أبوين مصريين حتي لو من المهجر، قضي علي الأقل فترة لا تقل عن خمسة عشر عاما كراهب. الحصول علي تزكية من ستة أعضاء من المجمع المقدس أو اثني عشر عضوا من أعضاء المجلس الملي. دعينا نقول إن البابا شنودة الراحل كان آخر رموز عصر الشخصيات الكاريزمية في الكنيسة كما في العالم كله الذي ينتقل من حكم الفرد إلي المؤسسة . لهذا فأي مقارنة بين البابا الجديد والبابا شنودة لن تكون في صالحه. فليس هناك داع للتعامل الكنسي مع السياسة لأن ذلك شكل قوة ضغط عليها في فترة مبارك والسادات، فيجب أن تعود إلي مؤسسة دينية. ❊❊ ما هو أكبر ملف ينتظر البابا الجديد؟ أكبر ملف أمامه سيكون المصالحة الكنسية ، إعادة ترتيب البيت من الداخل وأن تكون المشاركة السياسية للأقباط بعيدا عن الكنيسة. ❊❊ هل للأقباط رؤية خاصة للوطن أم رؤية عامة ؟ ليست لهم رؤية أو مطالب خاصة لكونهم أقباطا وبالتالي الفصل بين رؤية الأقباط والرؤية العامة أتصور أنه يصل إلي حد الفصل التعسفي. أما فيما يتعلق بمصر أشعر بمرارة لأن ما يحدث الآن يتجاوز مراحل الارتباك الطبيعية التي تعقب الثورات، فما يحدث الآن يحتاج إلي وقفة لأنه تجاوز الارتباك الطبيعي. فكان يجب أن ننتقل من الثورة إلي الدولة. ❊❊ ألا تري أن هذا هو طبيعة الثورات، أن نمر بفترة من الفوضي وعدم الاستقرار؟ الثورة هي حالة من حالات الغليان، والانفجار هو ما يعقب الغليان، لكن نبقي في الانفجار والغليان إلي ما لا نهاية، فهذا دمار. صحيح أننا نمر بفترة انتقالية في ظل حوار حقيقي بين أطياف الشارع والمجتمع لكن لابد أن نتدرج من الثورة إلي الهدوء حتي نستطيع أن نفكر الخطورة الآن أن هناك مؤشرات تقول إن هناك من يسعي لاختطاف الوطن بعد أن عرف الشارع كيف يطالب بحقوقه وكيف يضغط مما يهدد بانفجارات متتالية وإن آجلا أو عاجلا. ❊❊ ما رأيك في حالة الخطاب والحوار بين التيارات المختلفة في هذا الظرف الحرج الذي يمر به الوطن؟ هناك حالة استقطاب بين التيارات المختلفة، فحتي الآن لم ننجح أن نقيم حوارا حتي الآن ظهر ذلك مبكرا في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، الانتخابات البرلمانية بشقيها الشعب والشوري ويتوقع أكثر في انتخابات رئاسة الجمهورية لأن الاصطفاف الآن يحدث ليس سياسيا وليس الأقلية والأغلبية بمعني السياسي ولكن هناك اصطفاف ديني وهو أخطر الاصطفافات لأنه إحادي. لا يوجد دين في الدنيا مهما بلغ سموه يفقد صفة الأحادية لأن الدين في عموم الأمر لا يري في الأديان الأخري سواء السماوية أو الأرضية إنها صحيحة كاملة الصحة وأنه وحده هو الذي يعبر عن الحقيقة المطلقة، ومن هنا يأتي التصادم. والتصادم في الأديان شديد الصعوبة. ❊❊ كيف ينطبق ذلك علي التجربة المصرية؟ للأسف الحالة المصرية تعاني من التراجع الثقافي، الفكري وربما أتجاسر وأقول التراجع الديني الحقيقي، فنحن الآن نعيش حالة من حالات التدين الشكلي عموما. فقد لفتت نظري بشدة صورة علي الفيس بوك وفيها شخص غاضب لأنه رأي سيدة غير محجبة ولكن لم يغضب عندما رأي فتاة صغيرة تأكل من القمامة أو لا تجد ملابس لتسترها. ❊❊ ما هو الإطار الصحيح الذي يمكن أن تتشكل فيه اللجنة لوضع الدستور حتي تتمكن من تمثيل كل أطياف المجتمع ومنهم الأقباط؟ بدأ الحوار داخل اللجنة التأسيسية التي تضع الدستور بعيدا عن التربص لأنها الآفة التي ستقضي علي الحوارات التي تتم بشأن الدستور، فكل فصيل يري أن الآخر ليس وطنيا. التخوين والتكفير والمؤامرة هي الثلاثة عناوين الكبار التي يوضع تحتها كل الاتهامات وهم كفيلون بأن يقضوا علي أي حوار. الأمر الآخر هو شبح المادة الثانية من الدستور وكأن مصر قائمة ونائمة علي هذه المادة. الآن ما يطالب بتغيير المادة هم الإسلاميون المتشددون وليس المدنيين الذين يريدون أن يفوتوا الفرصة علي اختطاف الدستور. إن السلفيين علي سبيل المثال يريدون أن ينتقلوا من مبادئ الشريعة إلي أحكام الشريعة، وهي ما يمكن أن يصطدم مع الطبيعة المصرية لأنها تتغير حسب تغير المدارس الفقهية، فهي عديدة تتراوح ما بين التسامح والتشدد ثم أضيفت عليها ربما مدارس متجددة أو مستجدة مثل الوهابية وغيرها. ❊❊ في حالة تجاهل الدستور القادم لحقوق الأقليات ومنهم الأقباط، ماذا سيكون رد فعلهم؟ إذا خرج إلي النور دستور كما يريده المتشددون فسيكون دستورا معيبا، وبالتالي يمكن أن يكون محل نزاع أمام المحكمة الدستورية. وفي هذا الأمر تحديدا الصدام لن يكون مع الأقباط ولكن بين القوي السياسية المختلفة يمكن أن يصل إلي حالة من حالات الصدام الدموي، الخطورة هنا أن هناك دعما إقليميا لمزيد من التشدد ليس حبا في مصر ولكن لتأكيد أنظمتهم الفاشية الموجودة في بلادهم. وبالتالي أنا لا أخشي من المصريين علي المصريين ولكن من تدخلات خارجية. ❊❊ هل البابا يمكن أن يحدد للأقباط مرشحا معينا ويصبحون قوة تصويتية واحدة في الانتخابات الرئاسية القادمة؟ لا، فالمشكلة عند ذكر الأقباط يعطي إيحاء بأننا نتكلم علي تجمع علي أساس ديني في شأن سياسي، لأن شأنهم شأن كل المصريين لديهم من هو في أقصي اليمين وأقصي اليسار ومن هو كما يقولون "شاري دماغه بالمعني المصري" ليس له في السياسة، أيضا هناك أقباط مؤمنون بعبدالمنعم أبو الفتوح الذي يمثل التيار الإسلامي الوسطي وآخرون يؤيدون عمرو موسي وحمدين صباحي وأبوالعز الحريري. ❊❊ هل أقباط المهجر يمكن أن يمثلوا ورقة ضغط من قبل الغرب علي الحكومة أو النظام المصري؟ يوجد لدينا ورقة ضغط وكنت أتمني أن يكون لدينا لوبي مصري في الخارج يعمل لصالح الوطن فالأمر الآخر أنه كما في الداخل كذلك في الخارج نحن كمصريين لدينا أزمة في العمل الجماعي، نعرف فقط كيف ننجح كأفراد. وللأسف هذه الآفة هاجرت مع الأقباط. ❊❊ هل تتوقع أن الاتجاه العالمي لإقحام الدين في السياسة الذي بدأ منذ الثمانينيات أوشك علي النهاية؟ لا نحن مستمرون فيه لفترة ليست قليلة، لأن بعد الهدوء هناك أصابع ما تشكل خريطة الشرق الأوسط الجديد، رؤية وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كسنجر ورؤية صامويل هنتينجتون صاحب نظرية صدام الحضارات والتي حاولنا إنكارها، كل هذه حقائق. فهنتينجتون قال في نهاية كتابه إنه صدام أديان. فللأسف هناك دعم اقتصادي لدول تريد أن تجعل لنفسها وزنا افتقدته كثيرا بالصقل الاقتصادي ويقوموا بصرف أموال فلكية لنشر هذا الفكر للدول التي تريد أن ترث مصر. ❊❊ بعض الأقباط ينادون بتأسيس جماعة الإخوان المسيحيين ما رأيك؟ ثبت بالتجربة والتاريخ أن التجارب لا تستنسخ لأن كل واحدة ابنة لظروفها وأفكارها ومناخ سياسي واقتصادي معين. وهذا الأمر غير متوفر أن يتم تكوين جماعة مسيحية علي غرار جماعة الاخوان المسلمين. وأتمني أن تفشل هذه التجربة. ❊❊ في أحد الحوارات السابقة لك، لماذا حذرت الكنيسة من محاولات استغلال وفاة البابا؟ لأن وفاة البابا حدث عاطفي وصدمة كبيرة مما قد يدفع أحد الأشخاص للتأثير علي العواطف أو تسييسها، وادعاء أن البابا قام بترشيحه لخلافته وهذا ما نفاه البابا قبل وفاته. ❊❊ ما رأيك في الوثيقة التي صدرت عن الأزهر؟ كنت أكثر الداعين لتفعيلها وأن تعتبر إحدي الأدوات التي يجب أن نبني عليها فكرة الدستور لأنه هنا قام بواجبه كمؤسسة وسطية لها تاريخ طويل في هذا الأمر. فهي تعد عملا وطنيا وليس سياسيا فيجب أن نركز علي هذا الأمر، إن وثيقة الأزهر هي عمل وطني وليس سياسيا.