الأرشيف القديم للمكتبة السينمائية المصرية يمتلئ بنسخ تسرد قصص البوليس السياسي وأمن الدولة مع المعارضين السياسيين، لتتشابه مع ما رواه الجميلي شحاتة صاحب أحد دور النشر ل " آخر ساعة" حول عملية احتجازه والتحقيق معه بتهمة إيواء جماعات مخربة تهدد استقرار البلد. الشاعر الشاب الذي قال إنه تعرض لعملية اختطاف استمرت ثلاثة أيام من قبل أشخاص مجهولين ذاق خلالها ساعات الرعب، خاصة في اللحظات الأخيرة التي ظن أنه سينضم فيها إلي قائمة المفقودين من نشطاء يتم تغييبهم في أماكن غير معروفة. التحقيقات معه تركزت حول علاقته بالاجتماعات التحضيرية لعقد مؤتمر مجلس قيادة الثورة وانتهت بتهديده بالقتل. مشهد (1) ليل /خارجي مساء الثلاثاء 28 فبراير أمام دار النشر الشاعر الجميلي شحاتة مدير الدار شاب في مقتبل الأربعينات، يقف يستقبل ضيوفه الذين يتوافدون علي المكان للتحضير لاجتماع مجلس قيادة الثورة، يصافح أصدقاءه من الناشطين السياسيين: حسن عبد الوهاب، أيمن أبو سعده، دعاء عبد الحميد، سامح الجندي، أسامه الششتاوي، هدير فاروق، مني السقا، محمد الطيب، ومحيي عبد الشافي والجميع في انتظار محمد أبو حامد. الساعة تشير إلي الثامنة و45 دقيقة، ورنين الهاتف يتصاعد، ينظر الجميلي إلي شاشة الموبايل ليشاهد رقما مميزا ويبدأ حوارا قصيرا، حيث يخبره الطرف الآخر أنه أتي لحضور الاجتماع لكنه لا يعرف المكان بالضبط ويطلب منه أن يأتيه ليصطحبه حيث يقف آخر شارع محمد حلمي إبراهيم علي ناصية شارع رمسيس. يصل الجميلي إلي آخر الشارع فلا يجد أحدا، يقوم بالاتصال بصاحب الرقم الذي يتهمه بأنه تأخر عليه ويطلب منه أن يتقدم قليلا باتجاه شارع جانبي متفرع من شارع رمسيس لا أثر فيه لشخص باستثناء سيارة جيب تقف وحيدة، ليفاجأ بغمامة توضع علي عينيه عن طريق أشخاص أتوا من خلفه يأمرونه بالسير أمامهم في هدوء! أحد المارة يقترب: خير يا أساتذة فيأتيه الرد: مباحث! وبعد ما يقرب من ساعة ونصف تتوقف السيارة أمام مبني ويتم اقتياده إلي الداخل. مشهد(2) ليل/ داخلي مبني لجهة مجهولة يدفعه أحد الأشخاص ليصعد سلم ثلاثة أو أربعة طوابق، ثم يهبط مرة أخري علي نفس السلالم تقريبا طابقين، ويسير في ممر ضيق ليفتح باب حديدي ويتم إلقاؤه في غرفة مظلمة، ويسمح له بفك الغمامة بعد خروج من معه، ووضعها علي عينيه إذا طرق أحدهم الباب! مشهد (3) نهار/ داخلي داخل الغرفة المغلقة في منتصف ظهيرة الأربعاء، يتم الطرق علي الباب، ليضع الجميلي الغمامة ويدخل رجلان يتحدث كل منهما لللآخر: -المفروض نبدأ؟ - مينفعش.. لازم ننتظر مدحت بيه. ويخرجان من جديد، لينضم إليهما ثالث ويعودون بعد نصف ساعة ويبدأ التحقيق. يركز المحقق أسئلته في البداية حول حركة " مينا دانيال" باعتبار الناشر عضو اللجنة التنسيقية في الحركة؛ متي بدأت؟، عدد أعضائها؟، إلي أن يتهم الحركة بالطائفية، وهو يقول إن الغالبية العظمي من اعضائها مسيحيون. يتهم المحقق الناشر بأنه يفتح الدار لاستقبال من قال إنهم يدعون الثورية. وفجأة يسأله: وأيه بقا حكاية مجلس قيادة الثورة؟.. إلا صحيح انتوا عايزين تجمعوا الناس كلها حواليكم؟ .. إحنا عارفين إن محمد محمود وزياد العليمي معاكم.. طيب ومصطفي الجندي موقفه إيه.. جالكم كام مرة؟ يقسم الناشر علي أن الجندي لم يأت ولو لمرة واحدة لحضور الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر مجلس قيادة الثورة، ولم يحدد موقفه إلا عن طريق من أنابه في المؤتمر الذي عقد بنقابة المحامين. يتطرق المحقق إلي سؤال حول التمويل وكيف استطاعوا جمع المبلغ (15000 جنيه) لاستئجار القاعة بنقابة الصحفيين. ويجيب الناشر بأنه مبلغ بسيط، ويقول: لو أن كلا منا دفع خمسة جنيهات لاستطعنا جمع المبلغ بسهولة. مشهد(4) ليل /داخلي لحظات التعذيب بعد خروج المحقق بساعتين يدخل ثلاثة أشخاص ويطلب أحدهم من الناشر أن يرفع ذراعيه ليبدأ الضرب عن طريق لكمات بقبضة اليد باتجاه جنب الجميلي الأيسر مع أسئلة سخيفة مكررة من عينة: بتوجع؟! مشهد(5) ليل/ خارجي شوارع وسط البلد بعد أذان مغرب يوم الجمعة الماضية، تفتح الغرفة المغلقة ليخرج مدير دار النشر في صحبة من لا يعرفهم وحين يحاول أن يسأل من جديد إلي أين؟.. يرد أحدهم: رايحين قطاع تاني. يقول الجميلي: حينها ظننت أنها النهاية.. وتأكدت بأنني سأنضم إلي 1300 النشطاء ( حسب احصائية حركة " هنلاقيهم") الذين تم خطفهم ولا يعلم أحد عن مكانهم شيئا.. لكن السيارة تخيب ظن الناشر وهي تسير لمدة ما يقرب من 45 دقيقة وفي نهاية محور 26 يوليو وأول طريق أكتوبر تتوقف السيارة التي يفتح بابها فيأتيه الأمر بالخروج. حالة من الرعب قفز بعدها الشاعر الشاب ليعبر عرض الطريق ويصاب بحالة من القئ وهو يستند علي ما يقابله من سور الشارع ليشفق عليه صاحب سيارة ملاكي فيقوم بتوصيله. أما مدير مركز نبيل الهلالي للحريات المحامي سيد فتحي فسيتقدم ببلاغ للنائب العام برقم 389/62 حول الواقعة يطالب فيه وزير الداخلية والمجلس العسكري بتحمل ما حدث للناشر.