إحدى محاكمات أعضاء الجماعة الإسلامية يعد الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي بالجماعة الإسلامية، واحدا من أبرز الشخصيات في عالم الإسلام السياسي المعاصر حاليا، فالرجل الذي تحدي الدولة في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينات وكان علي رأس تيار التكفير، عاد وخاض غمار الفكر عبر سلسلة المراجعات التي أثبتت له خطأ بعض ما كان ينادي به. الرجل الذي خاض سنوات الاعتقال الطويلة بقلب شجاع قرر اعتزال جميع أوجه العمل السياسي متفرغا لحبه الأول الدعوة والطب. حول رأيه في صعود التيارات الإسلامية وتحليله لها كان حوار "آخر ساعة" معه. ❊❊ ما الذي تغير في الجماعة الإسلامية بعد الثورة؟ الجماعة الإسلامية هي أكبر جماعة تعرضت للمحن في عهد مبارك ورغم ذلك لا يذكر كثير ما قامت به فقد ضحت بثلاثة آلاف قتيل معظمهم خارج إطار القانون وأعدم مائة شخص في حوالي عشر سنوات بأحكام عسكرية واستثنائية، وهو أكبر عدد أعدم في تاريخ مصر السياسي حتي في أثناء الاحتلال الإنجليزي واعتقل حوالي 51 ألف شخص. خرجت الجماعة من كل هذا منهكة سياسيا واقتصاديا وعمريا فمن دخل السجن في أوائل العشرينات خرج وهو في الأربعينات قبل قيام الثورة كانت الجماعة ممنوعة من كل شيء حتي من الحديث لوسائل الإعلام. أما باقي الحركات الإسلامية فكانت في وضع مريح اقتصاديا وبشريا فلم تتعرض للإيذاء مثلنا فلما قامت الثورة انتهزت هذه الفرصة واستطاعت أن تلعب دورا فيها من خلال كوادرها المنظمة ووضعها المالي المستقر، وهو عكس ما تجده بالمقارنة لحزب الجماعة الذي يعاني فقرا في الإمكانات فمقراته قليلة في الأصل عبارة عن هبات من أبناء الجماعة الإسلامية. بالإضافة إلي أن القوي الإسلامية الأخري استغلت محنة الجماعة في الانقضاض عليها. ❊❊ كيف هذا؟ الجماعة الإسلامية كان مركز دعوتها الصعيد الذي كان مقصوراً عليها، مع تمثيل ضعيف لجماعة الإخوان المسلمين، لكن عندما دخلت الجماعة المحنة، انتشرت جماعة الإخوان المسلمين وكذلك الدعوة السلفية الذين سيطروا علي قاعدة الجماعة في الصعيد. ❊❊ هل استخدام العنف من قبل الجماعة الإسلامية كان خطأ؟ بالتأكيد ولم يحقق للجماعة أي شيء وقد خلصت من كل تجربتي في الحياة أن أكبر خطأين يمكن أن ترتكبهما الجماعات الإسلامية هي استخدام العنف والعمل السري. فإنشاء الحركات الإسلامية للأجنحة العسكرية بغرض حماية الدعوة هو الذي وأد الدعوة بشحن آلاف الناس الأبرياء للسجون والمعتقلات. ❊❊ هل من الممكن أن تصطدم الجماعة الإسلامية بالدولة مرة أخري ؟ انتهي هذا العصر منذ المراجعات لأن الجماعة الإسلامية دفعت الثمن غاليا فكل الأهداف التي سعت إلي تحقيقها باستخدام السلاح حدث عكسها. ففي بداية السبعينات كان في المعتقلات 0002معتقل، استخدمنا العنف لإخراجهم فأصبحوا 02ألفا، وعندما كان هناك تعذيب خفيف في البداية زدنا في مساحة العنف، فتضاعف التعذيب وأصبح أشرس ألف مرة وعندما أرادت الجماعة حرية الدعوة أغلقت الدعوة بالكامل. لقد خلصت إلي أن أي حركة إسلامية تستخدم العنف إنما تقضي علي نفسها قبل أن تقضي علي النظام وتعطيه المزيد من فرص البقاء، يمكننا أن نقول إنها تعطي النظام قبلة الحياة لأنه يسوق نفسه علي أنه يحارب الإرهاب، وأنه يحمي الشعب في الداخل ويمنع هذا الإرهاب من مهاجمة الغرب في الخارج. ❊❊ لماذا تركت منصبك داخل الجماعة ؟ كل إنسان له دوره في الحياة ولابد أن يأتي وقت يترك المناصب ويعود الي وظيفته الأساسية. وقد خلصت إلي أن أي منصب قد يضر الإنسان ولاينفعه وقد يسيء اليه فعليه يتعلم فكرة الاستقالة، أما الحركة الإسلامية فتعتبر أن استقالة شخص عار لأنه هرب من المسئولية و تخلي عن الأمانة. فلقد ندمت أن تسلمت قيادة الجماعة فقد كان من المفروض أن أظل داعية منذ بداية عهدي فقد كان قرارا خطأ في حياتي فأنا سعيد بهذا القرار لأنه أزال عني هموما كثيرة. ❊❊ ما السبب وراء اعتزالك العمل السياسي والاكتفاء بالدعوة؟ لقد نشأت داعية وعشت داعية ولم أحب في حياتي سوي الدعوة والطب ولأني لا أميل للسياسة التنظيمية ولا اصلح لأي عمل سياسي أو حزبي. كل حياتي كانت في الدعوة لله وكان هذا السبب الرئيسي وراء دخولي الحركات الإسلامية لا من أجل السياسة أو الوصول إلي الحكم. ❊❊ ما الفرق بين العمل الدعوي والحزبي؟ من الممكن لأي إنسان أن يمارس العمل السياسي إذا رأي في نفسة الكفاءة.. المهم أن يكون هناك حد فاصل بين الدعوي الثابت والحزبي المتغير. فالعمل الدعوي يمثل أركان الإسلام ومقاصده وغاياته وأخلاقه، أما العمل السياسي فهو متغير يقوم علي المصلحة فمن الممكن أن يتحالف مع حزب يساري أو اشتراكي أو ليبرالي ومن الممكن أن يقبل باتفاقية كامب ديفيد. أما العمل الدعوي فيرفض ذلك لأنه يتكلم عن الحق مجردا. ❊❊ كيف تعاملت الحركات الإسلامية مع هذا بعد الثورة؟ كل الحركات الإسلامية بعد الثورة أصبح لها أربعة أذرع دعوي وسياسي واجتماعي ونقابي، الدعوي متمثل في الجماعة الأم أما الجانب السياسي فتجده في الحزب اما الجانب الاجتماعي فتجده في الجمعيات الخيرية و النقابي يتحقق في النقابات التي يسيطرون عليها.. من المفروض أن تتكامل المجالات الأربعة فمن غير الجائز أن نهمل العمل الدعوي الذي يربي الإنسان علي حساب العمل السياسي ولاينبغي إهمال العمل السياسي الذي ينشئ الحكومة الصالحة، ولا أن نترك العمل الاجتماعي الذي يهتم بالفقراء والمساكين والمرأة المعيلة. والمشكلة التي نعاني منها الآن هي أن الحركات الإسلامية ركزت علي العمل السياسي وأهملت الجوانب الأخري. أهم درس أعطته لنا الثورة أنه ليس إزالة الحاكم الظالم هي المطلوبة وحدها فقد زال حكم مبارك ولكن مازال الفساد والرشوة كما هما. وهذا يوضح لنا أن الدعوة غير مؤثرة لأنها تفتقد الأسوة والقدوة لأن جزءا كبيرا من الدعوة تحول إلي الحزبية فكثير منهم يريدون أن يضموا الناس الي الحزب لا أن يدعوهم للهداية لأنها قليلة. حتي المؤتمرات الدعوية غاب عنها حس الدعوي وأصبح الحديث فيها عن السياسة فقط، ذهب الحاكم الظالم ولكن أين المجتع العادل. ❊❊ بم تنصحهم؟ هناك عدد من المحاذير يجب أن تتجنبها الحركات الإسلامية أولا ألا تقود الدولة بعقلية الجماعة وهذه كانت مشكلة طالبان التي قادت أفغانستان بهذه العقلية لأنها في هذه الحالة تكون مسئوليتها الوحيدة تجاه المجتمع هي الهداية والدعوة أما التعليم والصحة وتوفير المأكل والمشرب فهذا ليس من شأنها. ثانيا ألا تقود الدولة بفقه الدعوي أي أن خطابها يكون موجهاً للمسلمين فقط ولكن في أي دولة هناك ديانات أو أطياف أخري لايمكن أن تقصيهم، فالوطن يقوم علي التوافق والبحث عن المشتركات فالمواطن المسيحي له حق شئت أم أبيت الرابط بيننا هو مصلحة الوطن. ثالثا ألا تقدم الحركات الإسلامية مصالحها علي مصالح الأوطان وأن تربي أبناءها علي ألا يكون هدفهم ضم الأتباع وتعيين الأقرب في الجماعة بمعني ألا يفضل الإخواني الإخواني والسلفي يفضل السلفي حتي لايكرروا مايقع فيه المصريون جميعا، لابد أن تكون جميع التعيينات التي تجريها الحركة الإسلامية إذا تسلمت الحكم علي أساس الكفاءة. ❊❊ كيف تفسر الاستقطاب الحاد بين الإخوان والسلفيين؟ هناك خلاف فكري قديم بين الإخوان والسلفيين ولكن الخلاف الفكري لابأس منه ولا يضر الإسلام والمسلمين خاصة إذا كان اختلافا راقيا ويحترم آداب الاختلاف. ولكن الخطر يبدأ عندما يتحول الاختلاف الفكري إلي خلاف علي سلطة، فكراسي الحكم دائما تفرق الأحبة، الخلاف علي السلطة أخطر مايكون فيه دماء وسجون ومعتقلات، ولكن طالما هناك تداول للسلطة كما أن كلا من الإخوان والسلفيين يتمتع بالعقل والحكمة والشعب المصري رقيق بطبعه كل هذا سيخفف من حدة هذا الاختلاف. ❊❊ من سترشح للرئاسة ؟ سأرشح الدكتور سليم العوا فهو أستاذي وعلمني الكثير في تطور فكر الإسلام السياسي فهو أول من تحدث وكتب فيه في حين لم يكتب أحد منذ عشر سنوات.. الغريب أن من شتموه عندما ألف هذه الكتب هم من يطبقون الآن كلامه بحذافيره ورغم ذلك يشتمونه حتي الآن. بالإضافة الي أنه طاف العالم وجمع بين الثقافة الشرقيةوالغربية وحاصل علي الماچستير في الشريعة الإسلامية وكان الأول علي دفعته فهو فقيه إسلامي بالأساس. كما حصل علي الدكتوراه في القانون الدستوري من بريطانيا وتتلمذ علي أيدي الإخوان وما لايعرفه الكثير أن والده من أوائل السلفيين في الإسكندرية حينما لم يكن أحد يعرف السلفية ولكنه كسلفي متفتح وكان الدكتور سليم يحكي لي أن والده كان يأتي لهم بالبيض الملون في شم النسيم علي الرغم من عدم إيمانه بتلك العادة حتي لايتطلع أولادي لما في أيدي الآخرين. وتتلمذ علي أيدي أحد كبار قادة الإخوان الشيخ حسن العشماوي الذي لو عاش في مصر لكان مرشدا. خلاصة القول إنه استقي علمه من مدارس كثيرة المدرسة السلفية والإخوانية والمدرسة الغربية وكان المحرك الرئيسي لاتحاد علماء المسلمين عندما كان أمينا عاما له. ❊❊ كيف تري حظوظه في الفوز؟ انتخابات الرئاسة ستحسمها التحالفات أكثر من اختيار الناس، أما بالنسبة لفكرة الرئيس التوافقي فستلغي اختيار الشعب الحقيقي قد تكون مفيدة في مرحلة أو مرحلتين ولكن الخوف من أنها ستستمر وبالتالي سيتحكم في اختيار الرئيس عدد من الأحزاب والمجلس العسكري وسيستمر الأمر بهذا الشكل وكأن الثورة لم تقم وسيظل الشعب غير قادر علي اختيار رئيسه. فالرئيس القادم سيكون رهن إرادة هذه الأحزاب لذا أتوقع أن يكون ضعيفا جدا ومن يليه سيكون أضعف لأنه لن يستطيع اتخاذ اي قرار لمصلحة مصر بل ستكون قرارته كلها توافقية ترضي جميع الاطراف، ولهذا لن تختار هذه الأحزاب الدكتور سليم العوا لأن أي حركة إسلامية لن تستطيع أن تغلب إرادته نظرا لقوة شخصيته.