ودخل بوتين قاعة كرملين .. رئيسا لروسيا الاتحادية للمرة الثالثة بالقطع اليقين .. لكن بقاءه هذه المرة لفترة أطول مُراهنٌ بالتخمين لا بالتمكين .. إذ لم يعد رجل الشارع الاشتراكي الشيوعي يركع لشريعة لينين .. ويسجد لماوتسي تونغ بإيّاك نبعدُ وإيّاك نستعين .. ولا لسيجار كوبا وكاسترو بالطنين والرنين. فيُراهن المراقبون علي مستقبل المعسكر الشرقي، ولايخفون خشيتهم علي من يدخل كرملين لسنوات قادمة بطموحات سابقة، وينظر الي شعبه من البرج العاجي، أن الشعب قد لايراه من الرصيف، بل ويُخشي عليه أن يجعلوا منه في قصره دُمية فاقدة الحياة، وإن بدت في البدء جميلة الهيئة بالمكان والمكين. فلاديمير بوتين الفائز بأكثر من 63٪ يقرأ الوقت واقفا علي بوابة قصر كرملين، إنه في زمن أخرج وقته الرؤساء من قصورهم واحدا تلو الآخر رغم الإعلان عن فوز بعضهم 99٪. وأيضا قد يتذكر واقفا علي الباب، شابا (ضابط مخابرات سابق) أشقر اللون كان يوما دخله بعيون زرقاء، وبأوسمة ونياشين وأرقام لم يحملها أي حاكم روسي قبله في تاريخها الحديث، وكان ذلك الضابط الأشقر الشاب هو بوتين نفسه، الذي استلم مفتاح كرملين من (يلتسين) عام 1999 وفيها صندوق بفائض 80 مليار دولار مفتاحه خط أحمر، إلا إذا انخفض النفط والدخل القومي بين 7 إلي 6٪. عام 1999 بوتين دخل كرملين للمرة الأولي ويلتسين كان يحتضر في الداخل، بعد فترة قاسية أعطاها لروسيا المجتمع وروسيا الدولة المتدهورة، المشردون يملأون طرقات موسكو الباردة، يموتون علي الرصيف دون الرغيف، معدل الوفيات 50٪ إلي أن انهارت صحة يلتسين فانهارت معها صحة كرملين والفساد مزروعٌ في ثروة البلاد ومداخيلها، فهدرت الدولة الروسية في إنفاق 120 مليار دولار مجهولة تملقتها من البنك الدولي، وارتفع معدل الفساد 99٪ في النفط الروسي الذي كان قد تم تخصيصه عام 2002 فانتقلت أموال حكومية إلي حسابات شخصية بأياد خفية ومشبوهة غادرت بلا عودة مع ثروات قومية طائلة لما وراء الحدود، وكان يلتسين لا يشغل باله بالديون والإنفاق في الداخل، بل وينشغل بمهرّجيه الدبلوماسيين في الخارج، دبلوماسيون يفتقرون لأدني أبجديات الدبلوماسية.! وكان علي رأس تلك الدبلوماسية العنجهية، الجوكر الروسي الشهير مدلل يلتسين المدعو: (فلاديمير جيرونوفسكي) ولازلت أتذكر أحد تصريحاته الشرسة المعادية للعرب وهو يبوق في الأبواق: (سأعيد العرب إلي زمن الإبل..!) .. والغريب أن هذا الجوكر الروسي المنهار أصلا والمطرود من بلاط يلتسين لاحقا، سرعان ما لاقي استقبالا عربياً رحبا وأصبح ضيف شرف المفضل في كل من ليبيا والعراق، بينما كانت سويسرا رفضته حتي بتأشيرة علاج.! "فلاديمير بوتين" رئيس روسيا الحالي والمنتخب للمرة الثالثة، هو من (خريجي/ومواليد سانت بطرسبرج/7 أكتوبر1952) حاصل علي درجة الكانديديات (تعادل الدكتوراه في الاقتصاد) .. كان قد عينه يلتسين في 25 يوليو 1998 مديرا لجهاز الأمن الفيدرالي، الذي خلف جهاز الكيه جي بي السابق، وأصبح رئيسا بالإنابة عند استقالة يلتسين في 31 ديسمبر من عام 1999 .. ثم فاز رئيسا في انتخابات 26 مارس عام 2000 أُعيد انتخابه رئيسا للبلاد في 14 مارس 2004 ثم أُعيد انتخابه للمرة الثالثة في هذا الاسبوع من هذا الشهر مارس 2012. بوتين الاقتصادي أكاديميا، سيواجه من يومه الاول في كرملين تحديات اقتصادية لتنفيذ وعوده الانتخابية، التي تشمل زيادة الرواتب، والأجور، والمعاشات والإعانات الاجتماعية المقدرة 170 مليار دولار .. إذ قال بوتين عشية فوزه أنه "لم يقل شيئا لا يستطيع الوفاء به" وأضاف قائلا "علينا العمل من أجل توفير 1.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتحقيقه" .. ويشمل العقد الاجتماعي الجديد بين بوتين والشعب الروسي إنفاق 116 مليار دولار، علي مدار السنوات الست المقبلة لزيادة رواتب المدرسين بالجامعات، وهم أقل شرائح المجتمع الروسي دخلا، وأشدهم خطورة في تحريك الشباب نحو الشارع الروسي بالربيع الروسي.! وزير المالية الروسي (انطون سيلوانوف)، يعتقد أن علي الحكومة الاستعداد لمواجهة الزيادة في الإنفاق الاجتماعي، خاصة إذا ما انخفضت أسعار النفط تحت 70 دولارا للبرميل، لأن بوتين لم يأخذ في الحسبان المقدرات التي ستتحملها روسيا للإنفاق علي دورة الألعاب الأولمبية التي ستنظم في شتاء 2012 بمدينة سوتشي إلي جانب نهائيات كأس العالم لعام 2018 التي ستتكلف المليارات بالإضافة للإنفاق علي التسلح علي مدي العقد المقبل، والمتوقع أن يزيد علي700 مليار دولار. روسيا القريبة من العرب لم تعرف العرب حق المعرفة، فلم نعرفها نحن العرب: (أهي لنا أم علينا.؟) لكن الدول العظمي مهما تباعدت عنا جغرافيا أو تقاربت منا سياسيا، فإنها متفقة فيما بينها دون منازع علي لغة مشتركة: (افتعال الحروب للبقاء في السلطة .. ولو حروبا صغيرة علي شكل حرب عصابات هنا وهناك .. عدم الحسم في الميدان ليسهُل الإحساس بالنصر في الإعلام .. إشغال دول الجوار ببعضها .. افتعال عدو وهمي لكل دولة .. صرف النظر عن العدو الحقيقي لكل الدول، ناهيك عن تقويته بالسلاح والعتاد.!) وهذه الفبركة تُملئ علي الدول العظمي حاجاتها النفطية ومستلزماتها الاستراتيجية من المصافي والنقل والتخزين للنفط والغاز، وتتموّل كتالوجاتهم الإنتخابية مجانا علي رائحة الدماء العربية الإسلامية، تُبقيهم في السلطة لأكبر قدر من الوقت باستنزاف نفط العرب بأرخص الأسعار وأكبر الكميات، وبمقايضة أعداء العرب بالسلاح والعتاد، أو العكس بالعكس، لأن العكس أيضا معكوسٌ في أغلب الأوقات، فالتقطوها اللقطة في شاشاتكم، واعتبروها عبرة يا أولو الألباب).